انتفاضة متعاقدي المركز التربوي: «لستِ وحدك من يعرف»

ينتفض المتعاقدون بالتراضي والعاملون على أساس الأجر اليومي وبالفاتورة في المركز التربوي للبحوث والإنماء مجدداً لحقوقهم المسلوبة. تكتب إحدى المتعاقدات رسالة إلى رئيسة المركز ليلى فياض تفنّد فيها السرقات في المركز على حساب لقمة عيش المتعاقدين مقابل الغلاء الفاحش والرواتب الهزيلة
فاتن الحاج

لم تنته حكاية المتعاقدين بالتراضي والعاملين على أساس الأجر اليومي وبالفاتورة في المركز التربوي للبحوث والإنماء فصولاً. هؤلاء ضاقوا، كما يقولون، ذرعاً برئيسة «تسلبنا حقوقنا؛ فنحن ممنوعون من التثبيت في الملاك، رغم مرور 16 عاماً على التعاقد مع المركز ومحرومون إجازة الأمومة والإجازتين السنوية والمرضية». أكثر من ذلك، أخلّت الرئيسة بوعدها «بإعطائنا درجتين مع بداية 2011 اعترف بها مجلس الاختصاصيين وأمعنت في التضييق علينا عبر منع بطاقات الخروج والمهمة تذرعاً بالتفتيش الذي يضغط عليها».

