لا يصرف الخيار الحاسم بمقاطعة أعمال الامتحانات الرسمية هيئة التنسيق النقابية عن هموم البلد. هذا على الأقل ما تؤكده مكوناتها، التي باتت تستفزها «اتهامات» من نوع أنّ مثل هذا الخيار يأخذ الطلاب رهينة، «إذ لا أحد منا يرضى بحجز مصالح تلامذتنا وأولادنا، ونحن أول من يفرح بنجاحهم»، يقول رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض. كذلك تستغرب الهيئة القول إنّها تتجاهل الظروف الأمنية الدقيقة التي يمر بها لبنان. فرئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب يعلن «أننا نقود تحركاً مزدوجاً وحريصون على الاستقرار بعدما حوّلنا كل اعتصاماتنا إلى لقاء وطني عن السلم الأهلي والأمن الاجتماعي يعقد عند الثالثة والنصف من بعد ظهر الأربعاء المقبل، في قصر الأونيسكو».
أما التذرع بالوضع المالي العام «فحجة ما بتقلي عجة»، برأي محفوض، «لأنّ المعلمين ليسوا مسؤولين عن اقتراح إعداد سلاسل رتب ورواتب جديدة للموظفين تساوي كلفتها في حسابات الحكومة 2200 مليار ليرة لبنانية وفي حساباتنا 1800 مليار». ببساطة، لا يوافق المعلمون على أن يكونوا في أدنى السلّم الوظيفي وأن لا تحافظ السلسلة الجديدة على موقعهم، مقارنة بباقي القطاعات. يقول: «الحكومة هي من أعطت القضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية زيادات على رواتبهم، وتطيح اليوم اتفاقها مع الأساتذة والمعلمين بعد أشهر من المفاوضات». فنحن «لسنا مسؤولين عن تأخير موازنة 2012 وقطع الحساب ووقف الإنفاق في الدولة».
ويروي غريب لـ«الأخبار» وقائع المفاوضات مع المسؤولين التي بدأت بطرح غلاء المعيشة. يومها، قدمت هيئة التنسيق مذكرة تطالب فيها بالحفاظ على قيمة الدرجة، أي 5% من أساس الراتب. لكن روابط الأساتذة والمعلمين لم تتأخر لتكتشف نية وزارة المال في تحويل سلاسل رتب ورواتب جديدة للإداريين، وقد تألفت فعلاً لجنة لدراستها. عندها تحرك كل مكوّن من مكونات هيئة التنسيق للحفاظ على موقعه الوظيفي. فرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي انتزعت، بعد مجموعة إضرابات، اتفاقاً يقضي بإعادة نسبة الفارق بين بداية راتب الأستاذ الثانوي وبداية راتب الأستاذ الجامعي إلى 6 درجات على الأكثر، بعدما أصبحت حالياً 52 درجة بموجب القانون 206 الصادر بتاريخ 9/3/2012، إضافة إلى استعادة حق «الثانوي» بالـ 60% لقاء الزيادة في ساعات العمل بموجب القانون 53/66. كذلك فعلت رابطة التعليم الأساسي الرسمي التي اتفقت مع المسؤولين على زيادة 6 درجات إضافية. الاتفاقان ينسحبان إلى التعليم المهني الرسمي والتعليم الخاص في كلتا المرحلتين الثانوية والأساسية. وبناءً على هذه الإيجابية، أرجأت الرابطتان التحركات في بادرة حسن نية، في انتظار إفراج الحكومة عن الصيغة الأخيرة لسلسلة الرواتب التي تم التوافق عليها مع وزير التربية حسان دياب ووزير المال محمد الصفدي والتي باتت جاهزة، ولا ينقصها سوى إدراجها على جدول أعمال مجلس الوزراء لإقرارها وتحويلها إلى المجلس النيابي لمناقشتها وإصدارها بقانون.
حدثت بعد ذلك تراجعات عدة، منها طرح اقتطاع 10% من رواتب المتقاعدين فيكون المعاش التقاعدي وتعويض نهاية الخدمة 75% من أساس الراتب بدلاً من 85% (حالياً)، الأمر الذي رفضته الروابط لتفاجأ بعد ذلك بطرح اقتطاعه من أساس الراتب، وبذلك يبدأ راتب الأستاذ الثانوي بمليون و890 ألفاً بدلاً من مليون و990 ألفاً، وراتب المعلم في التعليم الأساسي بـ 900 ألف ليرة بدلاً من مليون ل.ل. وقد أسفت رابطة «الأساسي» في بيان لها أمس لأسلوب التمييع الذي اعتمده المسؤولون في وزارة التربية خصوصاً والمسؤولون في الحكومة عموماً لجهة نسف وحدة التشريع وعدم إعطاء المعلمين 6 درجات استثنائية. وذكّرت بأنّها أوقفت تحركها قبل أسابيع بناءً على اتفاق مع وزير التربية قضى بأن تبدأ السلسلة المقترحة بمليون ليرة لبنانية بعدما كان المشروع الأولي للسلسلة يبدأ بمليون و120 ألف ليرة لبنانية. وبناءً على دعوة من مستشار وزير التربية، عقد أمس لقاء بينه وبين وفد الرابطة، حيث تبين أنّ السلسلة الجديدة تبدأ بـ 900 ألف ليرة بدلاً من مليون ليرة، واقتصار الدرجات الست على أساتذة التعليم الثانوي فقط، واستثناء معلمي الأساسي. أما التراجع الخطير فهو عدم استفادة المتعاقدين من الزيادة بتعديل أجر الساعة. وبناءً عليه، لن تكتفي رابطة الأساسي بمقاطعة وضع أسس التصحيح والتصحيح فحسب، بل إنّها لن تشارك في وضع الأسئلة والمراقبة والأعمال اللوجستية وإصدار النتائج.
وترفض هيئة التنسيق إعطاء سلفة من أساس الزيادة لرواتب موظفي القطاع العام قبل إقرار السلسلة المتفق عليها، ما يعني تهرب الحكومة من الاستحقاق المشروع للموظفين والمعلمين والمتقاعدين والمتعاقدين والعاملين في القطاع العام الذين ينتظرون تصحيح رواتبهم وتعويضاتهم منذ عام 1996. ويشرح غريب هنا أنّ المطروح هو إعطاء سلفة توازي غلاء المعيشة (بين 200 ألف ليرة و300 ألف ليرة) ابتداءً من 1 شباط 2012 في مرحلة أولى، وتحويل السلاسل في مرحلة ثانية بانتظار إنجاز مشروع الموازنة من دون تحديد موعد لذلك.
وأعلنت الهيئة أمس، بعد اجتماع في مقر نقابة المعلمين، رفضها التراجع عن الأرقام لأساسات الرواتب، مؤكدة تمسكها بالمفعول الرجعي للسلسلة كاملة اعتباراً من 1/2/2012. كذلك أقرت تنفيذ مقاطعة وضع أسس التصحيح والتصحيح للامتحانات الرسمية، واستكمال دراسة آلية تنفيذ مقاطعة الأعمال اللوجستية والإدارية. ولم تنس أن تؤيد مطالب موظفي تعاونية موظفي الدولة ودعم تحركهم ومطالبة السلطة بإقرار مطالبهم بأسرع وقت ممكن.