إعادة تقويم أوضاع 45 فرعاً جغرافياً بلا تراخيص لجامعات خاصة

كيف يقرأ نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية في جامعة القديس يوسف الدكتور هنري العويط واقع التعليم العالي ومشكلاته في لبنان؟ اتسم حديث العويط،: الذي واكب عمل اللجنة الفنية للتعليم العالي ولجنة المعادلات منذ أعوام عدة، لـ"النهار" بكثير من الدقة في التفاصيل والمعلومات.
لعل أهم ما لفت اليه العويط هو اثارته موضوع الفروع الجغرافية لبعض الجامعات والتي اعتبرها ملفاً شائكاً يخفي في طياته 45 فرعاً جغرافياً غير مرخص.
أما في واقع ما يحدث في هذا الملف، فان عدداً من مؤسسات التعليم العالي وفق العويط قد قامت بانشاء عدد كبير من الفروع من دون الاستحصال على ترخيص مسبق، وقال: "بذلك لم تحرص على الالتزام بالشروط والمعايير، فتحولت الفروع في الكثير من الحالات، من دون أي تعميم، الى مشاريع تجارية ودكاكين".
كيف يحدد العويط أعداد الفروع الجغرافية؟ يجيب بوضوح تام أن اللجنة الفنية تكفلت بالأمر. قال: "تألفت انطلاقاً من ذلك لجان فرعية من اساتذة الجامعات اللبنانية والخاصة درست واقع الادارة الأكاديمية ، التنظيم الاداري الهيئة التعليمية، الموظفين، الفنيين، المكتبات، المختبرات، الأبنية، المساحات، المواقف والملاعب".
وذكر العويط أنه تبين للجان الفرعية أنه يمكن تقسيم هذه الفروع غير المرخصة الى ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى التي لا تستوفي الشروط ما يستدعي قفلها، المجموعة الثانية التي يمكن أن تمنح الترخيص، والمجموعة الثالثة التي تحتاج الى تسوية أوضاعها".
وتوقف عند ملاحظة مجلس التعليم العالي الذي أدرك أن لبعض مؤسسات التعليم العالي أكثر من فرع في منطقة جغرافية واحدة. وعليه، قرّر المجلس، وفقاً للعويط، ألّا يتعدى الترخيص لكل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي أكثر من خمسة فروع حداً أقصى بما فيها الحرم الرئيسي. وشدد أيضاً على أن المجلس أعطى مهلة للالتزام بتصويب المخالفات ضمن فترات متفاوتة.
وشرح الغاية من كل هذه الاجراءات، وهي مراقبة آلية التدقيق وآلية الضبط وليس المعاقبة، بل المحافظة على مستوى التعليم العالي.

بين الانضباط والانفلاش
بعد عرضه لهذه المقاربة، توقف عند تقويمه العام لواقع التعليم العالي. وعما اذا كانت الفوضى تعم الساحة في التعليم العالي يجيب العويط: "مما لا شك فيه ان ازدياد اعداد مؤسسات التعليم العالي يلبي حاجات المجتمع اللبناني لجهة القدرة الاستيعابية ولجهة الانماء المتوازن في المناطق". لكن هذا الازدياد وفقاً له قد يؤدي الى الانفلاش والذي ليس دائماً في مصلحة كل من التعليم العالي والطلاب".
وبالنسبة اليه، كانت مؤسسات التعليم العالي على مدى عقود، مؤسسات غير ربحية، بينما حدث اليوم تطور يحمل في طياته اخطار قد تحوّل مؤسسات التعليم العالي الى شركات تتوخى الربح، أحياناً على حساب جودة التعليم العالي ومستوى الشهادة". و هذا الانتقال "المفاجئ" وفقاً له، سبّب فوضى وانحداراً في مستوى التعليم وأصاب السمعة التي كانت تتمتع بها مؤسسات التعليم العالي في لبنان على الصعيدين العربي والعالمي. واعتبر في هذا السياق أنه جرت محاولات جادة لضبط هذا الانفلاش والحد من الفوضى، وقد تحققت نتائج ملموسة على هذا المستوى. ونوه في هذا السياق بالدور الذي اضطلعت به المديرية العامة للتعليم العالي ولجنة المعادلات واللجنة الفنية رغم كل الضغوط السياسية والطائفية والمحاصصات".
ورأى العويط أن التمييز بين جامعات عريقة وأخرى ناشئة مقبول على صعيد المعيار الزمني، "فالعراقة وتراكم الخبرات، وفقاً له، يساهمان في بناء تقاليد أكاديمية وجامعية من الرصانة والجدية والمسؤولية"، فالمعيار الزمني بالنسبة اليه ليس كافياً، وقد تكون العراقة سبباً للترهل كما قد تكون للجامعات الناشئة حديثاً حوافز لاثبات جدارتها".
من جهة أخرى، توقف العويط عند تقويمه الموضوعي لأداء كل من اللجنة الفنية ولجنة المعادلات. وقبل عرض مقاربته للموضوع، لفت الى أنه لا بد من استرجاع المرحلة السابقة التي تعطل فيها عملياً مجلس التعليم العالي بسبب تعذر انعقاده، وتلا ذلك عدم تشكيل الحكومة. لكن في نهاية العام 2011 عاد مجلس التعليم العالي الى الانعقاد وسارت الأمور في شكلها الطبيعي مجدداً. وفي العودة الى اللجنة الفنية، فهي وفقاً له، تقوم بالتدقيق وتدرس الملفات وتقوم بزيارات ميدانية وتعد تقارير. لكنه لفت الى أن اتخاذ القرار منوط أولاً بمجلس التعليم العالي علماً أن ثمة توجهاً الى مزيد من الاحترام لتقارير اللجنة الفنية وتوصياتها. أما لجنة المعادلات، فسعت وفقاً له الى وضع معايير محددة والتشدد في تطبيقها. واعتبر أن الوضع اليوم أفضل مما كان في السابق ولكن ما زالت هناك حاجة ماسة الى المزيد من الجدية والمسؤولية في التعاطي مع ملف التعليم العالي.
أما في ما يخص مشروع قانون التعليم العالي، فاعتبره العويط قفزة نوعية مهمة، لأنه لم يعد مسموحاً العمل بقانون مضى على صدوره أكثر من 50 عاماً. لكنه لفت الى أن صدور هذا القانون غير كاف، لأنه لا بد من قرار سياسي يدفع الى الالتزام بتطبيق هذا القانون. وتوقف عند بعض النقاط الايجابية في مشروع القانون، ومنها أولاً، اعادة تكوين مجلس التعليم العالي وتوسيع اطار تمثيله ليصبح مجلساً وطنياً للتعليم العالي في القطاعين الخاص والرسمي. فالمادة 17 من القانون الجديد تساهم في تفعيل السياسة الوطنية، اقتراح أسس المعايير، وانشاء مؤسسات للتعليم العالي. كما أن القانون وفقاً له يعطي مكانة أكبر للجنة الفنية والتي تتألف من المدير العام للتعليم العالي وخبراء من الجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية ومؤسسات التعليم العالي. وتحدث باسهاب على كل من مشاريع قوانين التعليم العالي وضمان الجودة وهيكلية المديرية العامة للتعليم العالي، معتبراً أن هذه القوانين الثلاثة يجب أن يتم اقرارها بنمط متكامل ومتزامن.