27 ألفاً يدفعها المرضى كل ساعة من دون وجه حق بدل الاستشفاء
لا يكاد "الكباش" بين المستشفيات الخاصة والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يخبو نسبياً حتى يعود الى الاستعار، وسط جدل حول التعرفة الاستشفائية. وبعيداً من هذا الجدل الذي ملّ منه اللبنانيون، يكاد النقاش ينعدم عن الاهدار والتزوير في بعض الفواتير التي تقدمها المستشفيات الخاصة. واللافت ان اللجنة الفنية في الضمان اكتشفت تزويراً في بعض الفواتير، وطلبت من المستشفيات اعادة تلك المبالغ للمرضى، وهكذا كان.
33 مليوناً في خمسين يوماً
يظهر تقرير اللجنة الطبية في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي انه خلال شهرين من العام 2008 تم ضبط 60 حالة تزوير في فواتير، قدمتها سبع مستشفيات خاصة في بيروت وجبل لبنان الى الضمان، واستعيد مبلغ 33 مليون ليرة تم توزيعه على المرضى الذين تقدموا بشكاوى الى اللجنة الفنية.
وفي تقرير اللجنة الفنية هذه أن المبالغ المذكورة ناجمة عن الفارق الحاصل ما بين التعريفات المقررة من الصندوق وتلك التي اعتمدتها المستشفيات المذكورة في جبل لبنان وبيروت. ويظهر الجدول المرفق بالتقرير أسماء المرضى وأرقام انتسابهم الى الضمان وتاريخ استعادة المبلغ بموجب شيكات من أصحاب العلاقة، وأرقام انتسابهم الى الضمان وتاريخ استعادة المبلغ بموجب شيكات من اصحاب العلاقة، أي المستشفيات، في الفترة الممتدة من 30 تشرين الأول الى 18 كانون الأول العام 2008. وهكذا تكون المبالغ المستعادة قد تقاضتها 7 مستشفيات خلال 50 يوماً، أي ما معدله 660 ألف ليرة لليوم الواحد و27 ألف ليرة للساعة الواحدة، ما يعني ارتفاع نسبة التزوير في الفواتير، علماً أن عدداً كبيراً من المرضى لا يطلعون على الفواتير، وبالتالي إن هذا الرقم مرشح حكماً للارتفاع. عدا عن أن تقرير اللجنة الفنية تناول فقط 7 مستشفيات من أصل نحو 120 مستشفى متعاقدة مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. من هنا يطرح السؤال عن العقوبات التي يجب فرضها على تلك المستشفيات بعد اتضاح تلاعبها، وهل يصحح الامر عبر استعادة المرضى اموالهم التي سرقتها تلك المستشفيات منهم؟
المرضى الوهميون
تعمد بعض المستشفيات الخاصة الى التحايل على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وكذلك وزارة الصحة العامة. ووفق المتابعين لخفايا الملف الاستشفائي في لبنان، فان بعض المستشفيات تسجل دخول مرضى اليها لتلقي العلاج، وتعمد بالتواطؤ معهم الى انجاز معاملات الدخول لدى الجهات الضامنة، ومنها الضمان الاجتماعي، ومن ثم تحصل من دون وجه حق على مبالغ غير قليلة من اموال الجهات الضامنة. وتكمن العملية في دخول المريض لساعات حتى ينجز الطبيب المراقب تقريره ويعطي الموافقة لمريض دخل فعليا الى المستشفى. وبعد اتمام المعاملات المطلوبة يغادر المريض، وتستمر عملية الفوترة، ما يعني اجبار الضمان على دفع فواتير للمستشفى من دون ان يكون هذا المستشفى قد انفق قرشا واحدا. ووفق بعض الموظفين في الضمان فان اللجنة الفنية استطاعت اكتشاف عدد من تلك الحالات واتخذت التدابير اللازمة بحق المستشفيات المخالفة اما الطريقة الثانية فتكمن في ادخال مريض غير مضمون على اسم مريض مضمون، وهي حالات يفيد منها غير المضمونين على حساب المضمونين.
