لا يكاد يمر يوم واحد على قطاع التعليم الرسمي في لبنان دون إعتصامات هنا، وإضرابات هناك، تترافق مع إضطراب في العملية التعليمية الذي يؤدي بدوره إلى العبث بمستقبل أولادنا. ولعلّ أبرز الأسباب التي تكمن وراء تلك المشاكل هي الإجحاف اللاحق بحقوق الأساتذة في لبنان بدءاً بالتعليم الأساسي مروراً بالثانوي وصولاً إلى التعليم العالي (الجامعة اللبنانية). هذا الإجحاف والغبن الذي يعاني منهما الأساتذة تختصره كلمة واحدة "التعاقد".
نظرة سريعة إلى الماضي تبيّن أن تعيين المعلمين الثانويين بالتعاقد بدأ في العام1996، حيث إعتمدت وزارة التربية حينذاك آلية تقوم على التعاقد مع الأساتذة من خلال المدارس التي تحتاج قدرات تعليمية جديدة، ثم إجراء مباراة محصورة بين المتعاقدين، وإرسال الفائزين إلى كلية التربية لمتابعة "دورة إعداد" لمدة سنة بدلاً من الحصول على شهادة الكفاءة. ومنذ ذلك الوقت، والوزارة مستمرة بالتعاقد مع معلمين جدد، حتى وصل العدد الإجمالي إلى الآلاف. إلا أنَّ الأمر تفاقم حين بدأ تعيين المعلمين من بين "الراسبين" في المباريات السابقة لتلبية النمو في الطلب على الأساتذة في القطاع الرسمي. وكانت عملية التعاقد تتم عبر المدرسة، فتخضع بالتالي للاعتبارات السياسية، ويمكن لأي مراقب أن يتخيّل النتائج السلبية على التعليم الرسمي لهذا التقليد الذي أُرسيَ خلال السنوات العشرين الماضية.
أما في التعليم الابتدائي، فقد صدر في العام 2002 قانون (13) شرَّع تعيين المعلمين الابتدائيين من بين حملة الإجازات. ومع صدور هذا القانون بدأت ممارسة جديدة، وما زالت مستمرة حتى اليوم تقضي أيضاً التعاقد مع المعلمين مباشرة عبر المدارس الرسمية، إجراء مباريات بين المتعاقدين، العمل على تعيين الراسبين في المباريات، ثم إجراء دورات تدريبية سريعة للمقبولين. وكان التعاقد يتم من دون شرط حيازة شهادة الإجازة قبل العام 2002، ثم أضيف هذا الشرط في العام المذكور. وهكذا، شهد التعليم الابتدائي ما شهده التعليم الثانوي من ممارسة قصيرة النظرة ومليئة بالثغرات، بحيث بات هناك اليوم ما يقارب 12 ألف متعاقد في التعليم الأساسي، يبحثون عن حقوقهم مع 2800 أستاذاً متعاقداً في الجامعة اللبنانية و5000 أستاذاً متعاقداً في الثانوي.
وفي ظل هذه السياسات التي إعتمدتها الحكومات المتعاقبة ووزارة التربية، يعتصم يومياً أساتذة التعليم الأساسي والثانوي، وكذلك الآن أساتذة الجامعة اللبنانية المتعاقدين، مطالبين بحقوقهم ومستحقاتهم المالية، رافضين المباراة المفتوحة، وكذلك مطالبين برفع أجر الساعة التعليمية، وتأمين الضمان الصحي والاجتماعي والتفرغ.
إن المعركة التي يقودها الأساتذة المتعاقدون في التعليم الرسمي اليوم ، معركة مصيرية بالنسبة للقطاع العام عامةً والتعليمي خاصةً، حيث أن كل الوزارات تقريباً إستندت إلى بدعة التعاقد في توظيف المواطنين/ات لتسيير أمورها. إلا أن الواقع المالي الحالي لا يوحي بوجود حل في الأفق القريب ولعلّ ذلك ناتج عن السياسات الإقتصادية الخاطئة للدولة إضافة إلى الهدر والفساد، والذي أصبح يرزخ لبنان بموجبه تحت عجز مالي ودين كبيرين، إنعكس على الميزانية الحكومية وقدرتها على تمويل إلتزاماتها. فهل يدفع عشرون ألف مواطن/ة لبناني/ة ضريبة عجز الحكومات اللبنانية المتعاقبة؟؟؟