موظفو «مستشفى الحريري الجامعي» يعتصمون احتجاجاً على عدم سداد رواتبهم

يكاد «مستشفى رفيق الحريري الجامعي» لا ينتهي من ازمة حتى تطل أخرى برأسها. وآخر تلك الأزمات ليست مختلفة عن سابقاتها في أسبابها ونتائجها، نظراً لكونها متّصلة اتصالاً وثيقاً بعجز الإدارة السياسية والاقتصادية في البلاد عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المؤسسات والإدارات العامة التابعة للدولة والخاضعة لقوانينها. فبحجة الصرف على أساس القاعدة الاثني عشرية قد تجد الحكومة اللبنانية نفسها مضطرة إلى التخلي عن دعم أكثر من مرفق عام.
في هذا الإطار، يأتي الاعتصام الذي نظّمه أمس موظفو ومستخدمو «مستشفى الحريري الجامعي» من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة الواحدة والنصف ظهراً. رداً على التأخير في دفع رواتب الموظفين»، تقول أوساط الموظفين لـ«السفير». الأمر «الذي يتكرر للشهر الثاني على التوالي». ما دفع الموظفين إلى التحرك، كما في كل مرة، بهدف الضغط في اتجاه إيجاد «حل جذري» لأزمة المستشفى المزمنة. حلّ من شأنه «أن ينهي معاناة الموظفين والمرضى على السواء».
وكانت إدارة المستشفى حاولت قبل أشهر تدارك التأخير في سداد مستحقات الموظفين الذي بات يتكرّر بصورة دورية. فعمدت إلى استدراج بعض المصارف لتوقيع عقود مع الموظفين، يتم بموجبها دفع سلفة على المعاش قبل نزوله لاحقاً في الأرصدة المصرفية. غير أن هذا الإجراء المؤقت لقي قبولاً من بعض الموظفين، ورفضاً من بعض آخر يعارض منطق الاستدانة من دون مبرّر، وظلّ مصرّاً على حقوقه «القاضية بسداد الرواتب في موعدها القانوني».

الرواتب صباح اليوم؟

لكن، تستطرد مصادر الموظفين بالقول «بعد تسوية شباط التي قضت بإعطاء المستشفى سلفة خزينة قيمتها 6 مليارات ليرة، ساد الاعتقاد بأن الأزمة المالية ولّت إلى غير رجعة، وان مجلس الوزراء قرر أخذ الأمور على عاتقه. لنفاجأ خلال شهري آذار ونيسان بعودة الحال إلى ما كان عليه. وفيما لم يقبض الموظفون رواتبهم منذ شهرين، لم يقبض الموظفون الذين وقّعوا مع المصارف راتبهم الأخير بعد، بفعل عدم إنزال رواتبهم السابقة في حساباتهم». ما يعني أن «العقود الموقعة مع المصارف تنفع في حال عدم سداد الراتب لشهر واحد فحسب، أما في حال طال التأخير ليبلغ الشهرين فلا يمكن للموظف ان يستفيد من العقد. هذا الواقع الحرج حتّم على الموظفين جميعاً التحرك لمطالبة إدارة المستشفى ومن ورائها وزارة الصحة ومجلس الوزراء بتأمين الموارد المالية الضرورية لتسيير عجلة المستشفى بأصعدته كافة».
على ان المسألة أخطر من ذلك بكثير، وتكاد تهدّد وجود المستشفى ذاته. إذ، وبحسب المصادر عينها، يرزح المستشفى تحت وطأة نقص فادح في المعدات الطبية الأساسية، لاسيما منها الحقن والشاش الطبي والخيطان الطبية وقوارير الأوكسجين، فضلاً عن آلات تخطيط القلب التي تعطّلت بعض قطعها من دون ان يعمل على استبدالها. أكثر من ذلك، قام المستشفى، لدواعي تعويض النقص الفادح في الأمصال، بشراء كميات منها من صيدلية قريبة الخ... هذا الواقع أجبر الموظفين في قسم الطوارئ على رفض بعض الحالات، خصوصاً تلك التي تقتضي جراحة فورية نظراً لغياب الخيطان لزوم التقطيب.
هذا التطور، وفق المصادر، خطير جداً. إذ «على امتداد السنوات الماضية انعكست الأزمة المالية على أقسام المستشفى كافة، باستثناء قسم الطوارئ. لكن هذه المرة عانى قسم الطوارئ مثله مثل غيره، ما يهدّد مستقبلاً مصير أصحاب الحالات الحرجة الذين كانوا يجدون العزاء دوماً بهذا المستشفى، الذي لم يرفض يوماً حالة، على العكس ممّا يجري تكراره على أبواب بعض المستشفيات الخاصة».
وإذ تشدّد المصادر على ان الاعتصام سيتواصل حتى سداد رواتب الموظفين عن الشهرين الأخيرين، تؤكد مصادر الإدارة في المقابل ان «الرواتب ستنزل في الحسابات صباح اليوم». وذلك «بفضل مباشرة وزارة المالية بسداد قيمة الفواتير المستحقة للمستشفى عن الشهرين الأولين من السنة، والمرفوعة إلى وزارة الصحة».
بيد ان المشكلة، برأي المصادر المطّلعة، لن تنتهي عند هذا الحد. فـ«الحل الذي أوجده مجلس الوزراء في شباط الماضي، والمتمثل بإعطاء المستشفى سلفة خزينة قيمتها 6 مليارات ليرة، بدأ مفعوله بالتبخر. فعلى الرغم من ان القرار نص على وجوب سداد السلفة من قبل المستشفى قبل نهاية العام 2012، إلا ان وزارة المالية بدأت فوراً بحسم قيمة السلفة من الفواتير المستحقة للشهرين الأولين. الأمر الذي رفضته إدارة المستشفى. وبعد شدّ وجذب لأكثر من شهر، وافقت وزارة المالية على حسم 40 في المئة من قيمة الفواتير تقدّر بحوالي ملياري ليرة، على ان تحوّل الـ60 في المئة المتبقية إلى حساب المستشفى. وقد حوّل جزء منها بالفعل أمس (أمس الأول)». وبحسب المصادر «بقي للمستشفى في ذمّة الدولة ما قيمته حوالي 7 مليارات ليرة، تتمثل بقيمة الفواتير المستحقة عن الشهر الثاني، علاوة على عقد مصالحة عن 2010. غير أن الخلاف حول قوننة الإنفاق العام ومدى جواز الانفاق من خارج القاعدة الاثني عشرية قد يحول في المدى المنظور دون سداد أي منها. ما يرشح وضع المستشفى، بالنتيجة، الى مزيد من التفاقم».
ما حصل حتى الآن غير كافٍ إذن؟
قطعاً لا، تقول المصادر. ذاك أن التأخير في دفع قيمة الفواتير، فضلاً عن الحسم الذي تعرضت له، أدى الى مشكلة مع الموظفين من جهة، ومع الموردين من جهة ثانية. إذ توقف الأخيرون، بفعل عدم سداد مستحقاتهم، عن تزويد المستشفى بحاجاته من المواد الطبية. ما أدى الى انقطاع جزء كبير منها، وبكميات ملحوظة.
في الختام، تؤكّد المصادر ان «الأموال التي تسلمها المستشفى لا تزال عاجزة عن تغطية مستحقاته، ولو في الحد الأدنى منها المتمثل بالرواتب والأجور وما شابه». فـ«مستشفى مرجعي مشهود له باستقبال الحالات المستعصية التي ترفض بعض المستشفيات الخاصة استقبالها، لا يجوز له أن يعيش، هو وموظفوه، على الشحادة».

8 أيار2012