فلسطينيون ينزحون من سوريا: لا منازل للإيجار في المخيمات

كأن اللاجئ الفلسطيني في المخيم ينقصه معاناة ثانية: ما الذي يفعله حين يدق بابه فلسطيني نزح من سوريا هرباً من الحرب، ويطلب منه أن يؤويه عنده؟
وطنياً، يحضن ابن بلده ويرحّب به. أما عملياً، فلاجئ المخيم يعجز عن إعالة عائلته التي يكتظ بها منزله المتواضع. لكن ها هم فلسطينيو سوريا يواجهون لجوءاً ثانياً، بعدما كانوا ينعمون بحياة هادئة في سوريا التي تنصف حقوقهم. وها هو «مخيم اليرموك» في سوريا يخلو من سكانه الفلسطينيين، الذين توزعوا في نزوحهم بين الأردن ولبنان. فالقادرون اقتصادياً حضروا إلى لبنان، ويعيشون في منازل للإيجار خارج المخيمات الفلسطينية، فيما نزحت آلاف العائلات إلى المخيمات الفلسطينية. منها من لجأت إلى منزل قريب أو صديق، ومنها من اضطرت إلى استئجار منزل في المخيم، بسعر لا يتوافق مع حالتها الاجتماعية، ومنها أيضاً من لم تجد مأوى لها حتى الساعة.
يقول مسؤول «اللجان الشعبية للمخيمات الفلسطينية في لبنان»، أبو إياد شعلان، لـ«السفير»، إن «الإحصائيات الموجودة لدى اللجان، عن عدد العائلات الفلسطينية السورية التي نزحت إلى لبنان، حتى العشرين من آب الماضي، موزعة على المخميات والتجمعات الفلسطينية في المحافظات اللبنانية السبع».
تشير الإحصائيات إلى وجود مئتين وثلاث وخمسين عائلة (983 شخصاً)، في مخيمات بيروت الثلاثة، أي برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس، وثلاثمئة وثماني عائلات (1352 شخصاً) في صيدا، ومئتين وثلاث وثلاثين عائلة (871 شخصاً) في صور، وثلاثمئة وخمس عائلات (1430 شخصاً) في الشمال، وثلاثمئة وست عائلات (1132 شخصاً) في البقاع.
كثيرة هي المشاكل داخل المخيمات. يتفق الجميع على أن النازح السوري يتلقى جميع أنواع المساعدات ومن الجميع، «إلا أن حاله كحال الفلسطيني اللاجئ في لبنان». وأبرز هذه المشكلات وأولاها السكن وبدل الإيجارات. هنا، لا يراعي أصحاب المنازل داخل المخيمات أوضاع المهجرين من سوريا، بل يستغلون الفرصة للتجارة. إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود منازل للإيجار داخل المخيمات، ليجد الفلسطيني السوري نفسه أمام خيارين، إما المبيت على الطريق أو العودة إلى سوريا.

«عذاب» لبنان
داخل مكتب تابع للجنة الشعبية في مخيم شاتيلا، تطرح خديجة الخطيب قضيتها، بل مأساتها، على الحاضرين. وخديجة هي فلسطينية تعيش في درعا منذ زمن طويل. نزحت إلى لبنان مع بناتها الخمس «بأعجوبة». إلا أن زوجها لم يتمكن من الهروب لعدم «سماح الجهات الأمنية السورية للعائلات بالهروب من درعا»، وفق قولها.
ومنذ أكثر من أسبوعين انقطع التواصل معه، ولا تعرف إذا كان حياً أم ميتاً. وخديجة التي لم تشعر يوماَ أنها لاجئة في سوريا، تذوق طعم العذاب في لبنان منذ وطأت قدماها أرضه. لخديحة أقارب في مخيم شاتيلا، لكن لا يتعرفون إليها لأسباب عائلية. حضرت من درعا وفي جعبتها مبلغ قيمته أربعة آلاف دولار. وبعد ستة أشهر أنفقت المال في إيجار المنزل، الذي لم يرض صاحبه تأجيره بأقل من ثلاثمئة دولار. لم تنته القصة بعد، لأن القدر شاء لخديجة ان تتعرف إلى معاناة الفلسطيني في لبنان بأدق التفاصيل. ومنذ نحو شهر تعرضت إحدى بناتها لوعكة صحية، وما زالت حتى الساعة تخضع لعلاج في المستشفى. فإذا الفلسطيني في لبنان نفسه لا يجد من يعالجه، من سينظر إلى حالة ابنة خديجة؟
يؤكد مصدر في الـ«أونروا»، مكلّف بمتابعة قضايا اللاجئين في مخيم شاتيلا، أنه لم يتم إبلاغه بقضية خديحة، ويعد بـ«حلّها بأقرب فرصة».
خديجة تبقى نموذجاً لآلاف الفلسطينيين النازحين من سوريا، والمهدّد بعضهم بالتشرّد، إذا لم تتحرك الجهات المعنية. ومن المتوقع أن تنفذ خمس وعشرون عائلة اعتصاماً في اليومين المقبلين أمام مكاتب الـ«أونروا» و«الصليب الأحمر الدولي»، بهدف مناشدتهما تأمين بدل الإيجار وإلا «فسنصبح في الشارع».

مسؤولية الجهات المعنية
يؤكد مصدر في الـ«أونروا» لـ«السفير»، أن «الوكالة تتكفل تأمين الطبابة والتعليم لهؤلاء المهجرين، ومعاملتهم مثل الفلسطينيين اللبنانيين. أما في ما يتعلق بموضوع تأمين الإيجارات، فيقول المصدر إن الوكالة لا تملك موازنة لصرف مبالغ للسكن، وكانت قد طلبت الاغائة من الدول المانحة، وما زالت تنتظر الرد عليها».
أما شعلان، فيشير إلى «أن اللجان الشعبية تتواصل مع الأونروا ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية»، كاشفاً أنه «تمّ تشكيل لجان تنسيق في المناطق، وهي معنية بمتابعة أمور الفلسطينيين السوريين. وهناك لجنة تنسيق عليا للإغاثة، عيّنتها الجهات الفلسطينية الرسمية».
ويؤكد أنه سيتمّ «تخصيص دروس تقوية للطلاب الفلسطينيين السوريين في مدارس الأونروا، خارج الدوام، نظراً إلى اختلاف المنهج الدراسي في لبنان عن المنهج التعليمي السوري».

10 أيلول 2012