هاجس التعرفات الاستشفائية... صندوق الضمان يدرس إقرارها بعد زيادة الأجور

تعود مسألة زيادة التعرفات الاستشفائية والطبية إلى واجهة النقاش في صندوق الضمان الاجتماعي بعد مرور سنوات على سقوطها بالضربة القاضية في مجلس الضمان. هذه المرّة المسألة مختلفة؛ فما كان يمنع إقرار هذه الزيادات، أي التوازن المالي في الصندوق، لم يعد قائماً اليوم بعد أن تعززت إيرادات الصندوق بسبب زيادة الأجور
محمد وهبة

يتوقع أعضاء في مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أن يُدرج على جدول أعمال المجلس خلال وقت قريب بند «زيادة تعرفات الأعمال الطبية للمستشفيات والأطباء». فهذه المسألة التي سبق أن نوقشت وسقطت أكثر من مرّة في مجلس الضمان؛ لأن تمويل كلفتها البالغة 80 مليار ليرة لم يكن متوافراً، تعود اليوم بعدما أُقرّ تصحيح الأجور الأخير الذي عزّز إيرادات الصندوق بنحو 120 مليار ليرة. إلا أن نقابة المستشفيات الخاصة تبدي ملحوظاً، مطالبة بزيادة ترتّب كلفة إضافية تراوح بين 30% و40%، أي ما تراوح قيمته بين 21 مليار ليرة و28 مليار ليرة إضافية.

التزام غير محقق

مضت نحو 3 سنوات على النقاش الدائر في صندوق الضمان حول زيادة التعرفات الطبية. ففي عام 2008 مارست نقابتا أصحاب المستشفيات الخاصة والأطباء ضغوطاً واسعة على الصندوق، مطالبة إياه بزيادة التعرفات التي يدفعها لهما عن خدمات الاستشفاء والطبابة التي يقدمها للمضمونين. يومها كان النقاش حامياً بشأن زيادة مرتقبة على الأجور. الظروف تعيد نفسها اليوم مع إقرار مجلس الوزراء زيادة أجور جديدة. وفي كلتا المرّتين، انتفضت المستشفيات الخاصة لتربط تطبيق مرسوم تصحيح الأجور بمنحها زيادة على التعرفات، فتمكنت في عام 2009، بدعم سياسي واسع، من استصدار قرار في مجلس الوزراء يمنحها هذه الزيادة. وقد طلب مجلس الوزراء «إلى جميع الجهات الضامنة المعنية الالتزام»، فعمدت تعاونية موظفي الدولة والقوى الأمنية والعسكرية وتعاونية موظفي الدولة ووزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية إلى التزام التعرفات الجديدة، باستثناء صندوق الضمان. فالأخير كان يخضع لقانون إنشائه الذي يفرض عليه أن يحقق التوازن المالي بين إيراداته ونفقاته، وبالتالي فإن أي كلفة إضافية يجب أن تتوافر لها مصادر للتمويل.
هكذا، استمرّ الجدل بين الضمان والمستشفيات لأشهر، من دون أن يتوصل الطرفان إلى حلّ. مجلس الضمان كان يدور في حلقة مفرغة؛ فمن جهة كانت غالبية ممثلي العمال تصرّ على زيادة الاشتراكات لتمويل كلفة زيادة التعرفات، فيما كانت غالبية أصحاب العمل تجزم بأن زيادة الاشتراكات سترتب أعباءً كبيرة على المؤسسات لا يمكنها تحملها.

