ولي أمر يقاضي مدرسة ولديه

يرتفع صراخ الأهالي من زيادة أقساط المدارس الخاصة. لكن الصراخ يتبدد سريعاً، إذ يرضخ هؤلاء لاستغلال إدارات هذه المدارس. هنا مواطن ذهب بعيداً إلى حد مقاضاة مدرسة ولديه وربح الدعوى
آمال خليل

مع انتهاء العام الدراسي الماضي، قرر حسين قاسم نقل ولديه من مدرستهما إلى مدرسة أخرى بسبب عدم قدرته على الاستمرار في دفع الأقساط المرتفعة. طلب الرجل من إدارة المدرسة تزويده بإفادتين رسميتين تفيدان بأنّ ولديه تلقيا دراستهما فيها وأنهيا سنتهما بنجاح، ما يخوّله تسجيلهما في مدرسة أخرى. لكن الإدارة رفضت الطلب بسبب عدم تسديد قاسم للمبلغ المتبقي من القسط وقيمته مليون ونصف مليون ليرة لبنانية.
لم يرضخ ولي الأمر للشرط والابتزاز، بل بادر إلى رفع شكوى قضائية ضد المدرسة أمام قاضي الأمور المستعجلة في محكمة جويا القاضي بلال بدر، يلزمها بإعطاء الإفادتين لأنهما ليستا ديناً لكي تحجزه.

وفي 12 تشرين الأول الماضي، أصدر بدر قراراً ألزم فيه المدرسة بتسليم قاسم الإفادات المدرسية التي يطلبها، تحت طائلة فرض غرامة إكراهية مقدرها 500 ألف ليرة لبنانية عن كل يوم تأخير، وذلك استناداً إلى المادتين 579 و587 من قانون أصول المحاكمات المدنية.
بعد ستة أيام، اعترضت إدارة المدرسة أمام المحكمة طاعنة بقرارها. ولفتت إلى أن قاسم «لم يسدد المبلغ المستحق عليه عن دراسة ولديه لديها عن العام 2012، لكي يتمكن من الحصول على إفادة مدرسية متعلقة بانتقالهما إلى مدرسة جديدة. وأشارت إلى أن قرار المحكمة ألحق الضرر بها وشكل تعدياً على حقها المشروع بالحصول على المبلغ المتوجب في ذمته مقابل تأدية واجبها في تعليم ولديه يفتح له للتهرب من موجباته بدفع المبلغ. لذا، طلبت الإدارة من القاضي الرجوع عن القرار وحفظ حقها في الحصول على حقوقها المالية إزاء تسليم المعترض عليه الإفادات المدرسية.
بدوره، طلب قاسم، بعد خمسة أيام من تقديم المدرسة لاعتراضها على القرار، وعبر وكيله القانوني، برده لعدم وجود تلازم بين إعطاء الإفادات المدرسية ومديونيته للمدرسة «المتعسفة في استعمال حقها في التقدم بالاعتراض». ولا يمكن حجز الإفادات المدرسية كونها ليست ديناً وفق مفهوم المادة 271 من قانون الموجبات والعقود.
وفي 19 تشرين الثاني الماضي، تقدمت إدارة المدرسة بلائحة جوابية، كررت بموجبها أقوالها، وهي أنّه لا يمكنها إعطاء ولي الأمر حقه من دون أن تعطى حقها في البدء.
في النتيجة، قرر بدر رد اعتراض المدرسة وإلزامها مجدداً بإعطاء الإفادتين. وعلّل قراره المبرم بأن التلامذة عندما ينتقلون من مدرسة إلى أخرى يبرزون لإدارة الأخيرة إفادة تدل على مستواهم العلمي والصفوف التي اجتازوها لكي تتمكن من إلحاقهم بالصف المناسب. من هنا، فإن عدم إعطاء الإفادتين قد يعذّر قبول ولدي قاسم في مدرسة جديدة، ما قد يؤدي إلى حرمانهما من التعليم الذي هو أحد الحقوق الأساسية الملازمة للفرد، ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المكرس في مقدمة الدستور اللبناني وفي اتفاقية حقوق الطفل في الأمم المتحدة.
قانونياً، رأى أنّه ليس هناك تلازم بين موجب ولي الأمر بدفع قسطي ولديه وبين موجب الإدارة بتزويده بإفادتين مدرسيتين، لأن موجب إعطاء الإفادة يقابله موجب الولدين بالحضور إلى المدرسة وتلقي التعليم. وطالما أن الولدين حضرا إلى المدرسة وأتما دراستهما، فذلك يعني أنهما قاما بالموجب الملقى على عاتقهما لهذه الناحية. وخصوصاً أنّ الإفادة تعطى عند إتمام العام الدراسي وليس إتمام دفع القسط.
اللافت أن قرار المحكمة لا يهدر حق المدرسة بتحصيل حقوقها المادية، بل يحيلها إلى أساليب قانونية أخرى مثل مداعاة ولي الأمر أو التنفيذ على أملاكه. لكنه يرفض استغلال الإفادتين وحجزهما وحرمان طلاب من التعليم الذي يناقض الهدف الذي يفترض أن أصحاب المدرسة أنشأوها لأجله.
ما فعلته إدارة هذه المدرسة، تقوم به الكثير من مثيلاتها في لبنان، حيث تحوّل قطاع التعليم الخاص إلى تجارة رابحة. وغدا عدد كبير من المدارس والجامعات الخاصة مشاريع استثمارية، طلابها هم الزبائن الذين يخضعون لمعايير العرض والطلب وأحياناً الاحتكار والاستغلال تحت غطاء العلم. لكن خطوة قاسم هي النادرة وقد تكون سابقة يبنى عليها. فهل يحذو أولياء الأمور المستغَلّون، حذوه، وخصوصاً أنّ القضاء أنصف ولديه وحمى حقهما في التعليم؟