عصيان في الدولة ومدارسها

أعلنها أساتذة لبنان ومعلموه، من كل المناطق اللبنانية، من كل القطاعات التعليمية الرسمية والخاصة والمهنية: لا امتحانات رسمية الثلاثاء المقبل، الا اذا أقرت الحكومة اللبنانية سلسلة الرتب والرواتب وفق الاتفاق الأخير مع هيئة التنسيق النقابية. الموظفون في القطاع العام المشمولون بالسلسلة سيتوقفون عن العمل في جميع الادارات العامة كذلك، بالتزامن مع مواعيد الامتحانات الرسمية. فقد جمع قصر الأونيسكو أمس جميع اركان قطاع التعليم (ما عدا الجامعي)، اضافة الى موظفي القطاع العام والنقابات المتضامنة.

اجتمعوا تحت عنوان «اللقاء الوطني والنقابي من أجل السلم الأهلي والأمن الاجتماعي». سبب اللقاء، تراجع وزارة المال ووزارة التربية عن الاتفاق الأخير مع هيئة التنسيق النقابية في تحديد الزيادات في سلسلة الرتب والرواتب، وتراجع الوزارتين عن المفعول الرجعي لدفع الزيادات، واقتراح الوزارتين دفع سلف للأساتذة والمعلمين الى حين اقرار التعديلات على السلسلة. ففي حين ان زيادة غلاء المعيشة قد تم اقرارها للقطاع الخاص، بقي القطاع العام بلا زيادة حتى يومنا هذا. الأكثر استفزازاً بحسب الأساتذة والمعلمين، هو اعلان وزارتي التربية والمال عن الاتفاق قبيل موعد الامتحانات الرسمية المحددة يوم الثلاثاء المقبل.
هنا، في قاعة قصر الأونيسكو، ستظن أن رامونا القارح تبتسم، الا أنها غاضبة في الواقع، ورغم ذلك ثغرها يرسم ابتسامة تكوينية. معلّمة المادة الفرنسية منذ أكثر من 20 عاماً كانت تشاكس نيابة عن طلابها، تدفعهم الى المشاكسة دفعاً. تلقّنهم كيف أن المدرسة الرسمية ليست سيئة كما يدّعون «ستأتي الأيام وتعلمون أن ما أعطاكم اياه معلمو هذه المدرسة سيكوّن لكم حياتكم وشخصيتكم». أدخلت هذه العبارة في رؤوس طلابها، وبعدها سألت «كابيتو؟» (مفهوم؟). كابيتو، معلمة اللغة الفرنسية الصاخبة تدافع عن حقها بابتسامة لن يفهمها الا طلابها. كابيتو، هذا بلد الظلم اللامتناهي الذي يخرّج طلابا للهجرة والبطالة. كابيتو، معلمو لبنان يزرعون العلم في قلب وعقل طلاب لبنان، فتأتي حكومات لبنان لتظلمهم، ومن ثم ترفع عليهم سيفها «الأخلاقي» المزيف لتقول: «انتم تأخذون طلاب لبنان رهائن».
يرتفع صوت رئيس رابطة التعليم الثانوي حنا غريب في القاعة: «المسؤولون هم من أخذ الأساتذة والمعلمين والموظفين والطلاب والأهالي رهائن». يوضح «لقد تراجعوا عن الاتفاقات التي عقدوها معنا. وضعوا سلسلة الرتب والرواتب في مهب الريح. وعدوا الاساتذة والمعلمين والموظفين، واذا بهم يعيدونهم الى نقطة الصفر. انهالت علينا الاقتراحات: خذوا سلفة، خذوا سلسلة عبارة عن شيكات بلا رصيد، مع خفض الزيادة والارقام خلافاً للاتفاقات المبرمة». يتوجه الى الحكومة، ويحملها تبعات تراجعها عن الاتفاق، وتبعات «دفعنا» الى اتخاذ قرار مقاطعة الامتحانات الرسمية مراقبة وتصحيحاً. «لا يحق للحكومة أن تتهمنا بشيء، وهي التي تعطل بلداً بأكمله منذ أشهر»، يقول غريب. ويشدد على أن الحكومة أعلنتها معركة «فلتكن»، والجواب هو أن لا امتحانات رسمية اذا لم تقر سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع العام وفق الاتفاقات المعقودة مع هيئة التنسيق، وابتداءاً من 1 شباط 2012.
تستمع سميرة صعب (معلّمة في مدرسة حالات في جبيل) للكلمات في المؤتمر. تعلّم في المدرسة منذ 27 سنة، أما راتبها فهو لا يتعدى المليون و200 ألف ليرة. صعب مسؤولة عن أولادها بعد وفاة زوجها، تتهكم على واقعها السيئ قبل كل كلمة تنطق بها. تقول: «نذهب الى المدرسة سيراً على الأقدام، وبعد شوي سنستعير الثياب من جيراننا، ماذا يريدون أكثر؟».
