تدرس إدارة صندوق الضمان مشروعاً لتوسيع تغطية الضمان الصحي، بحيث تشمل الذين بلغوا الـ 64 عاماً مدى الحياة، والمصروفين من العمل لفترة محدّدة. حتى الآن هناك 3 مشاريع في هذا الإطار أبرزها «التغطية الصحية الشاملة»
محمد وهبة
قالت مصادر مطلعة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إن هناك تحضيرات جديّة وعملية لإنشاء صندوق مستقلّ يضمّ فئات جديدة تستفيد من الضمان الصحي. هو مشروع بديل من الضمان الاختياري، ودوره الأساسي متصّل بالسماح للأجراء الذين تقاعدوا بعد بلوغهم سن الـ 64 (أي أنه تقاعد)، بالانضمام إلى الضمان الصحي، بطريقة إلزامية، ولمن صُرفوا من العمل أو تركوا العمل الحفاظ على استفادتهم لفترة محدّدة قد تكون سنة أو أكثر. وبحسب المطلعين على الملف، فإن الهدف من إنشاء مثل هذا الصندوق هو إلغاء مفهوم سابق تكرّس عندما أقرّ صندوق الضمان الاختياري. ففي ذلك الوقت، أقرّ نظام جديد يتيح انتساب أربع فئات جديدة «اختيارياً» إلى الضمان الصحي، بينهم الذين تجاوزوا سن الـ 64.
لكن ترك هذا الخيار مفتوحاً لمن يريد الانضمام أو لمن يريد الانسحاب أدّى إلى عدم استقرار الصندوق، الذي كان يعاني أيضاً من خلل أساسي هو علّة العلل فيه التي تمنع استدامة مصادر تمويله، إذ كانت وارداته أقل بكثير من إنفاقه. كذلك يجب الإشارة إلى أن ترك الخيار مفتوحاً للانضمام إلى الضمان ليس خياراً اجتماعياً، ولا يندرج في إطار العدالة الاجتماعية، بل يجب أن يكون إلزامياً وأن تتحمّل الدولة، بالحدّ الأدنى، كلفة الفئات الفقيرة التي لا يمكنها تحمّل قيمة اشتراكات الانضمام إلى مثل هذا النظام.
يأتي هذا المشروع ليسلّط الضوء على أهمية مشاريع التغطية الصحية التي اقترحت خلال السنوات الماضية، ففي البدء كان هناك مشروع «التقاعد والحماية الاجتماعية» الذي يمنح الأجراء حق الاستفادة من الضمان الصحي بعد تقاعدهم أو بلوغهم السن القانونية. وبعده، طرح الوزير شربل نحاس مشروعه الذي نادى بضرورة تحويل صندوق الضمان الاجتماعي إلى مؤسسة يمكنها تطبيق التغطية الصحية الشاملة المموّلة من الخزينة العامة. أما اليوم، فيأتي مشروع جديد في عهد الوزير سليم جريصاتي، وبدعم من المدير العام للصندوق محمد كركي، لتوسيع مرحلة التغطية الصحية وتعديلها لتضمّ الأجراء الذين تجاوزوا الـ 64 سنة، والمصروفين من العمل، على أن يكون الأمر إلزامياً، أو شبه إلزامي. ولا يزال البحث في هذا الإطار يتمحور حول كلفة هذا التعديل، فهل ستكون كلفة المضمونين الذين تجاوزوا سن الـ 64 عاماً موازية، أو تزيد على كلفة المنضوين إلى نظام الضمان الحالي؟ الإجابة تأتي سريعاً على هذا الأمر، فالمعروف أن كلفة المضمون الواحد في النظام الجديد (المنوي إنشاؤه) ستساوي بالحد الأدنى 4 أضعاف كلفة المضمون الواحد في النظام الحالي للضمان الاجتماعي. وبالإضافة إلى هذا العنصر، لا تزال هناك خيارات قانونية عديدة لإقرار مثل هذا النظام، فهل يتم تطبيقه كجزء أو مرحلة من مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية، أم يصدر بمرسوم مستقل؟
على أي حال، يأتي مشروع جريصاتي ـــ كركي مستنداً إلى العديد من المؤشرات التي باتت متوافرة لصندوق الضمان الاجتماعي. هذه المؤشرات التي كشف عنها الضمان، أمس، تشير إلى ارتفاع وتيرة ترك العمل بسبب التقاعد وبسبب الصرف وإنهاء العقود بين الأجراء والمؤسسات. فقد تبيّن أن عدد طلبات تعويضات نهاية الخدمة المدفوعة للمضمونين خلال عام 2011 تبلغ 16974 طلباً، بقيمة إجمالية تبلغ 258 مليار ليرة، أي نحو 15 مليون ليرة كمتوسط للتعويض المقبوض.
