أقفلت السياسة في السنوات العشر الأخيرة المدارس الرسمية العريقة في النبطية الواحدة تلو الأخرى. اليوم جاء دور متوسطة سميح دخيل شاهين ومدرسة فريحة الحاج علي بذريعة تراجع المستوى. فاعليات المدينة تستنكر والمنطقة التربوية توضح
كامل جابر
لم يبق من المدارس الرسمية «العريقة» في النبطية سوى متوسطة سميح دخيل شاهين ومدرسة فريحة الحاج علي. لكن المدرستين تقعان تحت مقصلة الإقفال اليوم، الأولى بمشروع من المنطقة التربوية، والثانية بنيّة من البلدية. أما الحجة فهي واحدة في الحالتين: انخفاض عدد التلامذة، تراجع المستوى التعليمي وعدم تحقيق نتائج في الامتحانات الرسمية. هل هذه هي الحجة فعلاً أم أنّ هناك خلفيات أخرى؟ ومن يسعى إلى إقفال آخر المعاقل التربوية في المحافظة؟
في الواقع، تجتاح موجة قلق فاعليات النبطية، بعدما انتشر أخيراً خبر نيّة المنطقة التربوية إغلاق تكميلية سميح دخيل شاهين الرسمية ودمج تلامذتها مع تلامذة مدرسة حي السلام الرسمية. القلق انسحب على مدير المدرسة وأساتذتها الذين استنفروا اتصالاتهم ومراجعاتهم في أكثر من اتجاه، لا سيما مع المسؤولين التربويين والسياسيين في المنطقة بغية «منع تنفيذ هذه الخطوة غير التربوية».
«خبرية» إقفال المدرسة ليست جديدة، بل إنّ الفكرة بدأت تراود البعض منذ ثلاث سنوات، عندما وافقت المنطقة التربوية في النبطية على دمج هذه المدرسة مع مدرسة أخرى تحت عنوان تراجع عدد تلامذتها، وتحويلها إلى مبنى للمنطقة التربوية. لاقت الفكرة اعتراضاً شديداً يتجدد اليوم وخصوصاً أنَ لا مبرر للدمج ما دام عدد تلامذة المدرسة هو أكثر بكثير من عدد تلامذة المدرسة التي سينتقل إليها التلامذة. هنا يقول أحد التربويين إن «السياسة لعبت دورها، إذ إن مدير التكميلية ليس محسوباً على الجهة السياسية التي ينتمي إليها مدير المدرسة الثانية». ومع ذلك، فإنّ أبناء المدينة وفاعلياتها لا يتوقفون عند العدد في مقاربتهم للقضية بل عند التاريخ التربوي للمدرسة الذي يعود إلى مطلع الأربعينيات حيث تعلم جميع أبناء المدينة والقضاء وتخرج منها معظم أطباء المنطقة ومهندسيها ومثقفيها.
هذا العام، تسجل في متوسطة شاهين الرسمية نحو 85 تلميذاً، منهم 25 تلميذاً يحملون الجنسية السورية. هذا العدد كان يصل في الماضي إلى أكثر من 550 تلميذاً، وتحديداً بعد 1984 أي في السنوات الأولى التي تحولت فيها المدرسة في التدريس من اللغة الفرنسية كلغة ثانية رديفة، إلى اللغة الإنكليزية. يومها، كانت المنطقة تفتقر إلى تعليم الإنكليزية في المدارس، وصارت التكميلية تستقطب إليها تلامذة المدينة والقرى والبلدات المجاورة. بعدها سمحت المنطقة التربوية، لهذه المدرسة وتلك، بفتح صفوف للغة الإنكليزية، حتى كادت كل مدرسة في القضاء تعلم اللغتين في آن معاً، فساهم هذا الأمر في انكفاء عدد التلامذة تدريجياً، فضلاً عن أن تلامذة اللغة الإنكليزية في تجمع عبد اللطيف فياض في النبطية، الذين كانوا يلتحقون تلقائياً بالصفوف الإنكليزية في التكميلية الرسمية، فتحت لهم صفوف في مدرستهم الأم، فمن أن يأتي التلامذة إلى هذه التكميلية؟
يجزم رئيس المنطقة التربوية علي فايق الذي عين أخيراً رئيساً أصيلاً في محافظة النبطية، «أنني لن اسمح بإقفال مدرسة رسمية في النبطية؛ وهناك سعي لمعالجة بعض المشاكل والتراجع في عدد التلامذة من أجل بقاء المدرسة مفتوحة، وإن كان تسجل فيها هذه السنة عدد مقبول من التلامذة نوعاً ما». ويؤكد أننا «نحتاج إلى خطة لتفعيل هذه المدارس من دون أن يعني ذلك إقفالها، لا سيما أن لها رمزية لن نسمح بزوالها».
