معركتا الجنسية و"المدني": حقوق الأفراد، المواطنة والمساواة في مواجهة الدولة الطائفية

احتلت قضيتا حق النساء اللبنانيات بمنح جنسيتهن لازواجهن وأولادهن والزواج المدني مؤخراً الحيز الأكبر من النقاش الإجتماعي في الرأي العام، اعلاماً وصنّاع قرار.
بدايةً، فيما يتعلق بقضية الجنسية، سجّلت موجة من الإستنكارات والإحتجاجات على التوصية "الفضيحة" للّجنة الوزارية المكلفة دراسة تعديل قانون الجنسية، التي فندتها حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" في مؤتمرها الصحفي، تلك التوصية التي اعتبرت انه "لا حق للمرأة اللبنانية بمنح جنسيتها لا لأولادها ولا لزوجها، فمن شأن ذلك الإضرار بالتوازن الطائفي الديموغرافي في البلاد، وبالمصلحة العليا للوطن".
فقد قامت حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي" بمشاركة عدد من الجمعيات المدنية والنسائية ونساء معنيات مع أسرهن، بتنفيذ اعتصاما استنكارياً على طريق القصر الجمهوري تزامنا مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 17 كانون الثاني 2013، كما عقدت مؤتمراً صحافياً في 22 من الشهر نفسه نددت خلاله بمطالعة اللجنة الوزارية المختصة وأعلنت عن خطواتها اللاحقة مواكبةً لإستحقاق الإنتخابات النيابية ومن أجل الضغط لمسائلة السياسيين والعمل على انتزاع الحق بالجنسية، علماً أنه كان بارزاً من خلال المناقشات التي جرت خلال جلسة الحكومة والتي تناقلتها وسائل الإعلام، موقف الوزير جبران باسيل وبعض وزراء تكتل التغيير والإصلاح الذين اعترضوا بشدّة على منح المرأة اللبنانية الحق بمنح جنسيتها لأسرتها والداعم لتوصية اللجنة.
وبالإنتقال الى قضية الزواج المدني، فقد أعادت مبادرة نضال درويش وخلود سكرية، العروسان اللذان افتتحا عقد الزواج المدني داخل لبنان، طرح هذا الموضوع الحيوي بالنسبة للحريات الفردية في الأوساط السياسية والإعلامية المختلفة. فقد قام العروسان غير المنتميين إلى طائفة تتيح لهما الزواج في محكمة شرعية بعقد زواجهما مدنياً استناداَ إلى القرار الرقم 60 ل. ر. عام 1936 (وهو ترقيم للقرارات التي كان يتخذها المفوض السامي الفرنسي)، وذلك بعدما طلبا من المختار إثبات عدم وجود مانع من الزواج عبر لصق إعلان الزواج قبل 15 يوماً من إتمامه للتأكد من أن أحداً لا يعارضه، ثم حصلا على وثيقة قانونية من كاتب العدل بعد اختيار الطرفين البنود التي سيتضمنها عقد الزواج والذمّة المالية.
وفي هذا الإطار، وبخضم النقاش حول قانون الإنتخاب غرّد رئيس الجمهورية ميشال سليمان على «تويتر» معرباً عن دعمه لقوننة عقد الزواج المدني في لبنان، كذلك أعلن وزير العدل شكيب قرطباوي أنه يتهيأ للعمل على طرح هذا الموضوع في مجلس الوزراء «للعمل على مشروع قانون مدني خاص».
بالمقابل، أحبط وزير الداخلية والبلديات مروان شربل اي امل بالإعتراف بعقد زواج خلود ونضال بعد أن أحاله الى هيئة الاستشارات في وزارة العدل التي بدورها درسته وردته مع عدم موافقتها عليه لعدم وجود القانون الناظم لذلك. من جهته، قطع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الطريق على الداعمين لهذا المطلب، معتبراً أن البحثَ فيه ممنوعاً، ومبرراً ذلك بان "موضوع الزواج المدني ليس مطروحا في الوقت الحاضر فهو أثير منذ سنوات، وأدى الى خلافات في المواقف وبالتالي لا ضرورة للخوض في سجالات لا طائل منها في هذه الظروف.
في الختام، إن تعاطي الجهات السياسية مع هاتين القضيتين يكشف مرة اخرى عن مدى تجذّر الحسابات السياسية والطائفية في لبنان في وقت تشهد فيه البلاد تجاذبات حادة حول موضوع الإنتخابات وذلك في محاولة كل الاطراف لحشد الناس من خلال تكريس الطائفية أكثر فأكثر. وهنا لا بد من التأكيد، على أننا نعتبر أن الإعتراف بالزواج المدني بالصيغة المطروحة حالياً ليس هو المطلب الأساس، بل المطلوب اقرار قانون مدني للأحوال الشخصية يسمح للأفراد داخل الوطن بالتلاقي والمساواة بعيداً عن احتكار المؤسسات الطائفية وخصوصاً الدينية منها. كذلك نعيد التأكيد ان حق منح الجنسية للنساء حق من حقوق المواطنة الكاملة بغض النظر عن الإعتبارات الطائفية ودونية التعاطي معهن، وأن هذين المطلبين هما خطوتان اساسيتان على طريق دولة المواطنة.