بعيداً من احتفالات 8 آذار وخيبات 14، والعكس، بعد فرز الاصوات وفوز احد الطرفين في كل انتخابات رابطة من رابطات التعليم الرسمي وخسارة الآخر، تبرز ظاهرة السيطرة التدريجية للقوى التي تتقاسم المشهد السياسي على الرابطات، ما يحدث تغييراً في التوجهات.
بعد تحالف الأضداد في انتخابات رابطة اساتذة التعليم الاساسي الرسمي خسرت الرئيسة السابقة لرابطة بيروت عايدة الخطيب صاحبة الخلفية اليسارية، وفاز تحالف المستقبل و"14 آذار"، "أمل" والاشتراكي بكل المقاعد مانحاً الرئاسة لحركة "أمل".
طرحت هذه النتيجة اسئلة عدة عن مصير النقابيين في رابطات التعليم في ظل ما اسماه البعض خطة منظمة للسيطرة على النقابات.
في اذهان كثيرين ترتبط الحركات النقابية بالاحزاب اليسارية التي ترفع شعارات العدالة الاجتماعية وحقوق العمال، والتي تناهض اصحاب رؤوس الاموال. لكن حقيقة الواقع ليست كما هو عالق في الاذهان، فنقابات العمال ورابطات المعلمين بدأت تصبح شبه فارغة من ممثلي هذه الاحزاب التي خاضت معاركها في المرحلة السابقة تحت شعار ابعاد السياسة عن الحركة النقابية، واظهار مرشحيهم كنقابيين قبل ان يكونوا حزبيين او يساريين. لكن ما هو سرّ تراجع تمثيل هذه الاحزاب في رابطات التعليم؟.
يعترف مصدر في احدى الرابطات بالتراجع الكبير الذي يطول النقابيين، كما يسميهم، في معظم النقابات والرابطات في لبنان لمصلحة قوى الانقسام الطائفي، ويضع ذلك في اطار سعي القوى الحاكمة الى اخضاع الحركات النقابية بغية تجريدها من دورها التاريخي كقوى ضاغطة على السلطة لتحصيل حقوق العمال.
يضيف المصدر ان قطاع التربية الذي اصبح بابا من ابواب مكافحة البطالة وورقة من اوراق الاستقطاب الانتخابي لبعض الزعماء الذين يعمدون الى توظيف حاشيتهم عبر التعاقد او التثبيت، ما يغيّر التوازنات داخل الرابطات.
ويرى ان هزيمة المشروع الوطني ووصول القوى الطائفية الى الحكم كان الطريق الى مصادرة العمل النقابي واضعافه من الداخل والخارج.
ويؤكد ان تقاعد الاساتذة الذين دخلوا الملاك في سبعينات القرن الماضي وتوظيف شباب ممن تكون الواسطة جواز دخولهم الاول والمصنفّين طائفيا، أوصل الحركة النقابية الى الغيبوبة الواقعة فيها اليوم، لأن اتباع الاحزاب الطائفية او تلك القوى التي تقتسم القرار في البلد، اصبحت اكثرية في معظم الرابطات.
لم يرغب الدكتور حسن زين الدين مسؤول المكتب التربوي المركزي في حركة "امل" الدخول في سجال عن هذا الموضوع، لكنه اكتفى بالسؤال هل يريد اصحاب هذا الكلام ان يبقى اللبنانيون عاطلين عن العمل لكي يحافظوا على مقاعدهم النقابية؟
بين الاساسي والثانوي
ويشير رئيس رابطة اساتذة التعليم الاساسي الرسمي محمود ايوب، وهو الذي انتخب رئيساً للرابطات الخمس الموحدة في الانتخابات الاخيرة انهم في الرابطة لم يعدوا مذكرتهم بعد، فهم في انتظار انتهاء الانتخابات في المناطق، وأكد استمرار الهيئة في سياسة الضغط لمواجهة غلاء المعيشة، وذلك بالتنسيق "مع زملائنا في رابطة التعليم الثانوي ونقابة التعليم الخاص". ونفى ان تكون المعركة الانتخابية التي خيضت في رابطة الاساسي أدت الى نفور بين الفائزين بنتيجتها وبين رابطة الاساتذة الثانويين، "انها معركة ديموقراطية ونحن نفصل السياسة عن العمل النقابي".
وستعمل الرابطة في سياق تحركها على تحصيل سلسلة الرتب والرواتب للاساتذة التي تمثلهم، ووفق أيوب هناك اتجاه الى زيادة رواتب موظفي الفئة الرابعة في الدولة، ما يجعل رواتبهم تفوق رواتب اساتذة التعليم الاساسي الرسمي الذين هم ايضا من الفئة الرابعة والذين يتمتعون تاريخيا بامتياز يجعل رواتبهم تفوق رواتب نظرائهم من موظفي الفئة الرابعة بـ 60%، "ومن هنا نحن مع زيادة رواتب كل الفئات لكن في الوقت نفسه نحن ضدّ اي مسّ بامتيازاتنا ومكاسبنا".
ويؤكد ايوب ان توظيف الاساتذة الـ709 الناجحين في كل التخصصات اصبح قريبا، "وهذا سيكون اول انجازات الرابطة، وسنعمل ايضا على اجراء مباريات مفتوحة بغية التخلص من بدعة التقاعد".
واذ يعترف ايوب ان هناك فائضاً في اساتذة التعليم الاساسي، يشير الى ان "النوعية مفقودة وان عدداً كبيراً جداً من الاساتذة يتقاعدون سنويا".
يطرح أحد الاساتذة الناشطين في العمل النقابي اسئلة عن المسار الذي تتجه اليه رابطات التعليم الرسمي، وهل ستسيطر عليها قوى السلطة؟ هل ستتخلى عن واجباتها قريبا كما يفعل الإتحاد العمالي العام؟ اسئلة لا بد من طرحها، ربما، لكن الوقت هو الوحيد الذي يمكن ان يأتي بالاجابات.