المستشفيات تهدّد المضمونون: رهائن حتى زيادة مداخيلنا

منذ 15 يوماً نفّذ مستوردو النفط الذين يربحون 100 مليون دولار سنوياً وأصحاب المحطات والصهاريج، إضراباً، ثم قرروا تنفيذ إضراب ثانٍ يمتد لـ3 أيام. أما المستشفيات الخاصة فامتنعت، أمس عن استقبال مرضى الضمان مطالبة بزيادة التعرفات الاستشفائية، فيما اعتصم الأطباء لزيادة تعرفاتهم... الكل يريد زيادة حصّته من كعكة الخزينة العامة!
محمد وهبة

توقفت أمس المستشفيات الخاصة عن استقبال مرضى صندوق الضمان الاجتماعي. حجّة هذه المؤسسات التي تطلق على نفسها وصف «مؤسسات إنسانية لا تبغى الربح»، أنها تريد زيادة أسعار الخدمات الصحية التي تبيعها للضمان. يقرّ الضمان بأحقيّة مطالبها بالزيادة، لكن المشكلة تقع في التمويل. فالدراسات في الصندوق تشير إلى أن زيادة التعرفات بنسبة 18%، تكلّف 135 مليار ليرة... المثير للسخرية أن كل هذا الجدل يتكرر سنوياً، فيما مرضى الضمان وحدهم يدفعون الثمن غالياً فتبتزّهم المستشفيات.

