يراوح التلميذ الذي يدرس مادة التربية المدنية بمعدل ساعة كل أسبوع مكانه، لأنه يتلقى مادة نظرية في الإجمال. والواضح أنه بعد إصغائه في هذه الساعة إلى كلام في الأخلاق والقيم يرى نفسه منخرطاً في بيئة طائفية ومذهبية ومسيسة تحكمها الواسطة.
هذه هي الصورة السوداوية التي خلص إليها المشاركون في ندوة دعا إليها تيار المجتمع المدني "عن التربية المدنية في المدارس... أي مواطن ننشىء؟ ولأي وطن" في مقره في بدارو.
المصلحة الخاصة اولاً
هذه الندوة وفقاً لما ذكرته رئيسة لجنة التربية في التيار بشرى صعب تطرح جملة تساؤلات تهدف إلى وضع مادة التربية المدنية على السكة الصحيحة إذا سمحت الظروف طبعاً.
أما المتحدثون في الندوة فتفاوتت طريقتهم في تشخيص الواقع المرير للتلميذ في لبنان،الوطن البعيد كل البعد عن مفهوم التربية المدنية.
فالدكتور أنطوان مسرة، رأى أن " أكثر ما ينقصنا في لبنان على صعيد التربية المدنية هو التربية على الشأن العام". فالمعلم وفقاً له يقوم بشرح دروس في شكل ممتاز في الصف وينجز التلامذة فروضهم وينالون علامات جيدة وينجحون في الإمتحان. ويكمل شرحه، أنه "عند إنتهاء الدوام اليومي يغادر التلامذة الصف مخلفين الفوضى،الكراسي والطاولات موزعة كيفما تيسر، وقد تشوهت بفعل حفر الحروف والكلمات والرسوم عليها، والجدران ملطخة والأوراق مرمية على الأرض. ما من وجود لمفهوم الشأن العام وممارسته".
وخلص إلى أن ذلك "لا يعني أننا نفتقر جينياً، اي في تكويننا، لمفهوم الشأن العام، لكننا لم نهتم في هذا المفهوم تربوياً".
أما الدكتورة خيرية قدوح فتحدثت بأسلوب شمولي أكثر من مسرة مشيرة إلى أن" ما أتفق على تسميته "تسييس الجامعة" وانسحب على ما هو سائد من أنماط سلوكية قائمة على شتى المستويات، والتي غالباً ما تصل إلى حد النزاعات بكل أشكالها وألوانها...".
واضافت: "لا أجد أفضل مما قاله الدكتور منير بشور منذ العام 1993 عن إشكالية التشريع التربوي –المدرسي في لبنان، حيث يؤكد "إن تاريخ التعليم بكامله في لبنان، خصوصاً بعد الإستقلال، يمكن تلخيصه بمحاولات التشريع لمصلحة هذا الشأن، تقابلها محاولات المدارس، خصوصاً الطائفية منها، الى التملص من هذا التشريع. والمؤلم أن محاولات التشريع من جانب الدولة لم تغلب المصلحة العامة ولا الشأن العام على الشأن الطائفي، لأن المشرعين كانوا في أحيان كثيرة هم أنفسهم من اتباع المدرسة الطائفية".
وختاماً، عرضت الدكتورة وفاء شعبان لإشكالية تكوّن مفاهيم المواطنية في لبنان والتي بحثت في إشكالية المواطن، بمناقشة صعوبات تكوين المفاهيم المواطنة، ومن خلال المقارنة بين طبيعة هذه المفاهيم وشروط نشوئها من جهة وبين الواقع الطائفي اللبناني من جهة أخرى ولائحة المفاهيم هي، الهوية، المكان، الإنسان، الفردية، العقلنة، الحرية، الحق، المجتمع المدني وغيرها.
من جهة اخرى، إنقسم المشاركون بين مؤيد للمناهج التربوية الحالية ومناهض لها. فالدكتور مسرة أثنى على مضمون البرنامج ودور البروفسور منير أبو عسلي في إطلاقها وفريق إعداد الكتب والذي شارك فيه شخصياً. أما قدوح فرأت أن تطبيق المناهج مر في مراحل فاشلة، لاسيما من خلال إعتماد دورات تدريب للمعلمين لا تتعدى الثلاثة أيام مثلاً. ولفتت إلى أن التدخلات العشوائية لا تسمح بحسن سير المركز التربوي للبحوث والانماء، فضلاً أن القرارات التشريعية تخضع لوصاية ما، ما يعوق تطبيق المناهج. أما شعبان فرأت أن مادة التربية المدنية تعطى وفقاً لبرنامج كلاسيكي بعيدة من أي تمارين تطبيقية، وهذا ما يجعل للمادة ثقلها في حياة كل من المعلم والتلميذ.