ليس ثمة ما يشي أن عودة العائلات السورية التي نزحت مؤخراً إلى لبنان ستكون قريبة. ذلك ما يفسر إقبال تلك العائلات على تسجيل أبنائها في المدارس اللبنانية، ففي قرى وبلدات عاليه والمتن الأعلى حيث شرعت المدارس الخاصة أبوابها تحضيراً للعام الدراسي 2012 – 2013، ثمة نسبة كبيرة من التلامذة السوريين بدأوا التسجيل والتحضير لامتحانات الدخول، في محاولة لتخطي إشكالية اللغة الاجنبية على مستوى تدريس المواد العلمية. ذلك أن المدارس السورية تعلم تلك المواد باللغة العربية، ما يتطلب جهودا مضاعفة من الوافدين الجدد، ليتمكنوا من الانطلاق في العملية التربوية من ضمن المناهج اللبنانية، فضلاً عن أمور تقنية وإدارية أخرى.
ومن المتوقع أن تشهد المدارس والثانويات الرسمية إقبالا غير مسبوق من قبل الطلاب السوريين ما إن تفتح أبوابها لملاقاة العام الدراسي، خصوصاً أن الإقبال على المدارس الخاصة بنسب كبيرة (من الصعب تقدير حجمها قبل استكمال التحضيرات والبدء في الدراسة)، يؤشر إلى أن ثمة تحديات ستواجه المدرسة الرسمية، ولا بد من التعاطي معها بكثير من الجدية كقضية إنسانية، لا سيما أن اللبنانيين حلوا في فترات سابقة ضيوفا مكرمين على المدارس السورية وجامعاتها. وتجدر الإشارة إلى أن المدارس الرسمية استقبلت بعد انطلاق العام الدراسي الماضي أعداداً كبيرة من الطلاب السوريين «في الربع الأول من العام الدراسي، استقبلنا 40 تلميذا من سورياً في متوسطة عاليه الغربية الرسمية»، يقول مدير المدرسة ونائب رئيس «رابطة التعليم الأساسي الرسمي» كامل شيا. علماً أنه في تلك الفترة لم تكن سوريا قد شهدت عمليات نزوح واسعة، ولم تكن قرى وبلدات عاليه ملاذا لمئات العائلات التي آثرت استئجار منازل والبقاء في لبنان إلى أجل غير مسمى.
في بلدة بعلشميه حيث تقطن عدة عائلات سورية، يقول مصطفى حموي، وهو رب أسرة مؤلفة من خمسة أولاد، «إذا لم أتمكن من إيجاد عمل فلن يكون في مقدوري تسجيل أولادي في المدارس»، لافتاً إلى أن «أكثر ما نفكر فيه الآن هو تأمين بدل إيجار السكن ومستلزمات الحياة الضرورية». وقال: «في وضعنا تصبح المدارس نوعا من الكماليات، لكن إن وجدت عملا لن أتردد في تسجيل الاولاد في المدرسة الحكومية في بعلشميه». ويقول معتز الطويل: «لم أتمكن من تسجيل ابني الوحيد في مدرسة خاصة في عاليه، بسبب الاختلاف في المناهج التربوية، وبالرغم من أن ابني متفوق في مدرسته في سوريا إلا أن القيمين على الادارة طلبوا مني تسجيله في دورة اللغة الإنكليزية ليتمكن من الاندماج مع زملائه، وأعمل مع والدته لتدريسه قبل الخضوع لامتحان الدخول، كي لا يضطر إلى إعادة صفه»، وشكر إدارة المدرسة «لأنها زودتنا ببعض الكتب من دون مقابل».
تتفاوت الأوضاع الاجتماعية للنازحين السوريين، إلا أنه في عاليه والمتن معظم العائلات تعتبر ميسورة نسبياً، فضلا عن أن الغالبية تنتمي إلى الطبقة المتوسطة. ولا يوجد نازحون معدمون، على غرار ما هو قائم في بعض المناطق حيث تم استيعابهم في مدارس، إلا أن هؤلاء ليس في مقدورهم تعليم أبنائهم في مدارس خاصة واستنفاد مدخراتهم لصالح التعليم، ذلك أن الأولوية تبقى منصبة على تأمين موجبات الحياة إذا ما طالت الازمة في سوريا.
