"التنسيق النقابية": شلّ المؤسسات ومواجهة الحكومة في الشارع

تحت حجّة الحفاظ على الاستقرار النقدي وعدم المجازفة بأي قرارات مرتجلة أو متسرّعة تضرب الاقتصاد، لم تحل الحكومة سلسلة الرتب والرواتب إلى المجلس النيابي بعد عام ونيف من المناقشات والوعود التي بيّنت بعد كل هذا الوقت، الحاجة إلى المزيد من الاتصالات اللازمة مع المؤسسات المالية والعالمية قبل المجازفة بهذا الموضوع.
موقف الحكومة كان متوقعاً من قِبَل "هيئة التنسيق النقابية" التي لم يعد لها خيار سوى التصعيد الذي بدأته أمس بإضراب شامل شلّ المؤسسات والادارة العامة وسيكون مقدمة لتحركات أكبر بالتصعيد في اضرابات واعتصامات وتظاهرات سيُعلن عنها الثلاثاء المقبل بعد اجتماع للهيئة، تُعرض خلاله نتائج الجمعيات العامة للروابط المنضوية في اطارها والتي ستوصي بالاجماع بالضغط بكل الوسائل المشروعة لاحالة السلسلة إلى مجلس النواب.
الدخول في نفق التصعيد واستخدام الشارع وسيلة للضغط بدا واضحاً خصوصاً بعد موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لفت الى أن الموضوع لا يحل بالسلبية أو التصعيد بل بالمناقشة الهادئة. ولا يمكن المجازفة بأي قرارات مرتجلة تضرب الاقتصاد، لذلك سيتم اجراء الاتصالات اللازمة مع المؤسسات الدولية لعدم تعريض الاستقرار النقدي لأي اهتزاز.
هذا الموقف جاء مغايراً للوعود التي أغدقها ميقاتي على الهيئة خلال الاجتماع الاسبوع الماضي، بحسب ما أكده نقيب المعلمين نعمة محفوض لـ"المستقبل" والذي أشار الى أن ما يحصل هو طعن للوعود، وأنّ الذي يهدد الاقتصاد ليس السلسلة بل السرقات والمحاصصة الحاصل في المرفأ والدوائر الاقتصادية والأملاك البحرية والأداء الاقتصادي السيئ.
وشدد على انه من غير المقبول بعد 14 شهراً من المناقشات طلب المزيد من الوقت، مؤكداً ان التصعيد هي الحل لمواجهة "حفلة الكذب والدجل التي تمارسها الحكومة غير المسؤولة على الشعب، كفانا لعباً على الوقت، وليقل ميقاتي علناً انه فعلاً مع السلسلة، واذا كان ضدها فليبرر اعتراضه بالبراهين.
إضراب الموظفين
الاشمئزاز من موقف الحكومة عبّر عنه الموظفون بالمشاركة في الاضراب العام بحسب ما أوضحه رئيس رابطة موظفي الادارة العامة محمود حيدر لـ"المستقبل". ولفت الى أن ما يحصل من تأجيل البت بالسلسلة إلى تاريخ غير محدد، دفع بالموظفين إلى الضغط على الهيئة لمزيد من التصعيد، مشدداً على انه لو كانت هناك نيّة في بتها لكانت تمت الدعوة إلى عقد جلسات استثنائية.
الالتزام بالتصعيد أكده رئيس رابطة الاساتذة المتقاعدين عصام عزام الذي اعتبر ان اسلوب الحكومة في المماطلة مرده الى ضغط الهيئات الاقتصادية التي ترفض السلسلة كون الضرائب ستطالهم هذه المرة، وهذا ما يخيفهم، ورأى ان للمتقاعدين حقوقاً يجب ان تلحظها السلسلة انصافاً لفئة قدمت الكثير للوطن.
خطوات تصعيدية
مفاعيل وخلفيات قرار مجلس الوزراء تأجيل إحالة السلسلة إلى موعد لاحق ناقشته الهيئة خلال اجتماع قوّمت خلاله مسار الاضراب العام في الادارات العامة والوزارات والبلديات والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمدارس والمعاهد المهنية والتقنية الرسمية.
وخلصت الى ان تأجيل مجلس الوزراء لإحالة السلسلة هو طعن لمصداقية الحكومة وللوعود القاطعة التي أطلقها رئيس الحكومة وأعلنها وزير العمل بعد الاجتماع الأخير الذي عقداه مع الهيئة نهاية الاسبوع المنصرم.
