أحجم التلامذة السوريون في عرسال عن الذهاب إلى المدرسة بعد أيام قليلة على التسجيل فيها. الجمع بين النازحين والعراسلة لم يكن مهمة سهلة، فكان اقتراح توفير مبنى وأساتذة سوريين لتعليم النازحين
رامح حمية
لم تشفع التسهيلات التي قدّمتها وزارة التربية والتعليم العالي لتسجيل التلامذة السوريين في المدارس الرسمية في تبديد هواجس العائلات النازحة. فقد امتنع علاء، الفتى النازح مع أهله إلى بلدة عرسال البقاعية، عن الذهاب إلى مدرسة البلدة بعد أيام قليلة من انطلاقة العام الدراسي في المدارس الرسمية. لم يجد ابن الثانية عشرة ربيعاً وأشقاؤه الثلاثة ما يجذبهم إلى التعلم هنا. هي عبارة واحدة تتردّد على ألسنتهم دون سواها «ما عم نفهم شي. كلّو بالفرنسي».
في الواقع، أبدى الأهالي اهتماماً كبيراً بتسجيل أبنائهم في المدارس، وهؤلاء ليسوا معجبين حتماً بفكرة الهروب من مكان اختاروا طوعاً الانتساب إليه لمتابعة تحصيلهم العلمي. «علاء وإخوته كانوا من الشاطرين هناك في مدارس سوريا»، على ذمة والدتهم أم محمد، «لكن الاختلاف بين المنهاجين الدراسيين المعتمدين في كل من سوريا ولبنان يقف عائقاً أمام استيعاب أولادي للدروس وهو سبب طبيعي لتسربهم»، كما تقول.
طبعاً، لا تقتصر المشكلة على هذه الأسرة بالذات، بل تطاول غالبية التلامذة السوريين النازحين الذين سارعوا إلى الجلوس على المقاعد الدراسية إلى جانب زملائهم العراسلة في المدارس الرسمية للبلدة ليصطدموا في ما بعد بالواقع المرير، على حد تعبير أم محمد. ويبدو أنّ الأمر لا ينحصر بمرحلة تعليمية دون أخرى بل يبدأ من الحلقة الأولى من التعليم الأساسي وصولاً حتى المرحلة الثانوية. أما الخشية من ضياع عام دراسي جديد على التلامذة فتتجاوز النازحين السوريين، إلى العائلات العرسالية. ينتاب هذه الأخيرة هاجس انعكاس تعليم الطرفين في قاعة تدريس واحدة على المستوى التعليمي لأولادها.
في السياق، يشرح أستاذ في إحدى المدارس الرسمية في عرسال تجربة التعليم في صف يضم طلاباً بمنهجيتين مختلفتين للمواد العلمية مثل الرياضيات والعلوم. يصعب الدمج بين الطرفين، كما يقول، «إذ كيف سيتمكن المعلّمون من توزيع الحصص التعليمية بين الطلاب اللبنانيين من جهة والطلاب السوريين من جهة ثانية. لا بد لهذا الأمر من أن يؤدي، برأيه، إلى الانتقاص من حق كل من الطالبين اللبناني والسوري على حد سواء في اكتساب المعارف والمهارات التربوية بالمدة الزمنية المحدودة المخصصة لإنجاز المنهاج الدراسي». وبناءً عليه، فقد أحجمت غالبية التلامذة السوريين في عرسال عن الذهاب إلى المدارس وذلك برضى أهالي عرسال الذين أيقنوا أن الجمع بين أبنائهم والتلامذة السوريين سينعكس «حتماً ضرراً على الطرفين وسنخسرهما معاً»، كما يؤكد محمد عز الدين، أحد مخاتير البلدة. المختار الذي يتابع الوضع عن كثب بكل تداعياته ويملك الإحصاءات الدقيقة الخاصة به، يوضح أن عدد التلامذة السوريين في عرسال يقارب 600 تلميذ، يتدرّجون علمياً من الحلقة الأولى في التعليم الأساسي، إلى الحلقة الثانية، ويشكلون العدد الأكبر، فيما يوجد عدد قليل في التعليم الثانوي، كاشفاً عن اقتراح يقضي بفصل التلامذة السوريين عن العراسلة، وتأمين مبنى خاص بهم وأساتذة سوريين لتعليمهم، مناشداً الإسراع في الموافقة علية في مهلة قياسية.
يذكر أنّ في عرسال 9 مدارس، اثنتان منها مقفلتان، في إحداهما تقطن عائلات سورية نازحة. هنا لا يرى عز الدين مشكلة في إخلاء العائلات النازحة، إذ «يمكن توفير مساكن بديلة لهم في أماكن أخرى»، على أن تستخدم عندها المدرستان لاستيعاب الطلاب السوريين فقط البالغ عددهم 600 وتعليمهم وفق المنهجية السورية.
لكن هل يتوفر أساتذة سوريون لتعليم المنهجية السورية وهل عددهم كافٍ لتدريس كل المواد؟ يشير المختار إلى أن هناك نحو 100 أستاذ نازح يستطيعون متخصصون في تدريس مختلف المواد التعليمية التي تتطلبها هذه المنهجية، وقد أبدوا استعدادهم للقيام بهذه المهمة مقابل أجور تحدد مع انطلاقة العملية التعليمية. طه، أحد هؤلاء الأساتذة المتحمسين لتعليم التلامذة النازحين، «لكن شرط أن يكون هناك بدل مالي... متل ما بتعرف طلعنا من سوريا بالثياب اللي علينا، ولا بد من مصدر رزق حتى نعيل عائلاتنا»، يقول.
هكذا، وبما أنّ العام الدراسي قد انطلق، بات ملحاً الإسراع في معالجة القضية، لا سيما أن مثل هذا المشروع دونه «عوائق لوجستية وإدارية»، بحسب عز الدين، الذي أطلق صرخة ناشد فيها وزير التربية والتعليم العالي حسان دياب، إيلاء المشكلة «الاهتمام الكافي والسرعة المطلوبة في المعالجة عبر الموافقة على فتح المدرستين أمام الطلاب السوريين وبدء التدريس». كذلك طلب عز الدين من الجمعيات المحلية والدولية التي تعنى بتقديم المساعدات المتعلقة بالشؤون التعليمية والدراسية «المساعدة في توفير القرطاسية وأجور الأساتذة السوريين الذين أبدوا استعدادهم لتعليم التلامذة النازحين بالمواد التعليمية السورية والتي يتقنونها جيداً».