الطريق الى الاستشفاء
للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الية واضحة لتمكين المضمونين من الافادة من تقديمات فرع المرض والامومة، وتلك الآلية تقليدية، بمعنى اما ان يحصل المريض على الموافقة المسبقة لتلقى العلاج في المستشفى، في الحالات الباردة اي تلك التي لا تستوفي شروط الحالات الطارئة مثل الولادة الطبيعية او حتى القيصرية، وفقا لاستشارة الطبيب، او اجراء عملية بعد تحديد الطبيب موعدها، اما في حالات الطوارئ فيحصل المضمون على الموافقة المتأخرة، بمعنى انه يدخل الى المستشفى ومن ثم يقوم من ينوب عنه باتمام المعاملات وفقا لنظام الضمان، وفي الحالين يقوم الطبيب المراقب المنتدب من الضمان بالاطلاع على الملف الطبي للمريض المضمون ويؤشر على المعاملة سلبا او بالموافقة، بعد تأكده من حاجة المريض لاجراء عملية او تلقي علاج او اجراء فحوص وصور الاشعة اللازمة، قبيل اجراء العملية الجراحية. وفي الوقت عينه يراقب مدى التزام المستشفى بالتعرفة المحددة من الضمان، وفقاً لتصنيف المستشفى (عادة يتم التصنيف في شكل دوري وباشراف وزارة الصحة العامة).
اضافة الى دور الطبيب المراقب، يجري المراقب الاداري المنتدب من الضمان رقابة من نوع آخر، تكمن في التدقيق بهوية المريض والتاكد من انتسابه للضمان ودفع الاشتراكات. وللمراقب الحق في الاعتراض على تقاضي المستشفى نسبة تفوق الـ10% المحددة في قانون الضمان، وللمريض ايضاً ان يطلع على الفواتير ويدقق فيها، لكن غالباً ما لا يمارس المريض هذا الحق ويكتفي بالحصول على اذن مغادرة المستشفى، او ما يعرف بورقة الخروج.
في المقابل قد يعترض الطبيب المراقب على اجراء المريض المضمون بعض الفحوص المخبرية التي يعتقد انها غير ضرورية، وهنا يصبح المريض محل تجاذب الاراء الطبية بين طبيبه المعالج من جهة وطبيب الضمان من جهة ثانية، وغالباً ما تكون الكلمة الفصل لطبيب الضمان، واحياناً تأتي على حساب المريض، وبالتالي حرمانه من اجراء بعض الفحوص وصور الاشعة، ما قد يتسبب بتهديد صحته.
الحسم... والواسطة!
بعد اتمام المريض علاجه يتوجب عليه دفع ما نسبته 10% من قيمة الفاتورة الاستشفائية، وهنا يحين دور "الشطارة" على الطريقة اللبنانية للحصول على حسم من ادارة المستشفى، واحيانا تستجيب الادارة تبعاً للواسطة التي يستحضرها المريض او من ينوب عنه عبر اتصالات مع شخصيات سياسية او حزبية او نقابية.
صحيح ان ذلك الحسم يعود بالفائدة على المريض، لكن السؤال الذي يجب طرحه هو لماذا لا يسري هذا الحسم على الفاتورة التي يقدمها المستشفى لادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي؟
في المقابل يعمد احياناً وزير الصحة خلال توقيعه على الفواتير المقدمة من المستشفيات الى وزارته الى اجراء حسم قد يصل الى 20% من قيمة الفواتير، خصوصاً عندما تكون الأخيرة مرتفعة وغالباً ما لا يعترض اصحاب المستشفيات على ارجاء الوزير لأن "ارباحهم تبقى مضمونة".
ارتفاع كلفة الاستشفاء في لبنان بما لا يتناسب مع نوعية الخدمات الطبية التي يتلقاها المرضى، يضاف اليها ارتفاع نسبة التلاعب بالفواتير وفق تقارير اللجنة الفنية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفي الحالين يدفع المرضى من صحتهم ومن جيوبهم اثماناً لتقصير هنا وتزوير هناك، من دون حسيب أو رقيب.
12 أيلول2012