13 في المئة من تلامذة لبنان يحاولون الانتحار

يتعرّض أربعون في المئة من تلامذة المدارس الرسمية والخاصة في لبنان للعنف الجسدي، بينما يخوض خمسون في المئة منهم عراكاً أو مشادات عنيفة، تؤدي إلى جرح نحو أربعين في المئة منهم. ويقول ربع التلامذة إن أحد الأساتذة قام بضربه أو رفسه أو دفشه عن عمد.
يترافق ذلك مع معاناة تلميذ واحد من كل عشرة تلامذة من شعور بالوحدة، يمنعه من النوم.
تلك النتائج الخطرة، توصلت إليها دراسة «المسح الصحّي الشامل لتلامذة المدارس» الذي قامت به وزارتا الصحّة والتربية والتعليم العالي و«منظّمة الصحّة العالميّة»، في المدارس اللبنانية، بين شهري نيسان وأيار من العام الماضي، بالتعاون مع «مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة الأميركيّة. وتنشر الدراسة رسميّاً في الفترة المقبلة.
وشمل المسح الصحّي ألف تلميذ، في صفوف الحلقة الثالثة، في أربع وأربعين مدرسة رسميّة وخاصة، من مختلف المناطق اللبنانيّة، وراوحت أعمارهم بين 12 عاماً و15 عاماً، وهم يشكلون عينة ممثّلة لجميع المدارس في لبنان، ويمكن تعميم نتائجها.
وقد ارتكزت تقنية البحث إلى تعبئة استمارة ذات معايير عالميّة، تتضمن ثمانين سؤالاً، تمحورت حول النشاط البدني، وتعاطي الكحول والمخدّرات، والعادات الغذائيّة، والنظافة الشخصيّة، والصحّة النفسيّة، والصحّة الإنجابيّة، وعوامل الحماية، والعنف، والإصابات غير المتعمّدة.
وأظهرت النتائج وضعاً مقلقاً، لجهة «ممارسة العنف في المدارس اللبنانيّة الخاصة والرسميّة»، وفق المنسّقة العامة لـ«برنامج الصحّة المدرسيّة» في وزارة التربيّة والتعليم العالي نينا اللّحام سلامة. واستدعت إدخال مسألة العنف وحلّ النزاعات في المناهج الدراسيّة، وتطبيق القوانين التي تنصّ على منع الضرب في المدرسة، وعلى فصل الأستاذ من الوظيفة، في حال ضربه التلميذ.
وفي الوضع النفسي، تبين بموجب الأرقام أن تلميذاً واحداً من كل عشرة تلامذة فقط، يعاني شعوراً بالوحدة، يمنعه من النوم، بينما وجد أربعة من عشرة تلاميذ صعوبة في القيام بالمهمات اليوميّة، بسبب عدم الراحة النفسيّة والقلق، وفكر ستون في المئة من التلاميذ بين العامين 2010 و2011 بالانتحار، وحاول ثلاثة عشر في المئة الانتحار.
وتشدّد اللّحام على أن مؤشرات الصحّة النفسيّة في المدارس خطرة، لذا يرى الخبراء القيّمون على الدراسة أن دمج الصحّة النفسيّة في المناهج التربويّة، ومتابعة الأولاد نفسيّاً هما أمران طارئان وعاجلان.

