الخطوة الأولى تمت بنجاح. استطاع ميامو الكهرباء أن ينتزعوا حقوقهم. فقد أقرت اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة، أمس، صيغة قانون تثبيتهم، لترفعها الخميس الى اللجان المشتركة لمناقشتها ومن ثم إقرارها. وعلى وقع التحرك السلمي، وفي اتحاد نقابي عابر للمناطق والطوائف والتقسيمات السياسية، يستمر إضراب المياومين حتى يصدر القانون الذي سيدخلهم ملاك مؤسسة الكهرباء
رشا أبو زكي
الخيمة التي كانت منصوبة خارج باحة مؤسسة الكهرباء، نقلها المياومون أمس إلى داخلها. كل الاستعدادات كانت قائمة لإعلان الاضراب عن الطعام والمبيت في المؤسسة حتى تحقيق مطلب التثبيت. عند الساعة الثانية و14 دقيقة، يصعد أحد المياومين «الدرج»، يحمل «الميكروفون»، يتوجه الى المعتصمين: «لقد نجحت تحركاتنا. اللجنة النيابية الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة أعلنت قبل قليل من مجلس النواب الاتفاق على صيغة قانون تثبيتنا، والصيغة تتضمن معظم مطالبنا الأساسية: مباراة محصورة لجميع المياومين الذين تتوافر لديهم شروط التثبيت، وتعويض من تخطّوا سن التقاعد ومن ستتخلى عنهم المؤسسة في حال لم ينجحوا في المباراة (...)».
كان أكثر من ألف مياوم في باحة المؤسسة في كورنيش النهر ينتظرون ما ستخلص اليه اللجنة الفرعية من مواقف. المخاوف كانت هي الغالبة. الأفكار التصعيدية في حال لم تقرّ اللجنة الصيغة المنشودة كانت محور النقاشات. نظرات المياومين التي ترافق «الميكروفون» ومن يحمله، تشي بالصدمة. تصفيق بعد كل كلمة يقولها المياوم الذي يذيع قرارات اللجنة النيابية. يغصّ الأخير بكلماته، فهو مذهول أيضاً. يوزع عبارات الشكر يميناً ويساراً: أعضاء اللجنة الفرعية، رئيس مجلس النواب، الإعلام، القوى الأمنية، السياسيون، جيران السياسيين. لائحة «التشكرات» تتوسع، وصولاً الى وزير الطاقة جبران باسيل: «إذا كان باسيل قد أسهم في الموافقة على هذه الصيغة، نقول له شكراً». كاد أن ينسى أن يشكر نفسه والمعتصمين المشدوهين بكل ما يحصل. يستعيد «الميكروفون»: «نحن عماد الحركة النقابية، هذا ما أثبتناه في اتحادنا يداً بيد من جميع المناطق، من جميع المشارب، من جميع الطوائف والمذاهب. أحلى ما في تحركنا أننا تعارفنا. تربطنا الآن الصداقة، بعد أن كانت تربطنا المعاناة واحتمالات الموت الدائمة صعقاً بالكهرباء، أو ضرباً كما حصل مع عدد من المياومين الجباة، أو على أبواب المستشفيات بلا ضمان ولا أي تأمين على الحياة. تذكروا أننا حققنا الخطوة الأولى، واعتصامنا وإضرابنا مستمران، بالإصرار ذاته، حتى إقرار القانون».
يتناقل المياومون قرارات اللجنة النيابية الفرعية. باسيل لم يحضر الجلسة، فقد كان خارج البلاد، لذا مثّلته مستشارته باسكال دحروج، إلى جانبها أعضاء اللجنة النواب: محمد قباني، ميشال حلو، غازي زعيتر ونوار الساحلي. كذلك حضر الجلسة المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك وممثل مجلس الخدمة المدنية أنطوان جبران. وقد نص الاتفاق (أو صيغة قانون تثبيت المياومين) الذي سترفعه اللجنة الفرعية الى جلسة اللجان المشتركة التي ستعقد الخميس على النقاط الآتية:
1ــ الإجازة لمؤسسة كهرباء لبنان، خلال مدة سنة من تاريخ نفاذ هذا القانون، إجراء مباريات محصورة لعمال غب الطلب وجباة الإكراء وسائر العاملين الموقتين في المؤسسة والمتعاقدين، وذلك لملء المراكز الشاغرة في مؤسسة كهرباء لبنان في المديريات كافة من دون استثناء، بما فيها مديريّتا التوزيع في بيروت وجبل لبنان والمناطق، وذلك وفقاً لعدد من الشروط:
أ_ أن يتقدم كل من يريد أن يتثبت بطلب خطي إلى مؤسسة كهرباء لبنان مرفقاً بالمستندات الثبوتية المطلوبة، على أن يكون مستوفياً كل الشروط العامة والخاصة للاستخدام، باستثناء شرط السن، على ألا يتجاوز الرابعة والخمسين.