وتشير إحصاءات الضمان إلى أن هذه الطلبات توزّعت على النحو الآتي:
ــ 20% أو 3303 طلبات بداعي بلوغ السن القانونية، وقيمتها الإجمالية نحو 100 مليار ليرة، أي بمعدل 30 مليون ليرة للطلب الواحد، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي لتوفير حياة كريمة للمتقاعد وعائلته بعد ترك العمل، ما يستوجب الإسراع في الانتقال من نظام تعويض نهاية الخدمة المعمول به حالياً في الصندوق إلى نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، الذي بالإضافة إلى توفير معاش تقاعدي مدى الحياة للمضمون سيوفر ضماناً صحياً مدى الحياة له ولعائلته.
ــ 63% أو 10688 طلباً بداعي ترك العمل موزّعين بنسبة 34% للإناث (3606 طلبات) و66% للذكور (7082 طلباً)، ويمثّلون ما نسبته 63% من إجمالي طلبات نهاية الخدمة المدفوعة، فيما تبلغ قيمتها 83 مليار ليرة، أي بمعدل وسطي 8 ملايين ليرة للطلب الواحد. وهذا يعني أن نحو 63% من الذين قبضوا تعويضاتهم تركوا العمل واضطروا إلى تصفية هذه التعويضات قبل استحقاقها، وذلك بسبب ترك العمل أو الصرف من الخدمة، أو الهجرة أو بسبب الحاجة الاجتماعية لهذا التعويض، رغم قيمته الزهيدة لأن هذه الشريحة تخسر بين 15% و50% من القيمة الأساسية للتعويض بسبب الترك المبكر للعمل. وبحسب الضمان الاجتماعي، فإن هذا المؤشّر يكشف عن ارتفاع معدلات البطالة ولجوء بعض المؤسسات إلى إستبدال العمالة اللبنانية باليد العاملة الأجنبية التي لا تخضع لفرع نهاية الخدمة «فهذه النتائج تمثّل ظاهرة اجتماعية مقلقة، وهذا يدلّ على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في لبنان، والتي لا تزال مستمرّة منذ أكثر من 8 سنوات، حيث تقارب نسبة التعويضات المصفاة بداعي ترك العمل 64% من إجمالي التعويضات المصفاة وذلك منذ عام 2004».
لكن إحصاءات الضمان وضعت يدها على أكثر من جرح. فبالإضافة إلى هذا النزف في العمالة اللبنانية والفقر اللاحق بها جراء ضعف قدرتها في الحصول على الطبابة والاستشفاء، وتآكل قيمة تعويضاتها التقاعدية، تبيّن أن «حصّة الإناث من التعويضات المدفوعة بداعي بلوغ السن القانونية بلغت 557 تعويضاً، فيما بلغت حصّة الرجال 2746 تعويضاً، ما يدلّ على قلّة عدد النساء اللواتي استمررن في العمل لغاية سن الـ 60 وما فوق، إذ يمثّل عددهن نحو 17% فقط من عدد المضمونين العاملين لغاية السن القانونية، علماً بأن عدد النساء العاملات حالياً يمثّل ما نسبته 32% من مجموع المضمونين اللبنانيين».
14 تشرين الثاني2012