نقاش إلى الواجهة

أما اليوم، فقد أُعيد فتح هذا النقاش تحديداً بصورة مفاجأة على هامش جلسة لمجلس الضمان عُقدت قبل نحو أسبوعين. ما قيل يؤكد أن المسألة ستعود قريباً إلى المجلس للنقاش، «فلم يعد هناك أي مجال للهروب منها اليوم بعدما أقرت زيادة الأجور وصار المضمون يتحمّل كلفة هذا الصراع بين المستشفيات والصندوق»، يقول ممثل العمال في المجلس فضل الله شريف.
لكن ما لا يعرفه مجلس الضمان، أن المدير العام للصندوق محمد كركي، كان قد كلّف الخبير الاكتواري في الصندوق فاروق خطّاب إعداد دراسة عن كلفة زيادة التعرفات بصيغتها الجديدة، أي بعد احتساب زيادة غلاء المعيشة منذ شباط 2009 حتى نهاية 2011. لا بل إن الدراسة التي أنجزها خطّاب ستعرض صباح اليوم على اللجنة الاستشارية الطبية العليا لدراستها والموافقة عليها تمهيداً لرفعها إلى كركي الذي سيحيلها بدوره على مجلس الضمان.
وبحسب رئيس اللجنة الاستشارية الطبية العليا محمود شقير، هناك معطيات جديدة تلقتها اللجنة يجب أن تضاف إلى الزيادة التي أقرها مجلس الوزراء في 2009. فهناك زيادة غلاء معيشة بنسبة 11.8%، وهناك استهلاك للمعدات الطبية بنسبة 5%. إلا أن ممثل نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في اللجنة محمد حمندي، طالب بزيادة إضافية تراوح بين 30% و40%، فيما اقترح ممثل وزارة الصحة فايز خليل زيادة إضافية بنسبة 25%. غير أن دراسة الضمان وضعت زيادة على التعرفات السابقة المحدّدة في قرار مجلس الوزراء في عام 2009 لا تتجاوز 18%، وبالتالي فإن الكلفة الإجمالية ارتفعت من 80 مليار ليرة إلى 94.5 مليارات ليرة.
ويشير الخبراء إلى أن احتساب الكلفة يجب أن يأخذ بالاعتبار مجموعة عناصر أبرزها وزن وأثر كل مكوّن في الكلفة الإجمالية. فعلى سبيل المثال، يحتسب الأجر كأحد مكوّنات كلفة الإقامة في المستشفى، وبالتالي لا يمكن وضع زيادة على تعرفة الإقامة بنسبة موازية لمعدّل زيادة الأجور.

زوال العجز؟

ومن أبرز عناصر الدراسة التي ستناقش اليوم في اللجنة الاستشارية الطبية العليا، هو الشقّ المتعلق بتمويل الكلفة الإجمالية لإقرار زيادة التعرفات. فإذا كانت الكلفة تصل إلى 95.5 مليار ليرة، «لا يمكن أن يقوم هذا النقاش بعيداً عن التوازن المالي للصندوق»، يقول ممثل جمعية الصناعيين في مجلس الضمان هاني أبو جودة. لكن برأي أبو جودة، «ربما لم يعد هناك أي مشكلة في موضوع التوازن المالي؛ لأن زيادة الأجور عزّزت واردات الضمان وصار العجز ضئيلاً جداً إن لم يكن مختفياً بصورة كاملة، فالتعويضات العائلية ستحقق فائضاً فيما صندوق المرض والأمومة قد يكون متوازناً فقط».
وبحسب التقديرات غير النهائية، إن زيادة الأجور ستنعكس زيادة في واردات الضمان بنسبة لا تقلّ عن 15%، فترتفع الاشتراكات بقيمة 120 مليار ليرة. أي إن إقرار زيادة التعرفات، إن حصل في مجلس الضمان، سيمتصّ كل الإيرادات الإضافية التي حصّلها الضمان من زيادة الأجور الأخيرة، وقد لا تكون كل فروعه قادرة على تكوين مال الاحتياط بسبب زيادة التعرفات، علماً بأن على فرعي ضمان المرض والأمومة ديوناً تقدّر بنحو 950 مليار ليرة حتى نهاية 2012.
لكن ما يدلّ على قصر نظر السياسيين في لبنان، أنهم رفضوا إقرار ضمّ بدل النقل إلى صلب الراتب الذي كان سيوفّر إيرادات إضافية للصندوق بقيمة 260 مليار ليرة بدلاً من 120 ملياراً فقط، أي ما كان يمنحه فرصة لسداد ديونه ودفع زيادة التعرفات وتكوين مال احتياط... وربما التخطيط لمشروع التغطية الصحية الشاملة.

137 مليار ليرة

هي قيمة الاحتياط القانوني المطلوب من صندوق ضمان المرض والأمومة في 2012 (بعد زيادة التعرفات الاستشفائية)؛ فرغم أن زيادة الأجور انعكست زيادة في الإيرادات من 533 مليار ليرة إلى 613 ملياراً، ورغم أن عجز هذا الصندوق يبلغ 67 مليار ليرة، إلا أن هذا المبلغ لا يكفي!

متغيرات في الموازنة

قبل أن تصبح زيادة الأجور واقعاً، كان مجلس إدارة صندوق الضمان قد درس برئاسة طوبيا زخيا (الصورة)، مشروع موازنة الصندوق التي تتضمن زيادة معدل الاشتراكات في فرع ضمان المرض والأمومة من 9% إلى 13.25% لإعادة التوازن وتكوين مال الاحتياط، أو زيادة سقف الكسب الخاضع للاشتراكات إلى 2.5 مليون ليرة وزيادة معدّل الاشتراك إلى 11.25%. أما في فرع التعويضات العائلية، فقد اقترح المشروع زيادة معدّل الاشتراكات من 6% إلى 7%... لكن بعد تغيّر كل المعطيات المالية إثر زيادة الأجور، هل تبقى هذه الطروحات قائمة؟

6 آذار 2012