حين يكون الحديث مع نائب – طبيب، سرعان ما ينسحب الكلام على الشأن الصحي بلا منازع. هنا تكثر الروايات والأخبار، من إهدار في عدد من المستشفيات، الى مشكلة ضمان الشيخوخة، وصولاً الى أحوال الممرضين والممرضات... وانطلاقاً من هذا المحور، اهتم النائب عاصم عراجي بتعديل مشروع قانون انشاء نقابة الزامية للممرضات والممرضين في لبنان.
عراجي، طبيب القلب، يوزّع نهاره ما بين مجلس النواب ومستشفيات البقاع، وهو الخبير في شؤون القطاع الصحي، وفي الكثير مما يدور في فلك المستشفيات والنقابات والضمان.
منذ نحو شهر، أكبّ عراجي على درس المشروع، أو الأصح تعديله، فترأس اللجنة الفرعية النيابية، التي عقدت جلسات متتالية شارك فيها الى النواب الاعضاء، نقيبة الممرضين والممرضات كلير زبليط وممثلون عن وزارتي الصحة والمال ونقابة المستشفيات الخاصة.
والمعلوم ان نقابة الممرضين قديمة، الا ان تعديل المشروع هدف بدرجة اولى الى جعل الانتساب اليها الزامياً، كي يسمح للممرض او الممرضة بمزاولة المهنة، بعد حصولها على الشهادة. هذه الالزامية يراها عراجي تساهم في رفع مستوى مهنة التمريض، وفي الحد من الكثير من الانفلاش الطبي.
خلال جلسات اللجنة، ناقش النواب المشروع مادة مادة، الا ان الاهم انهم اخذوا في الاعتبار ملاحظات النقيبة زبليط، التي أصرت على الطابع النقابي على الفاتورة الاستشفائية بقيمة ألفي ليرة، بهدف تحسين موارد النقابة وتغذية صندوق ضمان تقاعد الممرض، بحيث ان هذا الطابع يؤمن نحو 200 دولار شهرياً للممرض.
في البداية، عارض نقيب المستشفيات سليمان هارون ذلك، بحجة ان المستشفيات لا تستطيع تحمّل الاعباء، وبالتالي اقترح ان تكون الاعباء على عاتق الدولة او المريض. وبعد النقاش داخل اللجنة، اتفق على تسوية مفادها ان تدفع هذه القيمة مناصفة ما بين المريض والمؤسسة الاستشفائية.
عبر هذا التعديل، يصر عراجي على ان هذه التسوية لا تنصف الممرض مادياً فقط، بل تساعده معنوياً ايضاً، لانه حين يشعر بأنه موضع تقدير وينال حقوقه المالية، يستطيع ان يعطي اكثر.
تصحيح النظرة
اليوم، فرغت اللجنة الفرعية من إعداد المشروع، على ان يكون في جدول اعمال اول جلسة للهيئة العامة للمجلس.
في الماضي، كان ثمة اعتقاد بأن دور الممرض او الممرضة يقتصر على ترتيب السرير او الاهتمام ببعض الشؤون البسيطة، رغم ان من يتولى هذه الامور، غالباً ما يكون حائزاً على اجازة تمريض.
هذا الامر ولّد نظرة خاطئة، لئلا نقول دونية، الى الممرض، فيما الواقع انه، وفي احيان كثيرة، يكون أهمّ من الطبيب، مما يوجب ان يتحلّى بالخبرة والعلم والوعي. ذلك لأنه هو من يصل الى المريض احياناً كثيرة قبل الطبيب المعالج، وهو بالتأكيد من يقضي معه الوقت الاطول ويتحمل طلباته ووجعه ويكون في وجهه ووجه اهله.
هذا الواقع يتطلب من المريض والمستشفيات معاً تكوين نظرة ملائمة الى الممرض توازي تعبه وجهده، وهذا ما سعى عراجي الى تأكيده عبر مشروع القانون الذي يتوقع ان يبصر النور قريباً.
وعبر الاطلاع على أبرز التعديلات التي طالت المشروع، يتبين تعديل في المادة الثامنة، المتعلقة بالتئام الجمعية العمومية العادية للنقابة، اذ باتت تلتئم مرة كل سنة في النصف الثاني من حزيران بدل شهر أيار، الذي يصادف في 12 منه اليوم العالمي للتمريض. اما المادة الثالثة عشرة، فنصّت على انتخاب اعضاء مجلس النقابة والنقيب والعضوين في المجلس التأديبي واعضاء لجنة صندوق التقاعد، لكون هذا الامر لم يكن مذكوراً بوضوح.
كذلك، حددت المادة الثامنة عشرة مدة ولاية النقيب التي باتت ثلاث سنوات، ويمكن تجديد انتخابه لولاية ثانية مرة واحدة. ولا يجوز اعادة انتخابه لولاية ثالثة الا بعد انقضاء دورة انتخابية. والاهم ان التعديل تطرق ايضاً الى وجوب انشاء جمعيات علمية متخصصة، تعمل في نطاق النقابة وتخضع لاشراف النقيب، وتساهم في تحسين النوعية.
يعدد عراجي اهمية هذا المشروع بأنه "يعطي الممرض احساساً بأنه عضو فاعل في المستشفيات عبر التركيز على الناحية المعنوية وتوفير الامان للمستقبل وتقدير عمله". حالياً، ثمة ستة آلاف ممرض، 90 في المئة منهم اناث في مقابل 10 في المئة ذكور. ووفق عراجي، لا يزال هناك نقص، انما ليس بالنقص الكبير مقارنة بالماضي، اذ غادر عدد كبير من الممرضين الى دول الخليج لسبب مالي. واخيراً، من الطبيعي ان يشمل الحديث عن التمريض جوانب عدة متعلقة بالشأن الصحي عموماً، وعراجي يفاجئنا بالقول ان ثمة "650 ألف حال استشفائية سنوياً في لبنان تدخل المستشفيات، وفق ما أفادنا نقيب المستشفيات، وهذا ليس بالرقم الصغير"، ويلفت الى "مسائل عديدة تتعلق بالاهدار داخل المستشفيات".
ولعلها ربما ليست مفارقة ان نسمع "فضائح" من أهل البيت عن القطاع الصحي الذي يلامس اللبناني في حياته، فيكشف عراجي ان ثمة "20 عناية في البقاع، وهذا اكبر بكثير من الرقم المطلوب، مما يدل الى الانفلاش الطبي غير السليم، فيما 60 في المئة من الاطباء لا يتعدى دخلهم المليون ليرة، والاهدار على قدم وساق في عدد من المستشفيات"، والأمر لا يحتاج الى التذكير بأن البطاقة الصحية لا تزال غائبة، والضمان الصحي يحتاج الى "نفضة" حقيقية. كل ذلك، ليس سوى عينة من المشكلات التي تعترض المواطن في صحته وتجعله مهدداً. فهل ستتحقق "النفضة" الصحية في العام 2012؟!.
31 آذار2012