أصدرت محكمة صور حكماً جزائياً على طبيب أسنان ارتكب خطأً خلال معالجته لمريضة عانت بسببه جسدياً ومادياً. المريضة طالبت بحقها والمحكمة أنصفتها. لكن ماذا عن الجرائم الطبية الكثيرة التي تتكرر من دون حسيب؟
آمال خليل
أرسلت وزارة الصحة، أخيراً، إنذاراً إلى 10 مختبرات ومستوصفات طبية في صور تطالبها بتسوية أوضاعها القانونية ونيل التراخيص اللازمة للعمل. المؤسسات التي أقفلت أبوابها حالياً حتى تنفيذ مضمون الإنذار، كانت تعمل منذ سنوات طويلة. تقدّم الخدمات والمعاينات والتشخيص الطبي، ويجري المرضى في مختبراتها فحوص الدم والبول وصور الأشعة إلخ... ويشترون منها أدويتهم أيضاً. كل ذلك وهي لا تملك ترخيصاً من الوزارة وتعمل تحت مسمى مؤسسات صحية.
حتى الآن، لم يقدم أيٌّ من «زبائن» هذه المؤسسات شكوى بحقها بسبب «الغش»، أو ساءلوها عن كفاءة الأطباء والممرضين وموظفي المختبر. لا بل إن انكشاف أمرها لم يُحدث شرارة لحملة شعبية للمطالبة بالإنصاف الصحي «تسليماً بقدر البلد الفاسد». بالتزامن مع قرار وزارة الصحة، كانت المواطنة مريم حساوي تنتصر لحقوقها وتفوز بالدعوى التي تقدّمت بها قبل 5 سنوات بحق طبيب أسنان ارتكب خطأً في فكها. ورغم أنها أدركت طول الإجراءات الإدارية للشكوى ضد طبيب ما، بدءاً من نقابة الأطباء وصولاً إلى القضاء، أصرّت على تحمّل كلفة الوقت والمال لتنتزع حقها منه، وخصوصاً أنه تنصّل من مسؤوليته. وفي التفاصيل، أن حساوي قصدت قبل 7 سنوات عيادة الطبيب المتخصص في جراحة الأسنان أ. ح. في صور لقلع ضرس العقل. بعد اطّلاع الطبيب على الفحوص وصور الأشعة التي كانت قد أجرتها بسبب ألم الرأس، قرر إجراء عملية قلع ضرس. خلال العملية، شعرت حساوي بشيء ينكسر في فكها، فأخبرت الطبيب مباشرة الذي طمأنها إلى أن ما تعرضت له هو «شعر» وأنه سيعالج الأمر. وبحسب وقائع القضية، فـ«الطبيب أطبق فك المدعية وأقفله بواسطة أسلاك معدنية، وأعلمها بأن فكها سيبقى على هذه الحالة لـ21 يوماً». وعندما اقترحت المريضة على الطبيب إجراء صورة شعاعية لتشخيص حالتها فضّل عدم إجرائها.
بعد ذلك، شعرت حساوي بألم كبير، فنصحها الطبيب بتناول المسكنات. بعد 3 أيام تراخت الأسلاك المعدنية التي تربط أسنانها، فقصدت العيادة حيث عاود الطبيب إحكام إقفال أسنانها، من دون أن يجري لها صورة تظهر ما تعرّضت له، واعداً بإجرائها بعد أسبوعين. تراخي الأسلاك تكرّر لاحقاً حتى انحرف فكّها الأسفل كلياً.
استمرار الألم دفع حساوي إلى إجراء الصورة في المستشفى حيث علمت من تشخيصها بوجود كسر في الفك. صدّق الطبيب على نتيجة الصورة وقرّر إجراء عملية جراحية على يد طبيب آخر. وكان لافتاً أن يطلب منها طبيبها الادّعاء أنها أصيبت بالكسر لدى وقوعها على الدرج! ضاعفت العملية الألم، إذ أحسّت باختناق تبيّن أن سببه إقفال فمها والضمادات التي تلف رقبتها فراجعت أطباء آخرين لاستكمال العلاج.
بعد تحسّن حالتها، طالبت المريضة طبيبها بتحمل نفقات علاجها وجلسات العلاج الفيزيائي التي احتاجت إليها، من دون نتيجة. هكذا، لجأت إلى نقابة أطباء الأسنان وتقدّمت بشكوى ضده مرفقة بتقارير وصور شعاعية. النقابة بدورها عرضت القضية على رئيس جمعية جرّاحي الوجه والفكين وخبير متخصص قاما بمعاينة المدعية وتبين لهما حدوث كسر في الفك نتيجة لعملية قلع ضرس العقل، وأن ربط أسنانها خلال مدة 18 يوماً حصل بواسطة رباط بسيط وغير كافٍ. وخلصت المعاينة إلى أنه كان من الممكن تجنّب حصول الكسر في الفك لدى قلع الضرس من طريق تقني متخصص يملك الخبرة الكافية.
رفض الطبيب تحمّل نفقات علاج المريضة دفعها إلى تقديم شكوى أمام النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب. رئيس محكمة صور القاضي بلال بدر وجد أن الطبيب ارتكب إهمالاً ومخالفة للقانون؛ إذ لم يعلمها بخطورة العملية ومضاعفاتها، بحسب ما تنص عليه المادة 2 من قانون حقوق المرضى. كذلك لم يجر الطبيب صورة شعاعية للفك للتأكد من صحة تشخيصه، وهذا ما يخالف الأصول الطبية الفنية.
وخلصت جلسات المحاكمة إلى صدور قرار بإدانة الطبيب بالجنحة 565 من قانون العقوبات التي تنص على معاقبة من يرتكب خطأً بحق شخص عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة ويسبب له الإيذاء، من شهرين إلى سنة. لكنه خفض العقوبة استناداً إلى المادة 254، واستبدل الحبس بالغرامة. كذلك ألزمه التكافل مع شركة التأمين بدفع تعويض عن المصاريف التي تكبدتها المدعية في ما يتعلق بعلاجها أو بالدعوى، والعملية الجراحية التي تنوي إجراءها والضرر المعنوي الذي أصابها.
15 تشرين الأول 2012