ضجت أروقة المركز في الآونة الأخيرة برسالة كتبتها إحدى المتعاقدات بعنوان «لستِ وحدك من يعرف»، وقد فوجئ بها أهل المركز مرمية في مصاعد المكان وردهاته. كانت الرسالة بمثابة إعلان لاستمرار انتفاضة المتعاقدين، لكن على طريقتهم. شرحت معاناة 126 متعاقداً، بل 126 عائلة، صابّة جام غضبها على رئيسة تستطيع أن «تعبئ جيوبها وجيوب حاشيتها من دون أن يمسك التفتيش الإداري عليها أي ممسك».
يحضر المتعاقدة سؤال وجهته الرئيسة إلى المتعاقدين في أحد اجتماعاتهم معها «يومها سألتنا: كيف تستطيعون أن تناموا على وسادتكم في المساء وأنتم تعلمون أنكم قد تخلفتم عن القيام بواجباتكم؟ كيف يستطيع أن يغمض لكم جفن وأنتم قد أحجمتم عن المكوث في ساعاتكم الإضافية التي منحكم إياها المركز؟». حينها أضحكت العبارة المتعاقدين، في سرّهم طبعاً، تقول السيدة في رسالتها، والسبب هو أنه «غير مسموح لنا التعبير عن مكنوناتنا ومخاوفنا كما تفعلين أو كما تفعل من تعرف بالمديرة الإدارية، خريجة مدرسة بدري نجم». وبدري نجم بالمناسبة هو المدير الإداري السابق الذي خرج إلى التقاعد، ولا يزال يتعاقد مع المركز.
اليوم، يحلو للمتعاقدة أن تسأل رئيستها: «هل تنامين أنت بسهولة؟ 10 سنوات ولم تكتفي وأنت تسعين إلى سنتين زائدتين، لم تنجزي خلالها أي شيء للموظف، قد نخمّن أنك متشبثة بكرسيك لأنك صاحبة رسالة، أو رغبة في إكمال مشروع ما، أي شيء ندعو لك بالخير لأجله، أنجزته من أجلنا، من أجل تلك الشريحة من أجل الموظفين التي ما عرفتها يوماً».
تضيف: «يا سيدتي نسعى فقط إلى لقمة عيش شريفة لنا ولعوائلنا، ليس لإنشاء حوض للسباحة ولا لشراء شقة لنا ولإخواننا كما يحصل الآن في المركز، ليس لإدخال أقاربنا، أولادنا، أزواجنا، أبناء إخوتنا في مشاريع يمولها البنك الدولي. الفرق بيننا أنك قد قبضت علينا في جرم سرقة رغيف خبز كي نعيش، كي لا يموت أبناؤنا. أما أنتِ يا سيدتي وحضرتك أيتها المديرة، فقد قبضنا عليكما بالجرم المشهود لسرقة أرقام طائلة لعملة اسمها بنكنوت، لمال الدولة. علامات استفهام كثيرة وتعجب لمجمدات ومقتنيات ونمط عيش يدعو إلى التساؤل، كل هذا جراء راتب هزيل».
تستدرك المتعاقدة: «لستِ وحدك من يعرف، من منّا لا يعرف عن المبالغ الطائلة الممتدة طوال السنة فقط من الساعات الإضافية التي لا يمكن حتى لو رقدتم في المركز من يوم ليوم أن تنجزوها. وحدها قرارات ساعاتكم الإضافية لا تمر عبر بقية الأقسام كما هي حال ساعاتنا اليتيمة التي أقمتم الأرض ولم تقعدوها كيف أننا لم ننفذها كما يجب. ونسألك: هل أنجزت ساعاتك كما يجب والآنسة يولا (يولا حنيني، المديرة الإدارية) وصونيا ومالك، إلخ؟».
وتردف: «ليس فقط قرارات الساعات الإضافية، بل كل شأن له علاقة بمصادر أموال لكما، ممنوع أن تنزل إلى بقية الأقسام، إلى ما بعد سنتين، حتى تهدأ الأمور ويكون الزمن قد مر على سرقاتكم ولا يعود يجدي لفت النظر. نعرف يا سيدتي وحتى الآن نحن صامتون لم نتكلم، لكنكم تحشروننا في الزاوية وتنزلون فينا سلخاً بالسوط والكرباج وبكل وسائل تكسير الكرامات».
لا تتردّد السيدة في ذكر مداخيل أحد من ينتمون إلى «حاشية» الرئيسة، وهو أستاذ رياضة متقاعد ويقبض 57 مليون ل.ل. سنوياً. وإذا كانت المتعاقدة لم تتطرق إلى التفاصيل فإنّ «الأخبار» تعرف أنّ هذا الأستاذ لديه عقد صناعي ينتهي مع السنة المالية وقد يجدّد، وهو مسنود بحزب أكثري فاعل وزوجته مدعومة جداً. متقاعد آخر له مهمات ومسؤوليات متعدّدة وأموال غير محدّدة، وثالث يتولى مهمة منسّق عام المناهج، وقد بلغ عقده من نهاية نيسان 2010 حتى نهاية آب 2010، 46 مليون ليرة! ومتعاقد رابع هو مستشار ومساعد مالي.
أكثر من ذلك، فقد تم استدعاء قارئة تربوية لمناهج الحلقة الأولى، وهي لا تزال تتابع دراستها، وبلغت قيمة عقدها 22 مليون ل.ل، عدا عن التدريب المستمر الذي بدأ منذ 7 سنوات ضمن مشروع الإنماء التربوي (مليون وخمسمئة ألف دولار أميركي أنفقت في هذا المشروع على التربية في لبنان).
تتابع المتعاقدة: «تحاسبيننا على اتصالات قد نقوم بها أو قمنا بها، وذلك المدير المايسترو لهذه اللعبة الصفراء يأتي يوماً بعد يوم فقط لإجراء مخابراته كلها من حرم المركز. ما كنت لتعطينا ساعاتنا الإضافية تلك لولا أنها تبرر الكمّ الهائل لساعات الرئيسة وحاشيتها، وإلاّ فكيف تبرّرين سير الأعمال. ولا تمنيننا بإعطائك الساعات الإضافية تلك، التي لم تصل حتى إلى جيوبنا بسبب الغلاء الفاحش والرواتب الهزيلة التي ما سعيت يوماً لتحسين شأنها من أجلنا، وتتساءلين كيف تستطيعون أن تناموا؟».
سدّت المنافذ أمام المتعاقدين، فكتبوا عن وجعهم، فهل يحرّك ذلك وزير التربية حسان دياب، الوصي على المركز التربوي والمؤتمن على التربية وينظر في موضوع المتعاقدين ويحقق في ما قالوه. هي ليست قضية إنسانية فحسب، هي قضية مال عام.