نقص المناعة

في موضوع الصحة الإنجابية، أبدى ثلث التلاميذ رغبة في المعرفة عن مواضيع الصحّة الإنجابيّة، ولم تسمع نسبة ثلاثين في المئة منهم شيئاً عن فيروس «نقص المناعة البشريّة» الذي يسبّب مرض «الأيدز»، بينما تحدّثت نسبة خمسة وعشرين في المئة فقط من الأولاد عن مرض «الأيدز» مع الأهل، واعتبر ستون في المئة أنفسهم قادرين على رفض اقتراح الأصدقاء القيام بعلاقة جنسيّة أو علاقة حميمة. وتنبّه تلك المعطيات، وفق اللحام، إلى ضرورة دمج الصحة الإنجابيّة في المناهج التربويّة، في سبيل رفع الوعي حول الأمراض التي يتم تناقلها عبر العلاقات الجنسية، وسبل الوقاية منها.
في موضوع المخدرات، تعاطى خمسة في المئة من التلاميذ المخدّرات. وتناول ثلاثون في المئة كأساً واحداً من الكحول في الشهر الذي سبق الدراسة، من دون أن تكتفي نسبة ستة وثلاثين منهم بشرب كأس واحد. وأفصح خمس التلاميذ عن أنهم تناولوا الكحول، حدّ الثمالة على الأقلّ لمرة واحدة في حياتهم. في المقابل، قال معظم التلاميذ بإمكانيّة رفضهم لاقتراح الزملاء بتناول الكحول.
وتعتبر اللّحام أن تلك الأرقام غير مفاجئة، إذ تبيّن الدراسات العلميّة خطر تناول الكحول والمخدّرات لدى التلاميذ منذ العام 2005، مما يوجب تعديل المناهج، وإدخال المواضيع المتعلّقة بتناول الكحول والمخدّرات قبل المرحلة الثانويّة.
في موضوع العلاقة مع الأهل، يقول بين أربعين وبين خمسين في المئة من التلاميذ إن أهاليهم يتفهّمون مشاكلهم ويتابعونهم، بينما لا يجرؤ ستون في المئة منهم على القيام بفعل ما من دون إذن الأهل. وعلى الرغم من أن تلك المعدّلات مقبولة، تلاحظ اللحام وجود اتجاه لتجاوز دور الأهل في حماية أولادهم، إذ كانت تقاليد المجتمع اللبناني في السابق تقتضي متابعة جميع الأهالي لأولادهم في مختلف المراحل العمريّة.
وفي الصحة الغذائية، يعاني خمسة وعشرون في المئة من التلاميذ زيادة في الوزن، ثلثهم من الذكور. وتفكّر نسبة خمسين في المئة من الفتيات بالتنحيف، ولا تتناول نسبة خمسين في المئة وجبة الفطور، فيما تحصل نسبة خمسة وعشرين في المئة فقط على خمس حصص يومية من الفاكهة والخضار. ويتناول أربعة من عشرة فقط الحليب ومشتقات الأجبان والألبان مرتين في اليوم، بينما يتناول خمس الأولاد وجبات سريعة في المطاعم على الأقلّ ثلاث مرات اسبوعياً.
وتستدعي تلك المعدّلات، كما تؤكد اللحام، التنبّه إلى محتويات «دكان» المدرسة، واستبدال أكياس رقائق البطاطا والحلويات، بالفاكهة والخضار. ويجب العمل على تحسين صورة الذات والجسد عند هذه الفئة العمريّة، وتنمية فكرهم النقدي لما يشاهدونه في وسائل الإعلام من فتيات نحيلات ووجبات سريعة غير صحيّة.

إستراتيجيّة

في النشاط الرياضي، يقوم ثلث التلاميذ بنشاط بدني لمدّة ساعة على الأقلّ خلال الأيام الدراسيّة الأسبوعيّة، ويجلس خمسون في المئة منهم لأكثر من ثلاث ساعات (عدا الساعات الدراسيّة) خلال اليوم لمشاهدة التلفزيون، أو العمل على الكومبيوتر.
وتدلّ تلك النسب إلى انخفاض معدّل النشاط البدني، والميل إلى الجلوس وعدم الحركة. وهنا تقترح اللحام زيادة عدد حصص الرياضة البدنيّة في المدارس، وتوعيّة الطلاب إلى أهميّة الرياضة ومنافعها الصحيّة والنفسيّة.
في النظافة الشخصية، يقوم تسعة من أصل عشرة تلاميذ بغسل أيديهم قبل الأكل، وتنظيف أسنانهم مرّة واحدة في اليوم، بينما ينظف خمسة وستّون في المئة أسنانهم بمعدّل مرتين في اليوم. وترى اللحام في ذلك برهاناً على نجاح برنامج «صحة الفم والأسنان» في المدارس، إذ يقوم طبيب أسنان بالكشف الطبّي الدوريّ على الأولاد.
وتلفت اللحام إلى عدم تسجيل فوارق بين المدارس الرسميّة والخاصة في المؤشرات التي وردت في الدراسة. وبالمقارنة مع المسح الذي تم إجراؤه في العام 2005، تشير نتائج المسح الصحّي إلى تقدّم ملحوظ في مواضيع النظافة الشخصيّة، والعادات الغذائيّة، ونظافة الفم والأسنان، من دون تسجيل تقدّم على مستويات الصحّة النفسيّة والإنجابيّة والممارسات العنفيّة لدى التلاميذ في المدارس.
انطلاقاً من تلك النتائج، يجب البدء، كما تؤكد اللحام، بتنفيذ «استراتيجيّة المدارس المعزّزة للصحّة» التي وضعتها وزارة التربيّة. وهي تقوم على تدريب الأساتذة وتطوير قدراتهم، وتعديل المنهج الدراسي، ودمج بعض المواد الإضافيّة، وتوطيد العلاقة بين الأساتذة وبين الطلاب، ومنع العقاب الجسدي وعدم انتهاك حقوقهم، وتشجيعهم على الإبداع والخلق. مضيفة أن الطرق التفاعليّة التشاركيّة تفسح المجال أمام الطلاب في اتّخاذ القرارات، وتقدير الذات، ومواجهة الضغوط النفسيّة، وتطوير القدرات النقديّة والمهارات الحياتيّة.