ما إن بدأت الوعود بزيادة الرواتب والحد الأدنى للأجور العام الماضي، حتى بدأ التلويح بزيادة الأقساط المدرسية، وما ان أقرت هذه الزيادة حتى حجزت المدارس حصتها، للإفادة، والتعويض عن زيادة رواتب المعلمين والموظفين لديها. وقد شرع العديد من المدارس بزيادة الأقساط في النصف الأخير من السنة الدراسية الفائتة (2011-2012)، بينما ارتأى البعض الآخر استمهال الزيادة حتى العام الدراسي الجديد ( 2012-2013).
ينتظر التلاميذ حلول شهر أيلول للعودة إلى المدرسة، مخبئين في جعبتهم قصص العطلة الصيفية، كي يرووها لأترابهم. يشترون قرطاسيتهم، فيختارون الأشياء اللافتة والغريبة، لتكون موضع تسلية في حصصهم الدراسية، ويفرحون في الزي المدرسي الجديد.
كل تلك الحماسة والفرح لدى التلاميذ، يقابلهما قلق لدى الأهالي الذين يجهدون في تأمين الأقساط.. حتى أن الكثير من التلامذة ربما لن يعودوا إلى مقاعدهم القديمة هذا العام، بل سيحجزون أماكنهم في مقاعد جديدة ومدارس جديدة، تتناسب وميزانية العائلة، بعدما تخطت معدلات زيادة الأقساط هذا العام في العديد من المدارس الـ25%، ووصلت إلى الألفي دولار على التلميذ الواحد في بعض المدارس، بينما بلغت في الحد الأدنى مئتي ألف ليرة لبنانية، أي ما يوازي نسبة الزيادة على الحد الأدنى للأجور.
وقد وجدت بعض المدارس في تقسيم زيادة الأقساط على مرحلتين، استراتيجية، يمكن لها المساعدة في التخفيف من وطأة الأمر على كاهل الأهالي، إلا أن ذلك القرار أثار حفيظة بعض الأهالي الذين اعتبروا أن مدرسة فرضت زيادة على الأقساط مرتين خلال سنتين متتاليتين.
وعمدت بعض المدارس، مع إقرار زيادة الرواتب الجديدة إلى الوقوف عند رأي الأهالي، وفق مديرة «المدرسة الأهلية» في بيروت، رضا عياش. فتم الاتفاق على الزيادة مع بداية العام الجديد. وبذلك فمن عجز عن تحمل الأقساط الجديدة، ويبلغ متوسط الزيادة عليها 600 دولار على كل تلميذ، يكون بإمكانه تغيير المدرسة مع بداية العام الجديد.
أما بالنسبة إلى المدارس التي شرعت بزيادة أقساطها في منتصف العام الماضي، فقد اعتبر الأهالي أن ذلك القرار غير منصف، لأنهم اختاروا تلك المدارس كونها تتناسب وإمكاناتهم المادية. وامتنع العديد منهم عن دفع المتبقي من الأقساط. ذلك هو حال سمية وهي أم لأربعة أولاد، تقول إن المدرسة الخاصة التي يتعلم فيها أولادها زادت أقساطها في أواخر العام الدراسي المنصرم، فما كان منها إلا أن امتنعت عن الدفع، وقررت نقلهم إلى مدرسة رسمية، مع بداية العام الدراسي الجديد، فتمنعت إدارة المدرسة بدورها عن منح أولادها إفادات النجاح التي تخولهم التسجيل في مدارس جديدة.
وتستمهل بعض المدارس قرار زيادة أقساطها الذي لا مفر منه، وفق رئيس «مدرسة السان جورج» الخوري بول ناهض، الذي يكشف أن المشاورات ما زالت جارية داخل مجلس الإدارة لدراسة الزيادة التي تلائم الجميع. ويؤكد أن الزيادة منطقية مع ازدياد رواتب المعلميين والموظفين.
«أربعة ملايين وخمسمئة ألف ليرة دفعت على الصبح»، يردد حسن تلك العبارة أمام كل من يلتقي بهم، لقد أصابه المبلغ بالذهول، ولا يزال غير قادر على استيعابه، وقد أصبح حسن الذي يعمل طبيب أسنان ولديه ثلاثة أولاد، يفكر فعلياً بالهجرة إلى الخارج، وهو يسأل: «إذا كنت طبيبا وغير قادر على أقساط المدارس، فماذا أفعل كي نعيش؟». يقول حسن ان كل انتاجه أصبح مخصصا للمدارس وأقساطها. وفي عملية حسابية، يترتب دفع ما يقارب ألفي دولار بدل أقساط شهريا عن أولاده الثلاثة، عدا عن المصاريف الأخرى كالقرطاسية والكتب، إضافة إلى النشاطات المدرسية والزي المدرسي والتنقلات «الأوتوكار».
وتشكل المستلزمات التي تتبع الأقساط عبئاً إضافياً، إذ يعمد العديد من المدارس إلى إجبار الأهالي على دفعها. تقول دلال إنه يترتب عليها دفع مئتي دولار مع بداية كل عام دراسي عن كل ولد، ثمناً للقرطاسية التي تجبرهم المدرسة على شرائها، مع العلم بأنها تقتصر على دفاتر أربعة ومفكرة ممهورة برمز المدرسة. وتنتقد دلال أسلوب تنظيم الرحلات المدرسية، التي لم تعد تقام خلال أيام العطل أو نهاية الأسبوع، أنما خلال الدوام المدرسي، فيضطر الأهل إلى إرسال أولادهم، وإلا بقوا وحيدين في الصف، بينما أترابهم يلهون خارجاً، عدا عن الزي المدرسي الذي يتغير كل عامين تقريباً.
«نتخلى عن كل شيء إلا علم الأولاد»، يعتبر موسى أن العلم هو حق الأبناء على الآباء، لذا على الرغم من الزيادة «التي تقصم الظهر»، نحن مضطرون إلى تعليم الأولاد، وفي أفضل المدارس، لذا قرر إبقاء أولاده في المدرسة نفسها، مع أن الزيادة تخطت الـ1700 دولار عن كل تلميذ. يثق موسى بأسلوب التعليم في المدرسة، ويقول: كما علمني أبي أريد تعليم أولادي.
إذاً هي عملية مد لا جزر فيها، بين إدارات المدارس والأهالي، الذين يعضون غالبا على الجرح في سبيل تعليم أولادهم، يحلمون لهم بمستقبل أفضل من مستقبلهم، لا يأتي إلا من خلال العلم، على أمل أن يستطيع أولئك الأولاد «جيل المستقبل»، عيش حياة أفضل مما عاشها أهلهم.