«لسنا رهباناً» يقول ممثل رابطة التعليم الأساسي كامل شيا. «نحن لدينا عائلات، ونريد أن نحصل على حقوقنا، ولن نقبل بأن يذلنا أحد، أو يحولنا الى متسولين». شيا يؤكد الالتزام بمقاطعة الامتحانات، ويشير الى أن الاساتذة ممنوعون من اي زيادة على رواتبهم منذ العام 1996، يعتبر أن الاستهتار اصبح مفضوحاً. يذكر زعماء لبنان بأن الاساتذة كانوا يعلمون تحت قصف دباباتهم ونيرانهم المتبادلة خلال الحرب الاهلية. 3 مشاريع لسلسة الرتب والرواتب طرحتها الحكومة الحالية على الاساتذة والمعلمين، وفي كل مرة تتراجع الارقام. يقول شيا: «لقد أصبحنا تحت وطأة الديون، وفي كل مرة نطالب بحقنا يعلنون أن الدولة متعثرة مالياً، أما أمام مزاريب الهدر فتتوافر الأموال وبكثرة».
يعلّق الأستاذ علي علوية (مدرسة حارة حريك الرسمية) على كل ما يحدث. فهو يعمل منذ 37 عاماً في هذا القطاع، راتبه لا يغطي كلفة الحياة لمنتصف اي شهر من أشهر السنة. يشدد علوية على أن هذا العام هو الأخير له بعد ان وصل الى مرحلة التقاعد، ولا يزال يلاحق الهم في كل تحرك تعلنه الرابطة لانتزاع الحقوق انتزاعاً: «كيف يكافئون أساتذة لبنان ومعمليه بهذا الغبن؟ كيف ونحن من خرّج وزراء ونواباً ورؤساء؟».
الموظفون في القطاع العام معنيون، مثل المعلمين والاساتذة، بسلسلة الرتب، وهم أيضاً لم يحصلوا على زيادة غلاء المعيشة اسوة بالقطاع الخاص. يبدأ رئيس رابطة موظفي الادارات العامة محمود حيدر كلمته بعبارة لشكسبير: «دع الحمقى يتنافسون حول أشكال الحكومات فإن أفضلها إدارة أفضلها فاعلية». يؤكد ان السلم والأمن الاجتماعي تتحملهما الحكومة اللبنانية وحدها، وهي المسؤولة عن رسم السياسات. ويشدد على أن رواتب موظفي القطاع العام زهيدة جداً، وهي تنعكس سلباً على اداء القطاع. ويؤكد على الاضراب عن العمل بالتزامن مع موعد الامتحانات الرسمية الاسبوع المقبل، في جميع الادارات العامة في لبنان. ويضيف: نريد زيادة غلاء المعيشة لكل الموظفين، وبمفعول رجعي منذ 1 آب 2011، ونرفض السلفة التي تم اقتراحها علينا.
أساتذة التعليم الخاص أيضاً مشتركون في التحرك النقابي الكبير. رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض يؤكد على موقف هيئة التنسيق النقابية. يلفت الى أن المسؤولين يحاولون استغباء الاساتذة والمعلمين عبر فرض سلسلة جديدة للرتب والرواتب من خارج الاتفاق الحاصل قبل موعد الامتحانات الرسمية بأيام. قائلاً: «هذا مرفوض، ولن يمر كما يظنون».

100 ألف

عدد المستفيدين من سلسلة الرتب والرواتب من أساتذة ومعلمين وموظفين في القطاع العام، وهؤلاء لم يحصلوا حتى اليوم على أي زيادة على أجورهم رغم اقرار زيادة أجور القطاع الخاص منذ مطلع العام الحالي

إلى الأهل: «قفوا معنا»

يتوجه رئيس رابطة اساتذة التعليم الثانوي حنا غريب (الصورة) الى أهالي التلامذة قائلاً: «لا تخافوا ولا تقلقوا، أولادكم أولادنا، ونحن لم نستسهل اللجوء الى هذا القرار الا بعد أن نفذنا اكثر من 8 اضرابات واعتصامات وتظاهرات. قفوا الى جانبنا، دفعتم ما يكفي من اقساط بحجة اننا اخذنا زيادات على رواتبنا، ونحن في الحقيقة لم نحصل على شيء»! في حين يؤكد رئيس رابطة اساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي فاروق الحركة أن رفض السلف التي تم اقتراحها لاسقاط سلسلة الرتب والرواتب يأتي من منطلق أن الاساتذة والموظفين والمعلمين لم تصل بهم الحال الى الاستعطاء والعوز.