بالتزامن مع بدء امتناع المستشفيات عن استقبال مرضى الضمان، نفّذت نقابتا المستشفيات الخاصة والأطباء، اعتصاماً أمام مقرّ رئاسة الحكومة في ساحة رياض الصلح. عشرات الأطباء شاركوا في الاعتصام بعدما نقلتهم باصات المستشفيات من مناطق مختلفة. الغريب في الأمر أن الاعتصام كان للمطالبة بزيادة التعرفات الاستشفائية مع الضمان، «لكن التحرّك كان بوجه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي؛ لأن نقابة الأطباء محسوبة سياسياً على التيار الوطني الحرّ»، يقول المطلعون. وما يعزّز هذا الرأي، أن الفرق بين الزيادة المقترحة من الأطباء وما حصلوا عليه في اللجنة الاستشارية الطبية العليا التي بحثت موضوع زيادة التعرفات الاستشفائية، كان طفيفاً. فمندوب الأطباء طالب بزيادة نسبتها 70%، فيما أقرّت اللجنة 60%.
على أي حال، يقول المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، محمد كركي، إن الصندوق ناقش ملف التعرفات الاستشفائية «انطلاقاً من أحقية مطلب المستشفيات بزيادة التعرفات التي لم تُزَدْ منذ نحو 16 سنة. إلا أنّ لهذه الزيادة آليات وأصولاً قانونية». ففي هذا الإطار «لم يكن ممكناً التساهل بموضوع يمسّ الأمن الاجتماعي. وقد اقترحت اللجنة الاستشارية الطبية العليا زيادة في عام 2008 اعتمدتها وزارة الصحة وصدر قرار على أساسها بزيادة التعرفات». غير أن ما حصل فعلياً هو أن الصناديق الضامنة، باستثناء الضمان، طبّقت هذه الزيادة بعدما توافر التمويل لها. فكل الصناديق مثل وزارة الصحة وتعاونية موظفي الدولة والقوى الأمنية والعسكرية زادت أسعار الخدمات الصحية وحصلت على التمويل اللازم لها من الخزينة العامة، باستثناء الضمان الذي ينصّ قانون إنشائه على زيادة الاشتراكات وفق المادة 66.
هذه الحالة، استمرّت منذ قرار مجلس الوزراء في شباط 2009، القاضي بزيادة التعرفات الاستشفائية. في حينه هدّدت المستشفيات بالتوقف عن استقبال مرضى الضمان، لكنها تراجعت بعد أيام عندما تبيّن لها أن الضمان عاجز عن الزيادة من دون قرار في مجلس إدارة الضمان الثلاثي التمثيل (10 أصحاب عمل، 10 عمال، 6 دولة)، يتبعه مرسوم من مجلس الوزراء. يومها أجرت الحكومة تصحيحاً جزئياً للأجور بقيمة مقطوعة بلغت 200 ألف ليرة. وقد أدّت هذه الزيادة إلى زيادة في اشتراكات الضمان الاجتماعي بقيمة 60 مليار ليرة، لكن العجز المالي في الضمان امتصّ كل هذه الزيادة من دون الوصول إلى التوازن المالي.
المشهد اليوم شبيه بما جرى قبل سنوات؛ فالمستشفيات تطالب بزيادة التعرفات بعدما أجرت الحكومة تصحيحاً للأجور. لا بل إن نقابة المستشفيات تربط منح هذه الزيادة لموظفيها وممرضيها، بزيادة التعرفات الاستشفائية، وهي تسعى إلى فرض زيادة دورية للتعرفات وفق ما يتداول بين المعنيين. فهي أجرت جولة مطالبات مع وزارة الصحة وصندوق الضمان، وراسلتهم أكثر من مرّة. ففي وزارة الصحة، رفع الوزير علي حسن خليل المطلب إلى مجلس الوزراء للدرس، أما في الضمان فدعا المدير العام للضمان محمد كركي، اللجنة الاستشارية الطبية العليا إلى الانعقاد.
على مدى 3 جلسات تابعت اللجنة الاستشاريّة الطبيّة مناقشة زيادة التعرفات الاستشفائيّة بناءً على مصدرين؛ مطلب نقابة المستشفيات بإقرار زيادة بمتوسط 32%، ودراسات المكتب الاكتواري في الضمان التي تتحدث عن زيادة بمتوسط 18%. فأقرّت اللجنة اقتراح الصندوق الذي يرفع التعرفات بين 8% و140%. الأبرز بين هذه التعرفات هي زيادة نسبتها 137% للإقامة في الغرفة، 60% على غرفة العمليات، 33% على غرفة الإنعاش، 35% على الحاضنات، 65% على أتعاب الأطباء، وزيادة 140% على غرفة العزل.
تبلغ كلفة هذه الزيادة وفق دراسة الضمان 56.487 مليار ليرة. وهي تضاف إلى الزيادة المقرّة سابقاً في عام 2009 والبالغة 78 مليار ليرة. أي إن مجمل كلفة زيادات التعرفات الاستشفائية يبلغ 135 مليار ليرة.
بالنسبة إلى الصندوق، إن إنفاق هذا المبلغ يوجب البحث عن مصادر تمويل. فالصندوق يموّل من الاشتراكات التي يحصلها من أصحاب العمل والأجراء، إلا أن المستوى الحالي من الاشتراكات لم يكن يؤمن كل النفقات، ما دفع الصندوق إلى الاستدانة من فرع نهاية الخدمة بصورة دورية منذ عام 2002 إلى اليوم. وحين جرت زيادة الأجور المقطوعة في عام 2008، لم تنعكس بصورة كبيرة على إيرادات الصندوق الذي بقي عاجزاً مالياً، إلا أن الزيادة الأخيرة كان لها انعكاس أفضل. فبحسب الدراسات، إن تصحيح الأجور في عام 2008 انعكس زيادة في إيرادات الضمان بقيمة 60 مليار ليرة، وتصحيح عام 2012 ينعكس زيادة بقيمة 89 مليار ليرة، أي ما مجموعه 149 مليار ليرة.
غير أنّ الصندوق يعاني من عجز مالي سنوي منذ عام 2002، وقد تراكمت ديون فرعي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية لتتجاوز 850 مليار ليرة. وبالتالي إن تمويل العجز يمتصّ كامل مبلغ الـ149 مليار ليرة، فيما يجب على الضمان دفع مبلغ 135 مليار ليرة لتمويل زيادة التعرفات الاستشفائية.
على هذا الأساس، لا يمكن الضمان إلا أن يطبق المادة 66 التي توجب عليه زيادة معدل الاشتراكات لإعادة التوازن المالي، أي تمويل العجز والاحتياطات المالية المنصوص عنه قانوناً. وتشير الدراسة التي رفعها كركي إلى مجلس إدارة الضمان الأسبوع الماضي، إلى أن تمويل زيادة التعرفات وإعادة التوازن المالي يفرض زيادة السقف المالي الخاضع للاشتراكات (أي سقف الراتب الذي يخضع لاحتساب معدل الاشتراك) من 1.5 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة. فهذا الأمر يوفّر المبالغ اللازمة لتمويل العجز وزيادة التعرفات الاستشفائية، إلا أنه منوط بقرار يتّخذه مجلس إدارة الضمان المؤلف من ممثلين عن القطاع الخاص والعام والعمال. ففي الجلسة الأخيرة التي نوقش فيها هذا الملف، طلب ممثل القطاع الاستشفائي في المجلس، «التريث» في إقرار مطلب زيادة التعرفات، ما يوحي بأن في الأمر أكثر من المطالب المعلنة، ربما للضغط السياسي وربما للحصول على مطالب مختلفة.
على أي حال، ليست المرّة الأولى التي تستخفّ فيها المستشفيات بحقوق المضمونين. فرغم أن العقود التي توقعها مع الصندوق توجب عليها استقبال كل مرضى الضمان من دون أي تلكؤ أو تأخير، إلا أنها تمتنع كلياً عن تنفيذ العقود، وتحدّد لنفسها ما تريد القيام به بأنه محصور «بالحالات الطارئة»، فيما يطالب رئيس نقابة اصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون بتوفير «التمويل الكافي الذي يضمن حقوق العاملين في المستشفيات، فالتعريفات في المستشفى لم تتغير منذ أن كان الحد الأدنى 200 ألف ليرة إلى اليوم»، داعياً وزير الصحة علي حسن خليل إلى «الإسراع في هذا الملف وأن يسعى لإدراجه بنداً في جلسة مجلس الوزراء».
وينبّه هارون المستشفيات من عدم التزام «قرارات الجمعية العمومية، فمن يخالفها يضع نفسه في موضع الشك بأنّ لديه أعمالاً مشكوكاً في قانونيتها».
إذاً، يعتقد هارون أن استقبال المضمونين هو عمل غير قانوني. إلا أن إحصاءات الضمان تشير إلى أن المستشفيات «تخالف» قانون هارون الجديد. فمستشفيات الجنوب استقبلت مرضى الضمان باستثناء 3 منها، وامتنعت 7 مستشفيات في بيروت الكبرى، ونحو 5 في البقاع، فيما كان هناك إجماع من مستشفيات كسروان والمتن على الامتناع.
لكن كركي يؤكد أنه جرت معالجة كل الحالات الواردة، ولم يكن هناك أي شكوى جديّة في هذا الخصوص، باستثناء شكوى من مستشفى واحدة فقط. وبحسب مصادر مطلعة، إن المستشفيات تقوم بالالتفاف على قرار جمعيتها العمومية، فتحوّل الموافقات المؤخّرة من الضمان إلى موافقات طوارئ لاستقبال المضمونين.
وفي انتظار معالجة مشكلة التعرفات الاستشفائية في مجلس إدارة الضمان وفي الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه وزير الصحة علي خليل ويحضره وزير العمل سليم جريصاتي يوم الأربعاء المقبل، يعتزم الضمان القيام بمجموعة إجراءات خلال اليومين المقبلين للتعاطي مع تصعيد المستشفيات والأطباء؛ فهو ينوي حرمان المستشفيات التي تمتنع عن استقبال مرضى الضمان السلف الشهرية، ويعتزم القيام بحملة لتشديد تطبيق العقود الموقعة مع الضمان، ويدرس خيارت أخرى بينها توجيه المضمونين إلى المستشفيات الحكومية.

