فقراء طرابلس يعتصمون أمام بيت الزكاة

يحكى الكثير عن الفقر المنتشر في لبنان، حتى أن عدداً من المناطق باتت توصف بالفقيرة، تلك التي تعيش فيها العائلات «المستورة». على الرغم من ذلك، لم يسبق أن اعتصم فقراء للمطالبة بالمساعدة، كما حصل أول من أمس أمام بيت الزكاة في طرابلس. شكاوى المواطنين صادمة، والحلول متواضعة
عبد الكافي الصمد

«كم ساعة نصوم في اليوم؟». تصرخ امرأة في وجه مُحدّثها الذي يرتبك ولا يجيب، فتبادر هي إلى الردّ عليه: «نحن نصوم 17 ساعة. هل تعلم أن هناك صائمين يفطرون على بيض مسلوق وصحن لبن!». لم تكن هذه المرأة سوى واحدة من مجموعة نساء وعجائز ومعاقين اعتصموا أول من أمس أمام «بيت الزكاة والخيرات» في طرابلس، احتجاجاً على عدم تقديم المسؤولين في «البيت» معونات وُعدوا بتلقيها، أو أخرى كانت تقدم إليهم وتقلّصت. تتابع تلك المرأة كلامها وهي تشير إلى المبنى الذي تقع فيه مكاتب بيت الزكاة، فتقول: «عليهم أن يدخلوا إلى البيوت ويعرفوا أسرارها. أنا رأيت بنفسي عائلة من 4 أفراد لم يكن يوجد على طاولة إفطارهم قبل أذان المغرب سوى 4 بيضات مسلوقية، وصحن لبن وإبريق ماء!». تندفع امرأة أخرى للقول إنها أفطرت مع أولادها أمس على اللبنة والزيتون والبندورة. لا تكاد تنهي كلامها، حتى تسارع أخرى إلى عرض حالها، فتؤكد أنها لم تفطر مع عائلتها المكونة من ثمانية أفراد، منذ أول أيام شهر رمضان، «إلا على المجدرة والفتوش!».
على الرغم من أن هذا الواقع الذي تحكي عنه النسوة يبدو متوقعاً لمن يعرف أحوال فقراء طرابلس، إلا أنه يفاجئ من يسمعه، إذ على الرغم من الفقر والعَوَز اللذين تعيشهما فئة كبيرة من أبناء عاصمة الشمال، وتحديداً أحياؤها الفقيرة، لم يسبق أن تظاهر فيها مواطنون يشكون تردّي وضعهم المعيشي إلى هذا الحدّ، خصوصاً أن المدينة مشهورة بأنها في شهر رمضان تشهد أوسع حملة لتوزيع المساعدات والحصص الغذائية على العائلات المُحتاجة. أول من أمس، كسر الاعتصام الذي نفذ أمام مقر بيت الزكاة هذه الصورة المعروفة عن المدينة في شهر الصوم الاعتصام، حيث تجمّع عشرات النساء وكبار السنّ والمعوقين عدا بعض الرجال، ومعظمهم أتى من مناطق المنكوبين ووادي النحلة ومخيم البداوي وجواره، عند الضاحية الشمالية لطرابلس. رئيس الرابطة اللبنانية في مخيم البداوي، بلال الدهن، وهي جمعية تعنى بمواطنين لبنانيين مقيمين في مخيم البداوي، أوضح «هناك حقوق لنا عند بيت الزكاة نريد الحصول عليها وتلبية مطالبنا». ولفت إلى أن الرابطة «قدّمت ملفاً للمسؤولين عن بيت الزكاة من أجل مساعدة هؤلاء الفقراء، لكن لم يستجيبوا لنا». متسائلا: «يقولون لنا إنه لا إمكانية لديهم لمساعدتنا، لكننا نراهم في المقابل يساعدون آخرين نحن أولى منهم بالمساعدة؟». وفيما أوضح مسؤول جبهة العمل الإسلامي ـ مجلس القيادة سيف الدين الحسامي أنه موجود في الاعتصام «تضامناً مع المحتجين في مطالبهم»، أشار رئيس جمعية السعد والهناء الشيخ وليد النمل إلى أن «مساعدات كثيرة تأتي لبيت الزكاة من دول الخليج، لكن لا نرى منها شيئاً، وقد راجعنا عددا من المسؤولين فيه لكن الأوضاع بقيت على حالها». المحتجّون الذين قطعوا الطريق الرئيسي أمام بيت الزكاة وعرقلوا حركة السير نحو نصف ساعة، اعتصموا لاحقاً عند مدخل المقر الرئيسي، وأكدوا أنهم لن يتركوا المكان قبل أن يحصلوا على مطالبهم. لم يمضِ وقت طويل إلا وكان المسؤولون عن بيت الزكاة يطلبون من المحتجين تشكيل وفد مصغر للنظر في مطالبهم. تشكل الوفد وعقد اجتماع لنحو نصف ساعة، خرج بعده الدهن ليعلن أنه «تم التوصل إلى حلّ يقضي بإعطائنا 75 حصة غذائية شهرياً و50 وجبة إفطار يومياً خلال شهر رمضان وكسوة العيد لبعض العائلات»، معرباً عن أمله أن «يصدقوا في وعودهم لنا، فنحن نريد أكل العنب لا قتل الناطور».بدوره، أشار مدير بيت الزكاة كرامي شلق إلى أن «الإشكال تمّ حله، وقلنا لهم خلال الاجتماع إننا لا نستطيع تقديم خدمات ومساعدات تفوق قدراتنا، فنحن لا نستطيع تغطية حاجات أهالي المدينة كافة، فنحن نتكفل بمساعدة خمسة آلاف يتيم مع أمهاتهم». شلق كشف أنه «بعد شرح وضعنا، قبلوا بما قدمناه لهم من مساعدات، لكننا اشترطنا عليهم عدم القيام بتحركات كهذه بعد الآن، وأنهم يستطيعون مراجعتنا والحصول على ما يحتاجون إليه، من ضمن الإمكانات المتوافرة لدينا».
وأمس، أصدر شلق بياناً، أعلن فيه تقديره للظروف الاقتصادية الضاغطة، لكنه شجب «أسلوب التظاهر غير الحضاري وقطع الطريق العام ومحاولات الاعتداء على مقر البيت والقيام بأعمال يعاقب عليها القانون بحجة الحصول على المساعدات» ورأى أنها «تكشف خلفيات غير بريئة للإضرار بالعمل الخيري واستقرار المدينة».

28 تموز2012