تقييم للنظام التربوي في لبنان على مدى 3 سنوات

يتمّ في لبنان، وللمرة الأولى، تشخيص واقع التعليم الرسمي والخاص، بطريقة علمية، بدلاً من إصدار التكهنات حول الواقع التربوي، قياساً على مستوى مدرسة ما، أو تبعاً لنتائج امتحانات، بعدما تم وضع الأصبع على جرح «التربية»، بحيث بات معلوماً أين يكمن التقصير، وكيفية معالجته بغية تحسينه، وسد الثغرات فيه.
فقد أظهرت النتائج الأولية لجهد استمر نحو ثلاث سنوات ونيف، وبالتحديد منذ العام 2008، من خلال برنامج «باسك» للتقييم التشخيصي للنظام التربوي في لبنان، وجود تقارب في العلامات بين نتائج الرسمي والخاص، إلا أن تلامذة المدارس الخاصة غير المجانية، سجلت نسبة أعلى من المدارس الرسمية، في الصف الخامس الأساسي. أما في الصف الثاني، وفي القطاعين الرسمي والخاص، سُجل تقدير جيد في مطلع العام الدراسي، إلا أن هذه النسبة تراجعت، تبعاً لمستوى الأهل العلمي، والمستوى الاقتصادي، وتأثر التلميذ سلباً أو إيجاباً. وأظهرت النتائج الأولية أن المدرّس الذي يستعمل اللغة العربية في تعليم مادة الرياضيات، ينعكس ضعفاً على أداء التلامذة، ومع ذلك بلغت النسبة في الرسمي 11.75، وفي الخاص 13.9 في المئة.
وخلص التقرير إلى ان القطاع الخاص حصد 8.7 في المئة من النقاط، بينما القطاع العام حصد 1.1 في المئة فقط. ولحظ أيضاً تفاوتاً كبيراً في اللغة الفرنسية بين الخاص والرسمي، ومستوى ضعيف في الصف الثاني باللغة الانكليزية، وإن المدارس التي تخضع للرقابة نتائجها أفضل من غيرها، سواء أكانت رسمية أم خاصة.
وأعلنت أمس النتائج الأولية لبرنامج «باسك» بكلفة لم تتعد الخمسين ألف يورو. وشمل البرنامج 150 مدرسة رسمية وخاصة، ونحو أربعة آلاف تلميذ، وسبق أن تابعه أربعة وزراء تربية، من أجل تحسين التعليم الرسمي والخاص، وتوظيف نتائجه في عملية مراجعة علمية دقيقة للمناهج التربوية وأساليب التقييم، وطرق التعليم والتعلم ووسائله. ويندرج المشروع ضمن التقييم التشخيصي للنظم التربوية في البلدان المشاركة في منظمة وزراء تربية الدول الفرنكوفونية، «الكونفيمن».
وتطال الاستفادة من البرنامج الدول العربية أيضاً، كما أكدت لـ«السفير» المراسلة الوطنية السابقة لدى المنظمة الفرنكوفونية بشرى عدرا، سيما أن البنك الإسلامي شارك في التمويل للاستفادة من النتائج والتوصيات في مقارنة واقع التعليم العربي.
وشمل التقييم في لبنان اللغة الفرنسية واللغة الإنكليزية واللغة العربية والرياضيات، في 150 مدرسة للصف الثاني الأساسي، و146 مدرسة للصف الخامس الأساسي، وشارك فيها 2032 تلميذاً في الصف الثاني، و2075 تلميذاً للصف الخامس.
وتابع عمليات التقييم فريق عمل من المركز التربوي، انضوى في إطارها نحو 830 معلماً و146 مديراً، وتمّ توظيف نحو 60 خبيراً وإدارياً وسبعة أشخاص من الفريق الوطني للموارد البشرية في اختصاص التقييم واستخراج المؤشرات. وجرت عملية التقييم عن طريق إجراء اختبارين تمّ بعدهما تطبيق معايير التقييم الوطنية في مطلع العام الدراسي وفي نهايته، ثم مقارنة النتائج مع الدول الأخرى المشاركة، ليتم تطوير الأدوات المستخدمة في التقييم.
وتتابع ورشة العمل اليوم في المركز التربوي، مناقشة النتائج على أن تصدر في شكل توصيات مع الأرقام المفصلة لكل مادة ومرحلة، وأسباب الضعف والطريق إلى التحسين، كما أكدت لـ«السفير» رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء ليلى فياض.