ب_ من تجاوز الرابعة والخمسين، وبالتالي لم يستطع أن يتقدم الى المباراة، أو الذين يرسبون في المباراة، يحق لهم الحصول على تعويض يوازي سنوات خدمتهم كمياومين خلال السنوات الماضية (تحدد اللجان المشتركة قيمة التعويض وآليته).
ج_ بالنسبة الى سنوات الخدمة التي تتيح للمياوم التقدم الى المباراة، فهي لا تزال غير محسومة. فقد اقترح أحد أعضاء اللجنة أن يكون قد أمضى سنتين، وكان هناك اقتراح آخر أن يكون أمضى 300 يوم فعلي قبل تاريخ 2/8/2011 (ستحدد اللجان المشتركة الموضوع).
2ــ من أجل احتساب تعويض نهاية الخدمة، لضمّ خدمات العمال الذين يجتازون المباراة بنجاح، سيجري احتساب كل ثلاث سنوات من خدمتهم الفعلية قبل التثبيت بمثابة سنة خدمة. أما المتعاقدون حالياً في المؤسسة، فيجري تثبيتهم في الفئات التي يشغلونها بتاريخ صدور هذا القانون، على أن تضم خدماتهم، سواء تلك التي أمضوها في الإدارات والمؤسسات العامة قبل إلحاقهم بمؤسسة كهرباء لبنان أو خلال خدمتهم في هذه الأخيرة، وتحتسب السنة سنة خدمة فعلية.
وشرح رئيس اللجنة الفرعية محمد قباني لـ«الأخبار» أن صيغة القانون المقترح من اللجنة الفرعية سترفع الى اللجان المشتركة الخميس، وعند مناقشة الصيغة وحسم عدد من النقاط، يُحال القانون على الهيئة العامة لمجلس النواب التي ستعقد الأسبوع المقبل. وبعد إقراره في الهيئة، يُعلن تاريخ المباراة المحصورة.
إلا أنه على الرغم من كل التطمينات، بقي المعتصمون في حالة من الشك، يحملون قصصهم من كل المناطق. يلفت أحد الجباة إلى أنه منذ 4 أشهر لم يتقاض أي جاب راتبه. يشرح أنه وقّع عقداً مع المؤسسة فيه بنود ترفع عن الأخيرة أي مسؤولية في حال تعرضه للسرقة أو للقتل أو لأي حادثة في العمل، «نتعرض للإهانات من الناس»، وأقل عبارة يسمعها: «إنت بتجي على بيتنا أكتر ما بتجي الكهربا». يتحدث أحد المياومين العاملين في الصيانة عن المخاطر التي يتعرض لها يومياً: «نحن كالانتحاريين، لا نعلم متى نموت صعقاً»، تدمع عين أحدهم: «ابنتي عمرها 7 سنوات، بكت عندما رأت التشوّهات التي أصابت أحد زملائي، رقّ قلبها، كيف يلفظنا قلب السياسيين؟». يضيف «أحد الزملاء واسمه سامي فصاعي استشهد صعقاً، حسموا من الراتب الذي تسلّمته زوجته يوماً من العمل، وهو اليوم الذي استشهد فيه!».
يشير آخر إلى أن عمال الصيانة يقومون بالتصليحات رغم الإضراب، «حتى اليوم لم تنقطع الكهرباء عن مستشفى واحد، ولن تنقطع». أحد المياومين من الشمال توفي والده صعقاً. ولكونه البكر بين إخوته الثمانية، تحول إلى «معيل العائلة». وعدته إدارة المؤسسة بالتثبيت منذ 4 سنوات، ولا يزال الوعد بلا ترجمة فعلية. لكل معتصم هنا قصة، لو يسمعها السياسيون لما استطاعوا النوم. يستطيعون.
2981 وظيفة
شاغرة في الفئات 4 وما دون من السلكين الفني والإداري، وفق كتاب رفعه مدير مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك الى مجلس الخدمة المدنية في 30/11/2011
2391 مياوماً
موجودون حالياً في مؤسسة كهرباء لبنان ويعملون منذ سنوات طويلة، بينهم ما يزيد على 1700 مياوم لم يتجاوزوا الـ 54 عاماً وتتوافر فيهم كل شروط التثبيت
الاستنابات القضائيّة؟
المعتصمون طلبوا ألا تكشف أسماؤهم بعدما صدرت بحقهم 33 استنابة قضائية بما ينتهك حق الاعتراض والتظاهر وحرية التعبير. هم يخافون من تركيب أسمائهم على الاستنابات في حال صرّحوا بـ«كلمة ما عجبت شي مسؤول». تم التحقيق مع مياوم واحد، إحدى الشخصيات السياسية أوقفت ملاحقته، فيما ينتظر الآخرون تبليغهم، ليعودوا إلى خيمة الأحزاب، لتعيدهم الأحزاب إلى خيمتها.
12 حزيران2012