إضراب نفطي لـ3 أيام

قرر مستوردو النفط وأصحاب محطات المحروقات وناقلو النفط، تنفيذ إضراب لمدّة 3 أيام في 2 و3 و4 نيسان المقبل للضغط على وزارة الطاقة من أجل تعديل مكوّنات وآلية احتساب جدول تركيب الأسعار.
ففي اجتماع عقد أمس حضره رئيس تجمّع مستوردي النفط مارون شماس، ورئيسا نقابتي المحطات سامي البراكس، والصهاريج إبراهيم سرعيني، قرر المجتمعون تصعيد تحرّكاتهم بحجّة مرور 15 يوماً على تنفيذ إضراب تحذيري بهدف زيادة الجعالات لهذه الشركات. وبحسب شماس، «هناك حقوق لا يمكن تجاهلها، وبالتالي لا يمكن استثناء قطاع من دون الآخر... فعلى الوزارة المعنية التي تحدّد جدول تركيب الأسعار، أن تعدّل تركيبة الجدول وفقاً للمستجدات الطارئة على الكلفة».
رغم الأرباح الهائلة للشركات، إلا أن شماس يحاول التشدّد في مطلب زيادة الجعالات من كل صفيحة مبيعة بقيمة 820 ليرة على النحو الآتي: 500 لمحطات المحروقات، 120 ليرة للنقل، 200 ليرة للشركات.

27آذار2012