جلسة الافتتاح

افتتحت الورشة في قاعة المحاضرات في وزارة التربية والتعليم العالي بمشاركة الوزير حسان دياب، وحضور الأمين العام لمنظمة وزراء التربية الفرنكوفون جاك بوريما كي، المدير العام للتربية فادي يرق، المفتش العام التربوي شكيب دويك، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، الملحق لشؤون التعاون اللغوي في السفارة الفرنسية كريستوف شايو، عميدة كلية التربية الدكتورة زلفا الأيوبي، ومدير التعليم الابتدائي جورج داوود، المديرة الإدارية للمركز التربوي يولا حنينة، مديرة أمانة سر القطاع التربوي د. ندى منيمنة، وحشد من كبار المسؤولين في الوزارة والمركز التربوي والمدارس المشاركة.
بعد عرض تاريخي سريع لبرنامج «باسك» من مسؤولة العلاقات الخارجية في الوزارة نبيلة بابتي، أشاد بوريما كي بالجهود التي يبذلها لبنان لتطبيق اتفاقية التقييم التشخيصي للنظام التربوي. وأكد أن هذا البرنامج وضع ليؤمن المعطيات الصحيحة لأصحاب القرار التربوي، من خلال الإشارة إلى نقاط القوة والضعف في النظام التربوي لأي دولة بهدف تحسين نوعية التعليم. ولفت إلى أن النتائج التي توصل إليها فريق العمل في لبنان تطلبت مساراً علمياً واستشاريا طويلاً. وأكد أن منظمة «الكونفيمن» تدعم الجهود اللبنانية في تحسين نوعية التعليم.
وأوضحت الدكتورة فياض أن البرنامج «يشكل أداة لكشف الثغر ونقاط القوة في النظام التربوي، وترسيخ قواعد تشكل رافعة فعالة للنظام بالاستناد إلى ما يظهره التشخيص للعينات المشمولة بالبرنامج». ولفتت الى أن البرنامج ساعد على إجراء التحسينات على مستويات مختلفة وأتاح تكوين فريق عمل وطني يتمتع بالخبرة والإفادة من الخبرات الفنية الأجنبية، من أجل تحسين نوعية المكتسبات التعلمية.
ولفت الوزير دياب الى ان المشروع المتعلق بالتقييم التشخيصي للنظام التربوي في لبنان، والذي يعنى على نحو خاص بتقييم التحصيل التعلمي لدى تلامذة المرحلة الابتدائية في اللغات والرياضيات، يشكل واحداً من سلسلة أعمال وأنشطة سابقة، وأخرى لاحقة، تتعلق بالتقييم، وتشمل المناهج والمكتسبات التعليمية، وبرامج الإعداد والتدريب، وأداء أفراد الهيئة التعليمية، وغير ذلك من مجالات التقويم التربوي.
وأكد العزم على بوتقة هذا التقييم في إطار جهاز متخصص، يتسم بالخبرة والكفاءة والتخصصية العالية، ويتمتع بالاستقلالية والمرونة وحرية العمل المطلوبة، لتأمين التوزيع الصحيح والسليم للمهام والمسؤوليات المرتبطة بوضع المناهج وتطويرها، والإعداد الأساسي، والتدريب المستمر، والإرشاد والتوجيه.
ثم تحدّث من فريق الخبراء التقني كل من موسى أونتينيه وبرونو بسباس وأشارا إلى أن الهدف من البرنامج هو أن يتمّ الربط بين مجموعات التقييم، والإفادة من الأفكار المشتركة ومن نتائج التقييم لاستخراج مؤشرات وأهداف، والتنسيق لإيجاد إطار مرجعي لوضع أدوات تشخيصية موجهة للمعلمين، وتحديد المحيط التربوي للتلميذ والأنشطة التي يقوم بها مما يؤدي إلى تحديد أفضل للبيئة التربوية. ويتم تقسيم عمليات التقييم بين مجموعات من الدول تتراوح بين 10 و15 دولة وتطبيقها كل أربع أو خمس سنوات وفحص مستوى الرياضيات واللغات بناء على المناهج المطبقة في الدول الأعضاء.
وعرضت رئيسة وحدة التخطيط في المركز التربوي شارلوت حنا لبعض نتائج البرنامج في لبنان، ولفتت إلى أنه برنامج تشخيصي شمل التلامذة والأساتذة والمديرين. وشرحت تأثير الأنشطة اللاصفية على المكتسبات التربوية والمناخ المدرسي.
ووصفت حنا نتائج البرنامج بالجيدة، وأكدت لـ«السفير» أنه في وضع المدارس الحالي لا يمكن للتلميذ أن يحصد أكثر من 25 في المئة من أسئلة الاختبار، وهي نسبة مرتفعة.