«على الرغم من أن وجود اللاجئين على الأراضي اللبنانية مضى عليه أكثر من ستين عاماً، مازال هذا الوجود حتى اللحظة غير مقنن بمراسيم وتشريعات تحدّد علاقة الطرفين، كلّ بالآخر». هكذا استهل الباحث الفلسطيني فتحي كليب تقديمه لدراسة أعدّها حول «التعديلات القانونية وواقع المهنيين في لبنان».
وقد عرض كليب نتائج الدراسة، أمس، ضمن طاولة حوار دعا إليها «الائتلاف اللبناني الفلسطيني لحق العمل»، في فندق «ريفييرا».
التضييق على الفلسطينيين عبر «أجْنَبَتِهم»
في السنوات القليلة التي تلت نكبة العام 1948، سعى لبنان ـ الرسمي إلى «توفير فرص عمل للاجئين على خلفية التعاطف العام مع اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم، إلا أن التعاطي الرسمي، نتيجة التعقيدات والتداعيات التي سببتها قضية اللجوء، سيأخذ مساراً صعباً ومعقداً يصبح عنوانه الرئيسي التضييق على عمل الفلسطينيين بمختلف مستوياته»، بحسب كليب. ويُترجم التضييق في دراسته عبر «تطبيق أكثر القوانين تشدداً عليهم، بذريعة حماية اليد العاملة المحلية من المنافسة الأجنبية الوافدة، علماً أن اللاجئين الفلسـطينيين يقيمون بشـكل شـرعي وقانوني في لبنان منذ العام 1948»، فقد «جاءت مجموعة من القوانين والمراسيم لتُخرجهم من دائرة الحماية القانونية بعد تعريفهم، بالتفسيرات الاستنسابية، بأنهم أجانب».
وبالاستناد إلى المادة الثانية من قانون تنظيم عمل الأجانب في لبنان في العام 1964، شرح كليب أن «الأجنبي هو كل شخص حقيقي أو معنوي من غير التابعية اللبنانية»، فيما يسير قانون آخر إلى أن «كل أجنبي يرغب بالدخول إلى لبنان لتعاطي مهمة أو عمل بأجر، أو بدون أجر، أن يحصل مسبقاً على موافقة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية قبل مجيئه إليه.. أي أن المقصود بهذا النص هو كل من يرغب بالدخول إلى لبنان».. اشترطت الممارسات التطبيقية للقانون على الأجنبي أن يستحصل على إجازة عمل ليمارسه في لبنان، «من دون تمييز ما بين الأجنبي الوافد إلى لبنان بهدف ممارسة مهنة ما، والفلسطيني المقيم في لبنان بشكل قانوني، بل أن الاستنساب في تطبيق القانون قاد عملياً إلى إقفال السوق اللبنانية أمام العمالة الفلسطينية بمختلف أنواعه».
وقد طال التضييق عمل المهنيين الفلسطينيين في لبنان، كالأطباء والمهندسين والممرضين، بشكل حاسم أيضاً، إذ «جاء المنع بشكل مطلق استناداً لما ورد في قانون العمل الصادر في 23 أيلول 1946، خاصة في بند النقابات وحق الانتساب إليها، حيث اشترط نصاً في المادة 91 على من يريد الانتساب إلى أي نقابة أن يكون من الجنسية اللبنانية ومتمتعاً بحقوقه المدنية، وأن يمارس المهنة وقت الطلب.. وطبّق ذلك على الفلسطينيين، فيما أجازت المادة 92 من القانون ذاته للأجانب أن ينتسبوا إلى النقابة إذا توفرت فيهم بعض الشروط، وكان مصرحاً لهم بالعمل في لبنان، على ألا ينتخبوا أو يُنتخبوا، وإنما يحق لهم أن ينتدبوا أحدهم لكي يمثلهم ويدافع عنهم لدى مجلس النقابة».
3 فئات عاملة.. وواقع خارج الحماية
انطلاقاً من إحصاءات أجرتها «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أونروا»، قدّم كليب صورة موجزة عن واقع المهن التي يمارسها الفلسطينيون في لبنان. فوزّع «العمّال الفلسطينيون، سواء الأجراء أو المهنيون، على ثلاث فئات، وهي الفئة القليلة التي تتميز بالثراء، وهذه الفئة حملت معها من فلسطين أموالها وخبرتها في الأعمال المالية والعقارية والمصرفية، والفئة المتوسطة من أصحاب الخبرات المهنية والتعليمية، أما الفئة الثالثة وهي الأكبر فتحولت بفعل تشدّد القوانين اللبنانية تجاهها إلى يد عاملة رخيصة تكسب قوتها من خلال العمل الموسمي والأعمال الشاقة، بعيداً عن كل أشكال الحماية القانونية».
واستناداً إلى دراسة أعدها «الائتلاف اللبناني الفلسطيني لحملة حق العمل»، تبين أن «نسبة 42 في المئة من العاملين يتقاضون مبلغاً يراوح بين 320 و500 دولار، فيما تحصل نسبة 47 في المئة من العمال الفلسطينيين على ما هو دون الحد الأدنى للأجور».
60 حقوقياً و250 طبيباً!
قدّم كليب مذكرة نقابية فلسطينية تشير إلى أن «عدد المهنيين الفلسطينيين في لبنان يتوزع على الشكل التالي: 60 حقوقياً مسجلاً في لوائح «الاتحاد العام للحقوقيين الفلسطينيين» التابع لـ«منظمة التحرير»، و250 طبيباً مسجلاً في لوائح «الاتحاد العام للأطباء الفلسطينيين»، و150 طبيب أسنان مسجلاً في الاتحاد، و400 مهندس مسجلاً في «الاتحاد العام للمهندسين الفلسطينيين»، و60 عاملاً في مجالي التصوير والتحرير الصحافيين.
أما الموظفون والعمال في قطاع الصناعة فـ«معظمهم يجري تشغيلهم من دون عقود أو أذون عمل، ليوفر صاحب المصنع تكاليف عديدة قانونية، وليمارس استغلالاً كثيراً ما يكون مرهقاً لجهة تخفيف الأجر وعدم الدفع للضمان الاجتماعي. لذلك، لا توجد أرقام ثابتة ولا معروفة، وإن كانت تقدر ببعض المئات».
بالإضافة إلى ذلك، توقف كليب عند «تقديرات بوجود مئة محاسب ومئة بائع مجوهرات، في حين يعمل ربع حاملي الشهادات الجامعية تقريباً من القاطنين داخل المخيمات في سوق العمل اللبنانية، أي في سوق العمل خارج المخيمات، بينما ترتفع هذه النسبة بين الفلسطينيين خارج المخيمات، ويمكن تصنيف النسبة العظمى منهم على الشكل التالي: 99 في المئة كمهنيين ومديرين يعملون في التعليم والصحة والعمل الاجتماعي، و22 في المئة في الخدمات الاجتماعية، و6 في المئة في التجارة والفنادق والمطاعم، و3 في المئة في الصناعة، و3 في المئة في قطاع المال والعقارات، وهناك عدد قليل يعمل في مجال المواصلات والاتصالات، بالإضافة إلى نسبة واحد في المئة تعمل في مجال البناء»، واستند كليب في أرقامه هذه إلى العدد 77 من مجلة «الدراسات الفلسطينية»، الصادر في شتاء العام 2009.
3 آذار 2012