ويطمئن فايق إلى أن المنطقة التربوية «تسعى إلى تعزيز مستوى هذه المدارس التي تعاني تقصيراً تعليمياً واضحاً، وستكون هناك خطة طوارئ خلال العام الدراسي الحالي، لإطلاق عجلة التطور فيها من جديد». أما الطرح الذي كانت تعلنه المنطقة التربوية كبديل عن إقفالها، فهو تحويل المبنى التابع لوزارة التربية والتعليم العالي إلى مبنى خاص بالمنطقة التربوية، «إلّا أن شروط المبنى لا تلائمنا نظراً لوقوعه على الطريق العام ولا تتوافر له مواقف للسيارات».
على خطٍّ مواز، تبحث بلدية النبطية في الفترة الأخيرة، مشروع إقفال مدرسة فريحة الحاج علي الرسمية، هذا المشروع لاقى معارضة من عدد كبير من أعضاء المجلس البلدي. لكن الرئيس الطبيب أحمد كحيل يوضح أننا «لا نسعى إلى إقفال المدرسة بقدر ما نطمح إلى إعادة تنظيم المدارس الرسمية في النبطية». ويشير إلى أن قراءة سريعة لعدد التلامذة ومستواهم التعليمي ونسبة النجاح في الامتحانات الرسمية تظهر حاجة هذه المدارس إلى الدمج أو الدعم أو إعادة الانتشار.
وينفي كحيل أن تكون هناك «نيّة بإقفال هذه المدارس بل بتحويلها إلى صروح مجدية ومنتجة. فمتطلبات المدينة اليوم ليست هي نفسها منذ 10 سنوات أو 20 سنة». وهنا يتحدث عن حاجة ماسة لفتح رياض أطفال ومزيد من مؤسسات للتعليم الجامعي.
لكن ماذا عن رمزية هذه المدارس وتسمياتها؟ يقول: «نحن لن نزيل عن هذه المدارس أسماءها، ربما نوحدها أو ندمجها مع مدارس أخرى، لكننا سنحافظ على التسمية وستبقى هي هي، ونحن إذا لمسنا جدية من الإدارة وتعهداً من المنطقة التربوية بتطوير وضع هذه المدارس تربوياً وإنتاجياً فلن يكون عندنا أي مانع من بقائها على حالها، لكن هل يعقل نجاح تلميذين من أصل 15 تلميذاً في الشهادة المتوسطة؟».
الإقفال المستمرّ
شهدت المدارس الرسمية في النبطية، حيث تعلّم أبناء المنطقة والجوار، إقفالها الواحدة تلو الأخرى. منها المدرسة العلميّة ثم مدرسة ليلى نصار للبنات، وهاتان المدرستان جرفتا بالكامل، ثم أقفلت مدرسة عبد اللطيف فياض التي يعود مبناها إلى جمعية المقاصد في النبطية، تحت عنوان تصدّع المبنى، الذي تشغله حالياً «كشافة الرسالة الإسلامية». في المقابل، نقل التلامذة إلى مبنى ثانوية حسن كامل الصباح، القديم، في وقت نقل فيه تلامذة الثانوية إلى المبنى الجديد شرقي المدينة. وقد خاضت فاعليات المدينة «معركة» إعادة تسمية ثانوية حسن كامل الصباح على المبنى الجديد بعدما كانت هناك نيات لإطلاق تسمية تجمع مدارس النبطية على المبنى.