لا يزال المضمونون رهائن لدى المستشفيات. هذا ما تثبته الوقائع على مدى السنوات الماضية. ففي كل مرّة لا تحصل فيها المستشفيات على مطلبها بزيادة التعرفات الاستشفائية عن الأعمال التي تقوم بها لمصلحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تنفّذ تهديداتها بالامتناع عن استقبال مرضى الضمان. لكن الأسوأ، أن ردّة فعل صندوق الضمان تجاه المستشفيات تكون شبه عادية إذ لم يُفسخ أي عقد مع المستشفيات الممتنعة رغم أن هذا الأمر يمثّل مخالفة جسيمة منصوصاً عنها في العقود الموقعة بين الضمان والمستشفيات الخاصة.
هذا الوضع سيختبره المضمون من جديد خلال الأيام المقبلة. فأصحاب المستشفيات الخاصة هدّدوا، خلال الأسبوع الماضي، بالامتناع عن استقبال المرضى لأن زيادة التعرفات لم تصبح نافذة في الضمان بعد. ونقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون لم يأل جهداً في التعبير عن هذا الأمر بالإشارة إلى أن البند الوحيد على جدول أعمال الجمعية العمومية لنقابة اصحاب المستشفيات الخاصة «هو تعليق مجلس الوزراء تنفيذ قرار رفع سقف الكسب الخاضع للاشتراكات في فرع المرض والأمومة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فالاتجاه هو إعلان توقف المستشفيات عن استقبال مرضى الضمان الاجتماعي».
المفارقة أن هارون يتّهم مجلس الوزراء بعرقلة المشروع لكنه يذهب في اتجاه معاقبة المضمونين. فالمشروع المطروح على طاولة مجلس الوزراء، والذي أقرّه مجلس إدارة صندوق الضمان، هو عبارة عن مشروع مرسوم يهدف إلى زيادة سقف الراتب الخاضع للاشتراكات من 1.5 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة، من أجل زيادة إيرادات الضمان بما يوفّر التمويل اللازم لكلفة التعرفات الاستشفائية. ويأتي البحث عن تمويل هذه الكلفة، استناداً إلى وضع الصندوق المعروف بوقوعه في عجز مالي كبير ومتراكم في فرعي ضمان المرض والأمومة (الضمان الصحي) وفرع التعويضات العائلية بقيمة 850 مليار ليرة.
المهم أنّ مجلس الضمان أقرّ زيادة التعرفات الاستشفائية بالتوازي مع زيادة سقف الراتب الخاضع للاشتراكات، وأحال الأمر إلى سلطة الوصاية لرفعه إلى مجلس الوزراء لإقراره. غير أن سلطة الوصاية طلبت من الضمان إعادة النظر بقرارها لجهة خفض السقف من 2.5 مليون ليرة إلى مليوني ليرة، لكن الضمان أكد قراره الأول، ما دفع سلطة الوصاية إلى إحالة المشروع إلى مجلس الوزراء، لكن وزير الوصاية سليم جريصاتي طلب من الأمانة العامة لمجلس الوزراء، بحسب هارون، إرجاء البحث في هذا المشروع «لأن الهيئات الاقتصادية غير موافقة على رفع السقف إلى مليونين ونصف مليون ليرة، بل إلى مليونين فقط. وبذلك نكون عُدنا إلى نقطة الصفر». ويضيف هارون أنه أرسل «قبل أسابيع، كتاباً إلى رئيس الحكومة بهذا الشأن، لكن لم يبحث الموضوع».
في المقابل، تقول مصادر مطلعة إن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يرفض أن يحمّل أصحاب العمل أي عبء جديد، وأنه لن يعرض هذا المشروع على مجلس الوزراء لا عاجلاً ولا آجلاً، وهو ما يدفع المستشفيات إلى تنفيذ تهديداتها بحق المضمونين.
إزاء هذا الواقع، يشير مسؤول في الضمان، إلى أن امتناع المستشفيات عن استقبال المضمونين يجب أن يحفّز المضمونين باتجاه «إحراق الدواليب أمام المستشفيات للمطالبة بحقوقهم التي لا يستطيع صندوق الضمان أن يحققها لهم، ولا سيما أن صندوق الضمان يحتاج إلى تغطية سياسية من سلطة الوصاية لفسخ العقود مع المستشفيات المخالفة، لكن هذه السلطة هي التي طلبت من الضمان في السابق وقف تنفيذ فسخ العقود».
الكلفة بالأرقام
135 مليار ليرة هي الكلفة الإجمالية لزيادة التعرفات الاستشفائية. تتوزّع هذه الكلفة على عنصرين أساسيين؛ زيادة للتعرفات مقرّة في عام 2009 بقيمة 78 مليار ليرة، وزيادة إضافية مقرّة في هذه السنة بقيمة 56.487 مليار ليرة. وهي تضاف إلى الزيادة المقرّة سابقاً في عام 2009 والبالغة 78 مليار ليرة. ويراوح معدّل الزيادة على التعرفات الاستشفائية بين 8% و140% بحسب العمل الطبي المتفق عليه بين الطرفين. الكلفة الأبرز بين هذه التعرفات تعود إلى زيادة بنسبة 137% للإقامة في الغرفة، وبنسبة 60% على غرفة العمليات، 33% زيادة على غرفة الإنعاش، 35% زيادة على الحاضنات، 65% زيادة على أتعاب الأطباء، وزيادة 140% على غرفة العزل.
20 تشرين الثاني2012