سئل مدير مدرسة رسمية، كان يشارك في احتفال في وزارة التربية أخيراً، عن مشاركته في مشروع تدريب المديرين واعدادهم. أجاب المدير أنه لا يستطيع التحدث عن المشروع وعن كل موضوع آخر لأن وزير التربية عمم على جميع الموظفين بمنعهم من الادلاء بأي تصاريح أو اعطاء معلومات من دون أخذ إذن مسبق من الوزير، وهو، أي المدير لا يستطيع الحديث بلا إذن، كما ينص على ذلك قانون الموظفين.
المفارقة أن المدير وعدد من زملائه المديرين، تحدثوا عن المشروع خلال الاحتفال وعرضوا تجربتهم، فيما كان السؤال الى المدير عن كيفية مواكبته له، وما الذي أفاده في هذا السياق. الأمر وان بدا مفاجئاً بعض الشيئ، اذ أن السؤال لا يخرج كثيراً عن مداخلة المدير، وفي قلب الوزارة، لكن الحقيقة تظهر عندما نعلم أن تعميماً حازماً لوزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، صدر بتاريخ 16 كانون الأول الماضي تحت الرقم 37/3/2011، يطلب الى رؤساء الوحدات الادارية في الوزارة والى جميع الموظفين فيها، عدم تسريب أي معلومات أو ابلاغ أي نصوص صادرة عن وزير التربية او عن المراجع المعنية في الوزارة، وعدم تسليم اي صورة عن هذه النصوص الى اي كان، على أن يصار الى ابلاغها الى المراجع المعنية بها وفقاً لقاعدة التسلسل الاداري.
ويطلب التعميم أيضاً عدم الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام على اختلاف أنواعها من دون أخذ الموافقة المسبقة من الوزير شخصياً.
المدير المعني لم يكشف لنا التعميم، هو التزم مضمونه كما الأعلى منه رتبة، أي المديرون في الوزارة، وقبلهم رؤساء الوحدات والمناطق التربوية، الى موظفي الوزارة أنفسهم. لكن هذا النوع من التعاميم وغيره، يعرف وزير التربية انه يذهب الى المئات وربما الآلاف لإبلاغهم وتسليمهم نسخاً منه، انطلاقاً من التراتبية الادارية وتسلسلها، اذ لا يمكن ابلاغ نص رسمي موقع من الوزير عبر الهاتف، ولا يمكن تعليقه على اللوحة الخاصة بالقرارات العامة في الوزارة. ويعرف أيضاً وزير التربية أن التعاميم والقرارات لا يمكن تخبئتها في قطاع متنوع يشمل عشرات الآلاف من المعلمين والموظفين.
يستند وزير التربية في تعميمه الى أسباب يعلنها من منطلق الحرص على انتظام العمل الوظيفي والاداري، لا سيما في ما يتعلق بأصول ابلاغ النصوص على اختلاف انواعها (مطالعات، إحالات، تعاميم، قرارات، ومذكرات) صادرة عن الوزير، واستناداً الى قاعدة التسلسل الاداري في عملية ابلاغ النصوص، ولستناداً الى أحكام المادتين 14 و15 من نظام الموظفين. فهل يعني ذلك أن منع التصريح والكلام من الاساتذة يشمل الجميع بمن فيهم أيضاً ممثلو الرابطات النقابيون من الاساتذة؟ وهل ان ما حصل في الجامعة اللبنانية أخيراً من اعلان شفهي لرئيس الجامعة بمنع التصريحات يتناغم مع تعميم وزير التربية، رغم ان الوزير هو وصي على الجامعة المستقلة أكاديمياً؟.
والسؤال، لماذا الخوف من معرفة مضمون التعاميم اذا كانت القرارات الوزارية في التربية ترتكز على الشفافية ولا تحمل مخالفات؟ أم أن المطلوب فقط تسريب واعلان الانجازات ونشرها والتغني بها وبالخطط التي تحتاج الى سنوات للتنفيذ، قبل الحديث عن ضرورة معالجة الارتكابات التي تحصل في بعض الدوائر بحسب مصادر تربوية متابعة لما يحصل في التربية، والتي تقول ان الوزير، وقبل ان يصدر تعميمه، عمد الى تغيير أقفال أبواب مكاتبه وتغيير الموظفين "الأوفيس بوي" الذين ينقلون أوراقاً ما بين المكاتب، بحيث باتت عملية نقل الاوراق وحفظها وكأنها سريّة الى أقصى الحدود، رغم ان الوزير يعرف ان التعاميم تذهب الى كل المديرين، وتمر بالوزارة، وهي لها علاقة بالمدارس كلها، ما يعني ان لا معنى حقيقياً لكل هذه الاجراءات، اذا كانت منتظمة وشفافة.
وتشير مصادر تربوية الى ان الاجراءات التي يتّخذها وزير التربية في الوزارة، لمنع تسريب التعاميم التي يصدرها، ومنع حديث الموظفين وتصريحاتهم الى وسائل الاعلام، لا تصل الى نتيجة، إذا لم يعالج المشكلة الأساس، وهي اعادة هيكلة الوزراة، وتنظيم الوحدات، بحيث لا يعود التعميم مسألة سرية، واذا كان المطلوب ان يكون سرياً، فلماذا يعمم على جميع الموظفين المعنيين؟ فالتعميم المكتوب هو للنشر لتصحيح وضع معين، أما وضعه في إطار السريّة فيطرح عندئذ علامات استفهام كبيرة وأسئلة عما اذا كان هناك ما يستدعي لفلفته.
وتعتبر المصادر، أن هذه الطريقة في اصدار التعاميم والضجة حولها، تحت عنوان منع التسريب، تضع وزير التربية في موقف حرج، نظراً لما يتمتع به من قيمة علمية وخبرات، وما أعلنه عند تسلمه مسؤولياته من أن العمل سيكون شفافاً واصلاحياً، وربما يجب ان يبدأ بالتعاميم التي يجب ان تكون مدخلاً للإصلاح من زاوية الشفافية والوضوح، وليس مدار أسئلة عما تحمله من التباسات السرية التي قد يسال البعض عن مخالفات تخترق بعض الاعمال والمشاريع!.
أخيراً، تواجه المدرسة الرسمية صعوبات متعددة في تحقيق دورها المجتمعي الريادي المنشود، وتأكيد حضورها الفاعل في أرجائه. وإن من تداعيات هذه الصعوبات ما نعانيه من قصور في مشاركة الأهل والمجتمع في الحياة المدرسية. الكلام لوزير التربية حسان دياب، الذي يدعو أيضاً الى توفير قاعدة مسح ميداني شامل لحاجات مؤسسات التعليم العام ما قبل الجامعي. فالمشاركة تعني الشفافية وكشف الاجراءات واعلانها من دون خوف وتوجس.