تصبّ «ورشة العمل الإقليمية لإطلاق راصد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في البلدان العربية»، التي انطلقت أمس في بيروت وتختتم اليوم، في إطار التحضير لـ «القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية التنموية». وتبحث الورشة التي تنظمها «شبكة المنظمات العربية غير الحكومية» جملة من العناوين الحقوقية المتعلقة بالعمل والتعليم.
وبين العناوين المطروحة للنقاش، «السياسات الاقتصادية والاجتماعية الدامجة للأشخاص المعوقين». مسألة شائكة، تحول دون تطبيقها سياسة التهميش التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة منذ اثنتي عشرة سنة، حين صدر القانون 220/2000 الخاص بحقوقهم، الذي لم يكتب له التطبيق، ولم تستصدر الوزارات المعنية المراسيم التنفيذية لمواده، من جهة. بالإضافة إلى عدم نيل «الاتفاقية الدولية بشأن الأشخاص ذوي الإعاقة» مصادقة البرلمان اللبناني حتى تاريخه، بالرغم من مرور خمسة أعوام على موافقة الحكومة اللبنانية عليها، من جهة أخرى.
وقد تضمن البيانان الوزاريان للحكومة الحالية والسابقة، تعهدهما الضمني، بالتسريع في استصدار المراسيم التطبيقية للقانون 220/2000، والمصادقة على الاتفاقية الدولية الآنفة الذكر، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل.
اليوم، وبعد أكثر من ثلاثين عاماً على انطلاقة حركة الإعاقة المطالبة بالحقوق، تكمن المشكلة الأساسية في مجال وصول الأشخاص المعوّقين إلى حقوقهم في أن كل الخدمات التي توفرها الدولة لهم في لبنان لا تستند إلى مبادئ حقوق الإنسان. وتعتبرهم فئة منفصلة عن باقي فئات المجتمع، معتمدة مبادئ العمل الخيري في الخدمات التي توفرها لهم. أما السياسات المطبقة على مستوى وطني في مجالات حقوق الأشخاص المعوّقين، فتدل على عدم وجود رؤية متكاملة أو إستراتيجية تعمل على دمجهم وتوفير حقوقهم على جميع الصعد.
ففي مجال التعليم، لا يتم إدراج المعوّقين في لبنان من ضمن النظام التربوي العام، ما يجعل وزارة التربية المسؤولة عن تنفيذ سياسة الدولة في مجال التعليم غير مسؤولة عن تعليم الأشخاص المعوّقين. وذلك يعتبر تمييزاً واضحاً ضد الأشخاص المعوّقين في واحدٍ من أهم مجالات حقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، لا يوجد لدى أيٍّ من الوزارات سياسة لتعليم الأشخاص المعوّقين في لبنان، بحيث تترك هذه المهمة لمؤسسات غير حكومية، تعتمد مبادئ العمل الخيري وتتلقى دعماً مالياً من وزارة الشؤون الاجتماعية. ويلحظ كذلك عدم وجود سياسة حكومية تتيح التعليم العالي للأشخاص المعوّقين بحسب كفاءاتهم. وذلك يعود لوجود عوائق هندسية في الأبنية الجامعية من ناحية، ولعدم توفير خدمات داعمة أساسية من ناحية ثانية. كما أن التعليم المهني والفني غير متاح للأشخاص المعوّقين من ضمن التعليم العام والخاص، في وقت تقوم مؤسسات غير حكومية بتنفيذ برامج تأهيل وإعادة تأهيل مهني، إلا أنها غير مرتبطة بسوق العمل.
أما في مجال العمل، وتأمين مستوى معيشي للأشخاص المعوّقين، أظهرت الدراسات أن نسبة 83 في المئة من الأشخاص المعوّقين عاطلون عن العمل. وأن نسبة عالية من العاطلين عن العمل لم يعملوا أبدا في حياتهم. ويشير ذلك الواقع إلى غياب سياسات حكومية لتأمين فرص عادلة للأشخاص المعوّقين في مجال العمل بشكل عام، وفي حرية اختيار العمل وشروطه، وفي الحماية من البطالة. فلا يوجد سياسة لفتح سوق العمل أمام الأشخاص المعوّقين. ولا يزال سوق العمل في لبنان مفتقراً إلى سياسة دمج لهؤلاء المعوّقين، من حيث ثقافة عدم التمييز، وقوانين العمل، وأنظمة عمل المؤسسات والشركات، والتجهيزات المستخدمة في العمل، والخدمات الداعمة لهم. كما أن غياب سياسة تعويض البطالة يؤدي حكما إلى انعدام مستوى المعيشة لدى المعوّقين العاطلين عن العمل.
ومن نتائج غياب سياسة تعويض البطالة، أن الكثير من الأشخاص المعوّقين يجدون صعوبة في تأمين المأكل والمشرب بطرق تحفظ كرامتهم الإنسانية. ولأن سياسة التأمينات الاجتماعية والصحية للأفراد في لبنان مشروطة بالعمل، فإن ذلك يحرم الأشخاص المعوّقين العاطلين عن العمل من التأمينات الاجتماعية والصحية.
بناء عليه، وفي أي لقاء يجمع الأشخاص المعوقين اللبنانيين، بأقرانهم في المنطقة العربية وخارجها، يثار فيه النقاش بشأن التطور الرسمي نحو تبني النموذج الاجتماعي، في التعامل مع قضايا الإعاقة، عوضا عن النموذجين الطبي والرعوي، من الملاحظ أن دول المنطقة قد سبقتنا بأشواط على الصعيد التشريعي على الأقل، فقد صادقت مجالسها التشريعية على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوّقين والبروتوكول المرفق بها. ويجري العمل فيها على تعديل التشريعات والقوانين المحلية لتكفل حقوق الأشخاص المعوّقين بما يتلاءم مع مواد ونصوص تلك الاتفاقية.
فمتى يكون ذلك في لبناننا، الذي تغنينا قبل اثني عشر عاماً بأنه أنتج القانون الأكثر شمولية لحقوق فئة تزيد نسبتها عن عشرة في المئة من اللبنانيين؟
10 تشرين الاول2012