مهنـة التمريـض تجـذب الـذكـور

مهنـة التمريـض تجـذب الـذكـور

تزداد الحاجة إلى ممرضين وممرّضات بسبب زيادة المرافق الصحيّة والمستشفيات والهجرة (علي علّوش)

ملاك مكي
لم تلق فاطمة سلمان (21 عاماً) تشجيع الأهل والأصدقاء حين اختارت اختصاص التمريض. قالوا لها إن المهنة متعبة وترتكز على ممارسات بسيطة مثل تغيير الشراشف، أو إعطاء المريض كوباً من الماء وما إلى ذلك. وعلى الرغم من ذلك، أصرّت على متابعة دراستها في الاختصاص الذي تجد فيه «قيمة إنسانيّة جميلة». بعد مرور عامين، تمكّنت من تغيير نظرة الأهل إلى المهنة، إذ «يتحمّل الممرّض مسؤوليّة كبيرة في عناية المرضى وإنقاذ أرواحهم».
تطرح تجربة فاطمة، في اليوم العالمي للتمريض الذي يصادف غداً في ذكرى ميلاد الممرّضة البريطانيّة فلورنس نايتينجيل (1820-1910)، الكثير من التساؤلات، في شأن ماهية صورة مهنة التمريض في لبنان، والتغيّرات التي طرأت على هذه المهنة في الأعوام الماضية، والمفاهيم الخاطئة التي مازالت تسود في أذهان الناس.
تؤكد نقيبة الممرّضين والممرّضات في لبنان كلير غفري زبليط «حصول تطوّر في نظرة المجتمع إلى مهنة التمريض التي تحدّدها مجالات التعليم وفرص العمل».
تقول: «في السابق، كانت صورة الممرّض خاطئة في أذهان الناس وتقوم على فكرة غير واضحة لدور الممرّض ومسؤوليته. أما اليوم، فيشهد اختصاص التمريض مفهوماً جديداً يرتبط بحماية المجتمع من الأمراض والوقاية منها، وبتخفيف الفاتورة الصحيّة، وبتنفيذ برامج التغذية والتأهيل، وإدارة إجراءات العناية بالمريض منذ دخوله المستشفى حتى عودته إلى البيت».
تخبر الممرّضة المجازة والمدرّبة في «الجامعة اللبنانيّة» سميحة شريفة سليم عن مهنتها بفخر، إذ لا تنسى يوم قفزت على السرير لتنعش قلب رجل في حالة حرجة. تتعامل الممرّضة مع مختلف المرضى وتخفّف من آلامهم. تشارك الطبيب في اتخاذ القرارات الطبيّة والمهنيّة. كما توجب الشروط الحديثة للمستشفيات تطوير خبرات الممرّض وكفاءته المهنيّة.
تلفت شريفة، انطلاقاً من خبرتها الجامعيّة، إلى تغيّر في نظرة الطلاب للاختصاص بعد دخولهم الجامعة. فيكتشف الطلاب آفاقاً جديدة للمهنة وأبعاداً أخرى تلامس الصحة الفرديّة والمجتمعيّة.

خريجو الكليّات والمعاهد

يبلغ عدد الممرّضين والممرضات في لبنان، وفق إحصاءات النقابة، 10050، منهم 81 في المئة إناث و19 في المئة ذكور. يتوزّعون على الشكل الآتي: 86,85 في المئة في المستشفيات، و1,06 في المئة في المستشفيات ذات الإقامة الطويلة، و4,67 في المئة في مراكز الرعاية الصحيّة، و3,22 في المئة في الجامعات والمعاهد، و1,16 في المئة في المدارس، و0,39 في شركات التأمين الصحي، و2,36 في الشركات، و0,13 في المئة في الرعاية المنزليّة، و0,16 في المئة في أماكن أخرى.
وتلفت زبليط إلى زيادة عدد الممرضين الذكور في الأعوام الأربعة الماضية. «يعود سبب هذه الزيادة إلى عوامل عدّة، مثل تغيير نظرة المجتمع، توافر فرص العمل. في المقابل، لم يسجّل عدد خريجي كليات التمريض في لبنان تغيّرات كبيرة بينما انخفض عدد خريجي المعاهد المهنيّة نسبة لصعوبة الامتحانات».
وتشدد على «زيادة الحاجة إلى الممرضين والممرّضات، بسبب زيادة المرافق الصحيّة والمستشفيات، وهجرة كثيرين يجدون في الخارج فرص عمل بشروط أفضل، مما يوجب النهوض بمهنة التمريض في لبنان وإقرار قوانين تنظيم المهنة التي مازالت عالقة في أدراج اللجان النيابيّة».