يقول مدير مدرسة دير الشير في بلدة بمكين – قضاء عاليه، التابعة للرهبانية الباسيلية الحلبية فادي غانم «استقبلنا منذ يومين خمس عائلات سورية ونتوقع أن يزداد العدد يوما بعد يوم، وقمنا كمرحلة أولى بالمساعدة على ردم الهوة بين التعليم في سوريا وفي لبنان، ولا سيما في ما يتعلق باللغة الأجنبية». ويضيف: «كنا متريثين قليلا لكننا اتخذنا قراراً باستيعاب الطلاب الوافدين ومساعدتهم في الاندماج سريعا في العملية التربوية من خلال اخضاعهم لامتحان دخول الهدف منه معرفة قدرتهم على التكيف في الصفوف التي سيتسجلون فيها».
من جهة ثانية، يتوقع شيا أن «تشهد المدارس الرسمية إقبالا كبيرا من التلامذة السوريين هذه السنة»، لافتاً إلى «اننا لن نرفض أي تلميذ فنحن واجهنا ظروفاً صعبة وشرعت مدارس سوريا أبوابها لأبنائنا في سنوات المحنة، ونحن بهذا المعنى سنرد الجميل بمثله». إلا أن شيا استدرك بأن «مشكلات كبيرة ستواجه المدارس الرسمية مع بداية العام الدراسي والشروع في تسجيل التلامذة». ورأى أن «هذا الأمر سيستدعي لزاما تدخل وزارة التربية لإقرار خطة لاستيعاب الوافدين الجدد إلى المدارس الرسمية في جبل لبنان، فضلا عن مشكلة ماثلة الآن حيث تشغل العائلات السورية النازحة بعض المدارس، ولا سيما في منطقة الشمال». وقال: «هذه المشكلة لم تبدأ الآن، وإنما هي مستمرة منذ العام الدراسي الماضي حيث استقبلت المدارس الرسمية أعداداً كبيرة من التلامذة السوريين، لكن ليس بما نتوقعه هذه السنة».
وعن كيفية التعاطي مع التلامذة من الناحية التربوية، قال شيا: «تعاطينا معهم كان يتم من خلال ما هو متفق عليه من قوانين بين وزارتي التربية في البلدين، ففي مرحلة التعليم الأساسي يتم التسجيل بموجب إفادة من المدرسة السورية مصحوبة بـ«بطاقة الجلاء»، أي بطاقة العلامات النهائية، وما فوق التعليم الأساسي من المفترض أن تتم معادلة العلامات المدرسية من خلال لجنة المعادلات في وزارة التربية من الثانوي حتى المرحلة الجامعية مصحوبة ببطاقة الجلاء». وقال شيا: «الاختلاف في المناهج يبدأ من أنه ليس هناك في التعليم الرسمي السوري حضانة، فالتلميذ يدخل المدرسة في عمر ست سنوات إلى الصف الأول أساسي، أي أنه لا يدخل المدرسة في سن الاربع سنوات إلى صفي الروضة الأولى والثانية». لكنه أشار إلى أن «المشكلة التقنية متمثلة بالمواد الأساسية، وذلك ما اضطرنا العام الماضي إلى إرغام بعض التلامذة على إعادة صفهم بسبب الفارق بينهم وبين تلامذتنا في اللغة الاجنبية وهي مادة اساسية في مدارسنا، وبعض التلامذة خضع لدوارت تقوية في اللغة الأجنبية».
وأشار إلى أنه «على كل مدرسة أن تتكيف مع الواقع الجديد». ولفت إلى أنه «تناهى إلينا كرابطة أن وزير التربية يولي هذه القضية اهتماما، ونتوقع أن تكون هناك مواكبة جدية من قبل الوزارة». تبقى ثمة أسئلة: كيف ستتعاطى المدارس الرسمية مع عشرات أو مئات من التلامذة السوريين؟ وهل سيكون في مقدورها استيعابهم؟ وهل ستكون الوزارة حاضرة بما يؤمن حق التعلم للنازحين كقضية إنسانية قبل أن تكون قضية تربوية؟ وتبقى الإجابات عن تلك الأسئلة مرهونة بما ستتخذه الحكومة اللبنانية من إجراءات وتدابير إغاثية تمثل التربية بعض أو أهم متطلباتها.