واعتبرت ان نجاح الاضراب ليس سوى مقدمة للخطوات التصعيدية اللاحقة التي ستنفذ في مواجهة المماطلة والتراجع عن الاتفاقات والتعهدات، ودعت هيئاتها إلى مناقشة التوصية بتنفيذ أشكال التصعيد المتاحة والمشروعة من اضرابات واعتصامات وتظاهرات بدءاً من إضراب ليومين، وصولاً إلى الإضراب المفتوح وشل كامل للقطاع العام والإدارات العامة والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة والمدارس والمعاهد المهنية التقنية وذلك حتى إحالة سلسلة الرتب والرواتب بصفة المعجّل إلى المجلس النيابي من دون تقسيط ومن دون مساس بالمحسومات التقاعدية والمعاش التقاعدي، وإنصاف المتقاعدين والمتعاقدين والأجراء ودون ضرائب على أصحاب الدخل المحدود.
وأعلنت الرفض القاطع لمحاولة وزارة المالية تغطية السلسلة (500 مليار ل.ل.) من زيادة المحسومات التقاعدية وضريبة الدخل على المعاشات التقاعدية وتعويضات الصرف من الخدمة وتخفيض المعاشات التقاعدية بما يعني تمويل السلسلة من اموال المستفيدين منها على قاعدة "من دهنو سقيلو"، مؤكدة أن تمويل السلسلة يجب أن يأتي من مكافحة الفساد والتهريب والهدر ومن ريوع الأملاك البحرية والنهرية، والريوع العقارية والمصرفية.
وأعربت عن أسفها لتصريح وزير المالية المفاجئ بأن الحكومة تتحمل إضراب يوم أو يومين لكنها لا تتحمل انهيار البلد اقتصادياً، محملة الحكومة مجتمعة النتائج المترتبة عن الخطوات التصعيدية.
واعلنت أنها ستعقد اجتماعا عند الرابعة من بعد ظهر الثلاثاء المقبل في مقر نقابة المعلمين- بدارو لتلقي ردود الهيئات، وإعلان الموقف النهائي للخطوات التصعيدية المقترحة.
إضراب عام
لقيت دعوة الهيئة الى الإضراب تجاوباً في المؤسسات والإدارات العامة فيما شهدت المدارس الخاصة بعض الخروق، ففي بيروت اقفلت الدوائر والمدارس الرسمية، وفي صيدا "المستقبل"، شل الاضراب القطاع التربوي في المدينة وتوقف العمل في عدد من الدوائر والمؤسسات والمصالح الرسمية في مركز محافظة لبنان الجنوبي في سرايا صيدا الحكومي والتزم الموظفون المضربون مكاتبهم. ونفذ موظفو القطاع العام في محافظة النبطية اضراباً شل الادارات العامة، كما نفذ القطاع التعليمي الرسمي اضراباً في المدارس والثانويات الرسمية في مدينة النبطية.
وفي حاصبيا - "المستقبل"، التزمت المدارس والثانويات الرسمية في قضاءي حاصبيا ومرجعيون بشكل كامل بالإضراب، فيما سجل اقفال جزئي للمدارس والثانويات الخاصة.
وفي راشيا "المستقبل"، التزمت جميع مدارس وثانويات ومعاهد التعليم الرسمي في قضاءي راشيا والدوائر الحكومية بالاضراب، وفي بعلبك "المستقبل"، التزم القطاع العام في البقاع الشمالي بدعوة الهيئة، فأقفلت دائرة النفوس في السراي الحكومية في بعلبك أبوابها امام المواطنين، كما اقفلت المدارس الرسمية ابوابها امام الطلاب.
وفي طرابلس، أقفلت المدارس الرسمية والمهنية، في حين سجل تفاوت في بعض المدارس الخاصة والمؤسسات العامة.
وفي بعبدا وعاليه، لبت المدارس الرسمية والمؤسسات العامة دعوة الهيئة للاضراب، فيما لم تلتزم معظم المدارس الخاصة بالدعوة.
وفي الشوف "المستقبل"، استجابت المدارس الرسمية للاضراب، كما شارك موظفو الإدارة العامة فيه فتوقفوا عن العمل واستقبال طلبات المواطنين.