مقاربات متنوّعة للتربية على المواطنة والعيش المشترك طلاب لبنان يتقبلون الآخر... وانصهارهم ليس ضرورة

لم يمتلئ امس، أكثر من نصف مقاعد قاعة عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت. لم يحضر عدد كبير من طلاب الجامعة مؤتمر التربية على المواطنة والعيش المشترك في لبنان الذي نظمته مؤسسة اديان. فضل الكثير منهم ممارسة العيش المشترك في المقاهي القريبة، فيما لم يترك آخرون قاعة المحاضرات
في القاعة نصف الممتلئة، تجمع الحضور، الذي كان من المتوقع ان يغلب عليه عنصر الشباب. فالشباب هم المستهدفون، هكذا يفهم من عنوان المؤتمر. لكن الواقع لم يكن كالتوقعات. اعداد الشباب لم تكن كبيرة كأعداد الأكاديميين الذين كانوا كثراً. الاهتمام كان بادياً على وجوه الجميع، يترقبون بداية مؤتمر سيزيد تقبلهم للآخر.
رجال الدين لم يغيبوا عن تلك القاعة. احتلّوا المقاعد الأمامية من دون أي منازع. ابتسم بعضهم لبعض وجلس احدهم قرب الآخر. على قاعدة ستة بستة مكرر كان هؤلاء. النصف مسلمون، والنصف الآخر مسيحيون. الترقب اختفى من وجوههم. تحدثوا في السياسة والاقتصاد، هنا لا ضير من التقاط عدد هائل للصور كي يظهر "مولانا" يقف قرب "ابونا". لا يحتاج احدهم الى التعريف بطائفته فلباسه كفيل بذلك. هؤلاء ليسوا الفئة المستهدفة من المؤتمر، لأنهم وكما يعتقدون، وتعتقد مؤسسة أديان ربما، هم مثال للوحدة والعيش المشترك والبعد من التطرف!.
في الوقت الذي تلمع فيه اضواء تلك الكاميرات عند الصفوف الأمامية، يدخل مجموعة من الطلاب الى القاعة. لا أحد يصور وصولهم، لان لا أحد يعرف دياناتهم. ما نفع الصورة هنا؟ من يسأل هؤلاء يعرف انهم ليسوا من دين واحد، وحدتهم لا تحتاج ربما الى تربية لصقلها. هم كزملائهم الذين قرروا الجلوس سويا في المقاهي، لكن بفارق وحيد، "مكان الوجود".
انها الرابعة وخمس وعشرون دقيقة. وصل وزير التربية حسّان دياب. فوجئ بالقاعة غير ممتلئة. سأل احد المنظمين، "عالأربعة ونص ببلش المؤتمر، مش هيك؟" صح، يجيبه المنظم. يأسف الوزير قائلا: "لقد وصلت باكرا اليوم". وزير الاعلام وليد الداعوق كان أكثر دقة. وصل عالوقت.
جلس دياب الى جانب رجال الدين. هو ايضا ليس مستهدفا. بل من المنظرين. ضيق وقت الوزير دفع المنظمين الى تغيير برنامج المؤتمر، كان من المقرر ان يلقي كلمته عند السادسة والنصف لكنه القاها عند الخامسة، وأكد فيها ان التعليم هو ذلك الكنز المكنون، "لست هنا لأفاخر حين اقول أن لبنان قد اهتدى الى هذا الكنز، اذ لا تزال وزارة التربية تعمل في هديه من خلال الاصلاحات والخطوط التربوية التي ترمي الى تعزيز الانتماء الوطني ومفهوم العيش المشترك".
اشار الى ان ما نهدف اليه من وحدة وطنية بين الطلاب "لا يحصل فقط من خلال تركيزنا في وزارة التربية على التلامذة والطلاب من خلال الاصدارات الخاصة بالتربية الوطنية. وأؤكد ان هذا الهدف لا يتحقق في الصف والمدرسة والملعب ، بل هو يتكامل في الاسرة والمجتمع ووسائل الاعلام".
وكان قد تحدث رئيس مؤسسة اديان الأب فادي ضو، مشددا في كلمته على ضرورة نبذ الانصهار مثل نبذ الطائفية. فالانصهار الوطني حيث لا مكان للاعتراف بالتنوع الثقافي والديني ضرورة برأي ضو يشكل مقاربة متناقضة مع الواقع والدستور اللبناني في آن معا.
ودعا الى بلورة مقاربة ثقافية تربوية تقوم اساسا على المواطنة التي تدحض في آن الانصهار والطائفية "المواطنة الحاضنة للتنوع".
في كلمته لم يدرك ضو ربما انه يسقط احكامه على مقاربات "الآخر" الذي ينظر الى الأمور من زاوية مختلفة. وربما اسم المؤسسة وصفته الدينية حكمته في الالتزام بهذه المقاربة.
بعد كلمتي ضو ودياب عرضت نتائج الدراسة الميدانية عن "ادارة التنوع الديني والمواطنة لدى الشباب"، التي قامت بها المؤسسة الدولية للبحوث الميدانية، بالتعاون مع مؤسسة اديان.
الدراسة التي شملت 431 تلميذاً تراوح اعمارهم بين 12 و 17 عاما، من ثلاثين مدرسة من مختلف المناطق اللبنانية، أظهرت ان نسبة كبيرة من المستطلعين يتقبلون التعدد الطائفي وانهم ينظرون الى الدين الآخر نظرة ايجابية، كما يجد هؤلاء أنفسهم متشابهين في الكثير من الأمور. بعد ذلك حدث نقاش تناول نتائج الدراسة، تكلم فيه كل من الدكتورة دينا كيوان والوزير السابق الدكتور طارق متري.
وفي الجزء الثاني من الندوة كانت هناك كلمتان، الأولى للشيخ سامي ابي المنى الأمين العام لمؤسسة العرفان التوحيدية والثانية للبروفسور رفيق قطار عضو هيئة التنسيق في تجمع "وحدتنا خلاصنا"، شدّدا فيها على دور التعليم في ترسيخ ثقافة العيش المشترك التي تشكل بدورها عنصرا اساسيا في بناء الوطن لبنان. كما تمّ التشديد على ضرورة احترام حرية الآخر وعدم المسّ بها.