«على غير عادتها» استنفدت غرف بعض المدارس الرسمية في البقاع جميع مقاعد طلابها من اللبنانيين، وزوارهم الجدد من السوريين، في اندماج، دونه عقبات وعراقيل في طليعتها اختلاف اللغة والمنهاج التعليمي بشكل كبير ما بين لبنان وسوريا. ولم يمنع الإحجام «المستتر» من قبل بعض مدراء المدارس الرسمية، عن استقبال الطلاب السوريين، مبررين ما يقومون به بـ «الحفاظ على الجوّ داخل المدرسة»، من تدفق الطلاب السوريين. وإن كان عددهم ضئيلاً قياساً إلى الأعداد النازحة، إلا أنه يبقى كبيراً على مدارس قضاء زحلة، وخصوصا في البلدات التي تحتضن نازحين بشكل واسع، كقبّ الياس، وبرّالياس، ومجدل عنجر، وسعدنايل. علما أن عددا من مدراء المدارس، يجزم بعدم نجاح الاندماج بين الطالبين اللبناني والسوري.
حتى العاشر من الشهر المقبل، يستمر التسجيل في المدارس الرسمية، بعد تمديد الفترة من قبل وزارة التربية. ذلك على الرغم من استحالة استقبال المزيد من الطلاب للتسجيل، سواء أكانوا لبنانيين أو سوريين، بفعل الاكتظاظ الذي وصل إلى خطوطه الحمراء غير المسبوقة في السنوات الماضية في المدارس الرسمية، التي فتحت أبوابها بشكل كامل أمام الطلاب السوريين، تنفيذا لقرارات وتعاميم وزارة التربية. وقضت تلك التعاميم بتقديم تسهيلات عدة لاستقبال الطلاب السوريين في المدارس الرسمية، وإعفائهم من البدلات المالية لرسوم التسجيل، عدا عن حصولهم على القرطاسية، والزي المدرسي بشكل مجاني، في اطار تقديمات المؤسسات الدولية المانحة، وفي مقدمتها «منظمة اليونيسف» و«غوث الأطفال».
وقد انهمكت المنظمات المانحة طيلة الأشهر الماضية في إنجاز عشرات الدورات التدريبية، لمئات الأطفال والطلاب اللبنانيين والسوريين «في القرى الأكثر فقراً»، وفق تعبير مسؤولة الإعلام في «اليونيسف» سهى البستاني، التي تتحدث عن إنجاز الدورات التدريبية، التي تهدف إلى تقوية مستوى اللغة الاجنبية عند الطلاب السوريين، من أجل تسهيل دخولهم إلى المدارس اللبنانية، والاندماج بشكل طبيعي وبالتعاون مع «جمعية اقرأ»، و«مجموعة سوا».
مع بداية الاحداث السورية، لاحظت خبيرات «اليونيسف» خروجا مبكرا لعدد من الطلاب السوريين من المدارس اللبنانية. وتبين من خلال الإحصاءات والمتابعة، عدم الاندماج بين الطالب اللبناني والسوري، ومردّ ذلك إلى اللغة، والمنهاج التعليمي المختلف بين البلدين. وهي عوامل تؤدي إلى الحؤول دون الاندماج الطبيعي، الذي يؤخره أيضا النقص في الاحتياجات عند المنظمات الدولية، والتي لا تلبي بالحد الأقصى إلا بحدود 40 في المئة من الاحتياجات. ويمكن في الصف المدرسي أن تلاحظ فوارق في العمر بين الطالب اللبناني والسوري. وأغلبها بين 8 سنوات و11 سنة، والسبب المنهاج التعليمي. وتحاول بعض المدارس الرسمية في البقاع، الحدّ من عمليات التسجيل للطلاب السوريين، داخل مدارسها. وذلك لعدم قدرتها على استيعاب المزيد من الطلاب اللبنانيين، الذين يتدفقون باتجاهها في ظل ارتفاع رهيب في أقساط المدارس الخاصة. كما أنها لا ترغب، وفق أحد الأساتذة بخلق مشاكل بين الطلاب في الصف الواحد، مردها إلى المستوى التعليمي.
مشكلة الاندماج مستنسخة أيضاً عند أكثر من 150 طالبا فلسطينيا مهجرا من مخيمات سوريا إلى مخيمات البقاع، لا يزالون ينتظرون حقهم في التعليم، كما يقول مسؤول اللجنة المركزية لـ «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» عبد الله كامل، الذي يشير إلى «تخلي منظمة الأونروا عن واجباتها تجاه اللاجئ الفلسطيني، الذي يفتقد كل أنواع الرعاية بدءا من الاجتماعية إلى الصحية، وصولاً إلى التربية والتعليم». ومنذ 15 يوماً، باشرت مدارس «الأونروا» في البقاع الدروس المحصورة بالطلاب الفلسطينين المسجلين، دون الطلاب الفلسطينين الآتيين من سوريا، علما بأن كامل يطالب بـ «استئجار مبنى للتعليم خاص بالطلاب الفلسطينين وفق المنهاج السوري حتى تكتمل الفائدة من التعليم».
ما يطالب به كامل باشر بتطبيقه الدكتور بلال الحشيمي، وهو صاحب «مدرسة افروج كوليج» في تعلبايا، فقام بتحويل قسم من بنائه المدرسي إلى صفوف تعليمية للطلاب السوريين في فترة ما بعد الظهر، تمتد من الساعة الثالثة إلى السابعة مساء، تستوعب 230 طالبا من صفوف التاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، يستفيدون من التعليم وفق المنهاج السوري، وباساتذة سوريين. وذلك بعدما تكفلت «منظمة إنسان» بتأمين مصاريف التعليم للأساتذة السوريين، وبعض المواد التربوية والتعليمية، مقابل تقديم الحشيمي قسما من بنائه وصفوفه واحتياجات الطلاب وخصوصا التدفئة. يطالب الحشيمي الهيئات الدولية بدعم الطالب السوري وفق تلك الآلية، إن كان عبر استئجار أبينة مدرسية أو استعمال بعض الأقسام الخالية والفارغة في المدارس الرسمية، وتحويلها إلى صفوف خاصة بالطلاب السوريين، يتلقون تعليمهم وفق المنهاج السوري وعبر أساتذة سوريين، يعرفون مواده جيداً.