نظرة دونيّة

يؤمن الطالب محمد الحلبي (18 عاماً، سنة أولى تمريض في «الجامعة اللبنانيّة») بأن «الممرّض يقوم بدور فعّال في المجتمع، إذ يساعد الأفراد في مواجهة المرض والمشاكل الصحيّة. لا تستغني المستشفيات عن الممرضين والممرضات، ولا يتمّكن الطبيب من متابعة الحالة الصحيّة للمريض من دون مشاركة الممرّض في تسجيل التقارير والملاحظات وفي مراقبة الوضع الصحّي للمريض».
يطمح الحلبي إلى أن يصبح ممرّضاً ماهراً في المستقبل، يحترم حالات المرضى وخصوصيتها، يناقش الأطباء في القرارات المتخذّة، ويعمل على تطوير مهاراته العمليّة والعلميّة.
يحترم إيلي خليفة (في السنة الثانية في كليّة العلوم، معلوماتيّة) مهنة التمريض، يفكّر في أنه يوماً ما سيلجأ إلى الممرّض حين يتعرّض لوعكة صحيّة. ويعتبر المحامي روي بو عيد أن مهنة التمريض «رسالة سماويّة، فلا يمكن الشفاء من مرض ما من دون مساعدة الممرّض أو الممرّضة. يشخّص الطبيب الحالة الصحيّة، يصف الدواء المناسب، بينما يتابع الممرّض في جميع مراحل العلاج، ويعتني بالمسنين وذوي الحاجات الخاصة».
يلاحظ الطالب عماد صايغ (21 عاماً، السنة الثالثة في كليّة الطب) أنه «لم يعد الممرّض تابعاً للطبيب بل مشاركاً في تقديم الرعاية الصحيّة للمرضى وعلاجهم».
يروي الطالب حبيب ترحيني (في السنة الثانيّة في كليّة الصحّة، تمريض) تجربته بأسى، إذ «لا يظهر الممرّضون في بعض المستشفيات اهتماما بالمرضى. ولا يتعامل الأطباء باحترام مع الممرّضين، فلا يفسح لهم المجال في المناقشة وفي إبداء الرأي». لا يرغب ترحيني في العمل في هذا المجال بعد التخرّج ويفضّل الانتقال إلى مجال آخر.
تقول الطالبة فاطمة صفي الدين إن المنهاج الجامعي مغاير للتطبيقات في بعض المستشفيات، إذ لا ينتبه الممرضون والممرضات إلى أدقّ التفاصيل، ويهملون القيام بمهامهم. تنقل صفي الدين أسف سائق التاكسي حين أخبرته أنها تتخصّص في مجال التمريض، وسخريّة بعض الممرضات منها لالتزامها معايير المهنة ودقّتها. «يتعامل الممرضون مع المرضى كأرقام لا كحالات يجب مراعاتها والعناية بها».
وفق تجربتها في المستشفيات، تلاحظ الطالبة دانيا الأدهمي، التي تتابع دراستها في فرنسا، وجود فارق شاسع في النظرة إلى الممرّض بين المجتمع اللبناني والمجتمعات الأخرى. «لا يقدّر المجتمع اللبناني عمل الممرّض، ويعتبره عاملاً يخدم المرضى ويؤمّن طلباتهم. في المقابل، تحترم المجتمعات الغربيّة عمل الممرّض وتعتبره موظّفا يقوم بمهمّات محدّدة وبدور فعّال ومحترم».
وتؤكّد الممرضة مايا مخلوف، التي تمارس المهنة منذ ثلاث سنوات، أن «معظم الأطباء وإدارات المستشفيات لا يحترمون الممرّض ولا يعززون استقلاليته ومشاركته في الحقل الطبّي. وينظر المرضى وأهاليهم إلى الممرض نظرة دونيّة من دون تقدير لكفاءة عمله ودوره».

11 أيار2012