بعد نحو عشرة أشهر من البحث الميداني والتدقيق، أخذ البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً طريقه رسمياً الى التنفيذ بإطلاقه أمس من القصر الجمهوري، واعلان نتائج المرحلة الأولى منه مع 33 ألف طلب لأسر محتاجة تسلمتها وزارة الشؤون الاجتماعية المشرفة على البرنامج.
واكد رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان خلال الاحتفال الذي حضرته شخصيات رسمية واجتماعية، ان عدالة توزيع الثروة، هي بوليصة التأمين على الأمن والسيادة والاستقرار، ومحفّز على التضامن الاجتماعي الذي يعبر الطوائف والمناطق ويعزّز الوحدة بين اللبنانيين، معتبراً "البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً" الذي اطلقته وزارة الشؤون بارقة أمل على جبين اجتماعي يهدّده البؤس، مشيرا الى أن المسألة الاجتماعيّة ستظل في صدارة جدول الأعمال الوطني.
وألقى الوزير وائل أبو فاعور كلمة، اشار فيها الى أن موظفي الوزارة وفريق رئاسة الحكومة، نشطوا خلال عشرة شهور، من بيت الى بيت، من قرية الى قرية، من واحة بؤس الى اخرى، من منزل لم تزره شمس الدولة في يوم من الأيام الى حي ظلله الفقر الى حدود العتمة.
وقال: "ثلاثة وثلاثون الف طلب في المرحلة الاولى، اي ثلاثة وثلاثون الف زيارة الى ثلاثة وثلاثين الف منزل او شبهة منزل. بعضهم لم يصدق ان الدولة تزوره وقد قضى العمر بحثا عنها. فالفقر بات يتما عندما أشاحت الدولة بوجهها عن فقراء لبنان واختصرتهم أبناء طوائف وأتباع مذاهب ومريدي ملل وتابعي سياسات تأبه لكل شيء الا لفقرهم وعوزهم".
أضاف: "ليس في الامر منحة ولا منة ولا مكرمة من الدولة تجاه أبنائها المفترضين، بل ان مفهوم دولة الرعاية، دولة الرعاية الاجتماعية هو ما سقط طويلا من بنية تفكيرنا. ولا ندعي اننا في ما نقوم به، نطوى صفحة الفقر في لبنان او نردم الهوة السحيقة بين اللبنانيين لكننا بهذه التجربة التي تحصنت بالشفافية الى أبعد الحدود نطلق النفير لما يجب ان يكون".
سليمان
وقال الرئيس ميشال سليمان: "ثلاثة عشر ألفاً وثمانمئة وتسع وعشرين عائلة من أصل ثلاثة وثلاثين ألف حالة درستها فرق وزارة الشؤون الاجتماعيّة، ليست سوى باكورة العمل الجادّ، والتي تؤكد بدورها الوفاء بالوعد الذي أُعلن يوم إطلاق هذا البرنامج قبل عشرة شهور".
أضاف: "لقد رفع إرث الحروب والتهجير والحراك السكّاني الكلفة الاجتماعيّة على المواطن والدولة إلى مرتبات قياسيّة، ذلك أنّ استعراض مؤشّرات أحوال المعيشة في لبنان في خلال الأعوام الثلاثين المنصرمة يوضح أنّ 28% من اللبنانيين تحت خط الفقر الاعلى و 8 في المئة منهم تحت خط الفقر الادنى، بينما يستهلك عشرون في المئة نصف مجموع الاستهلاك وستون في المئة من سكّان المدن يعيشون في أحياء فقيرة. كذلك فإنّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للعام 2012 كشف أنّ 300 ألف شخص في لبنان غير قادرين على تلبية حاجاتهم الغذائيّة، فضلاً عن تسرّب الاولاد من المدارس، ومشهد اولاد الشوارع".
ولفت الى ان الدولة تتحمّل عبئاً كبيراً في حماية البيئة الاجتماعيّة الوطنيّة من الانهيار، فهي كأكبر ربّ عمل تحتضن أكثر من مئتي ألف موظف وأجير في كل الأسلاك الإداريّة والتربويّة والعسكريّة والقضائيّة، بالإضافة إلى ما يزيد عن ستين ألفاً من المتقاعدين، توفّر لهم قدراً لا بأس به من الرعاية في ميادين الصحة والتعليم ونظام التقاعد والشيخوخة. "فالدولة تدفع ما لا يقلّ عن 733 مليار ليرة على الخدمات الصحيّة من خلال وزارة الصحة والضمان الاجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وصناديق التعاضد في الإدارات الرسميّة. وفوق ذلك كلّه، فهي ما زالت تنفق على دعم بعض السلع الزراعيّة أو الصناعيّة والتجاريّة وحمايتها وتلبّي حاجات الإغاثة والطوارئ. لكنّ المشكلة التي واجهتها الدولة دائماً هي الإنفاق المتناثر والعشوائي".
وقال: "تعمل الحكومة على تفعيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وعلى درس عميق لسلسلة الرتب والرواتب، وزيادة حصّة الأجور من الناتج المحلي من دون انعكاس على بيئة الاستثمار والإنتاج وزيادة العامل التضخّمي. كذلك سنحضّ مجلس النواب على التعجيل في استكمال الإجراءات لضمان الشيخوخة وتأمين معاش تقاعد نهاية الخدمة ووضع قانون الضمان الاختياري موضع التنفيذ وتفعيل عمل صناديق فروع الضمان".
وختم قائلاً، ان الاستقلال والسيادة والحريّة والتحرير، كلّها تبدأ باستقلال المواطن عن العوز والحاجة وعن الارتهان للمرجعيّات السياسيّة أو الطائفيّة بغية الحصول على فرصة عمل في الإدارة العامة ومؤسسات الدولة. ما يحتاجه لبنان هو انقسام من نوع آخر، أيّ حول شعارات اقتصاديّة لا سياسيّة، وإلى حركة اجتماعيّة ونقابيّة مستقلّة عن أيّ هوى طائفي أو حزبي".
8 آب2012