مسـاومـات وقـودهـا الأسـاتـذة المتعـاقـدون

Saturday, 12 January 2013 - 10:48am
لفت الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية، مجلس الوزراء في جلسة 27/12/2012، حيث تم إقرار إعادة درس الملف المنجز المتعلق بتفريغ الأساتذة المتعاقدين في «الجامعة اللبنانية»، وتأجيلها إلى ما بعد تعيين العمداء وتشكيل مجلس جامعة، وذلك بحجة الحفاظ على القانون. ما هو المعيار القانوني الذي قرر مجلس الوزراء المحافظة عليه: أهو الاستقلال الإداري للجامعة، حيث إن قانون تنظيم الجامعة 75/67 الذي يعرف «الجامعة اللبنانية» على أنها مؤسسة عامة تتمتع بالاستقلال العلمي والمالي والإداري. إذ أن المادة 3 منه، تنص على أن «للجامعة اللبنانية شخصية معنوية. وهي تتمتع بالاستقلال العلمي والإداري والمالي ولوزير الثقافة والتعليم العالي حق الوصاية عليها، وكل ذلك وفقا لأحكام هذا القانون»
نلاحظ أن القانون الذي حدد في هذه المادة الاستقلال العلمي يميز هذه المؤسسة العامة عن غيرها من المؤسسات العامة الأخرى، التي ترعى تنظيم مرافق عامة مختلفة. فما هو الاستقلال العلمي الذي قصده المشرع في القانون؟ ألا يدخل ضمن هذا التعريف تقدير الحاجات العلمية للجامعة، وتقييم ملفات الأساتذة الذين يعملون في المؤسسة، وتأمين جو مناسب للأبحاث العلمية داخلها؟ وتحديث المناهج وتحديد الأولويات المرتبطة بذلك؟ وتحديد حاجات الكليات وفقا لهذه المعايير؟ فكيف يطلب إذن وصاية لمجلس الوزراء على هذه المؤسسة ولجان في هذه المجلس لتقييم العمل الذي يقوم به أساتذة حصلوا على أهم وأعلى الشهادات في جامعات العالم ومنها الجامعة اللبنانية؟ هل هذه اللجنة الوزارية مؤلفة من أساتذة من نخبة الأساتذة لتقييم ما قام به أساتذة الجامعة الموكلين في التقييم في الإدارة المركزية للجامعة؟ وإذا كانت هذه اللجنة ذات الأهمية العلمية التي تفوق قيمة الأساتذة المعنيين في الجامعة اللبنانية، فهذا بحد ذاته تعطيل لدور المؤسسة العامة المنظمة بموجب القانون وإعلان خطير لعدم الثقة بها!
وإذا كان رئيس الجامعة اللبنانية قد قدم منذ ثمانية أشهر اقتراحاته بشأن العمداء ولائحة باسماء الأساتذة المرشحين للتفرغ، ولم يبت بهم مجلس الوزراء بسبب الخلاف حول تعيين العمداء من ناحية، وعدم بت الملف الثاني إلى حين انهاء الملف الأول من ناحية ثانية، مع العلم أن رئيس الجامعة مع وزير الوصاية يقومان مقام مجلس الجامعة في حال غيابه بموجب القانون. فإذا كان ملف الأساتذة منجزا من قبل الإدارة المعنية، لماذا إذن ربطه بالملف الأول طالما أن تعيين العمداء مرتبط بإرادة مجلس الوزراء، فأين مبدأ استمرارية المرفق العام من مسؤولية الوزراء ومجلسهم؟ ذلك مع العلم بأن القانون 75/67 لا يشترط في مواده وبخاصة المادة 14 اعتبار العمداء القيمين على تنفيذ أعمال الجامعة عمداء أصيلين، وإذا كان العمداء يقومون بكل المهمات الموكلة إلى العمداء الأصيلين دون استثناء، منها المالية والإدارية والأكاديمية، المكلفة وغير المكلفة، والتي تحمل الجامعة مسؤوليات اجتماعية وعلمية وأكاديمية تجاه المجتمع اللبناني وتجاة القانون، فلماذا انتقاص أهليتهم في ما يتعلق فقط بملف الأساتذة المتعاقدين؟ ولماذا كان لهؤلاء العمداء الأهلية الكاملة لاتخاذ قرار إدخال الأساتذة في ملاك الجامعة في العام 2010 وتفريغ مجموعة من الأساتذة في العام 2008 في وقت لم يكن العمداء أصيلين؟
ألا يعتبر مجلس الوزراء أن الأستاذ الجامعي المتعاقد في الجامعة جديرا بالحماية، وجديرا باعتباره متساويا مع أي عامل آخر على أرض الدولة اللبنانية في الحصول على هذه الضمانات والأمن الاجتماعي، ألا يعتبره جديراَ بتحديد صفته كأي عامل آخر، مع العلم أنه يخدم مرفقاً عاماً علمياً، هدفه بناء نواة وطن ومخصص لتأمين الحق الطبيعي في العلم والمعرفة لفئة كبيرة وأغلبية الشعب اللبناني الذي لا يملك إمكانية الحصول على هذا الحق في الجامعات الخاصة؟ مع تأكيدنا على ضرورة احترام الكفاءة والجدارة كشرط للدخول إلى الوظائف العامة دون تمييز بين اللبنانيين وفقا للشروط المحددة قانونا، وتطبيقا للمادة 12 المذكورة من الدستور.
ألم يكن حسم ملف الأساتذة الجامعيين بشكل راق يحترم موقع وقيمة الاستاذ الجامعي، العلمية على الأقل، أجدى من المساومة بين ملفات مطروحة على مجلس الوزراء يكون وقودها أساتذة الجامعة، وبدل استخدام كرامة الأساتذة الجامعيين في الجامعة الوطنية، لتحقيق سبق سياسي ما أو لتأمين حقوق مقدسة أخرى تخدم الجامعة، هل يعتبر مجلس الوزراء أن الأساتذة الجامعيين الحاصلين على دكتوراه في الاختصاصات المختلفة، هم أعداد يمتلكها المسؤولون لتحقيق أهداف أخرى أيا كانت قيمة تلك الأهداف؟
ألم يكن من الأجدى حماية كرامة الأستاذ الجامعي الذي يكرس جهده وماله وصحته لخدمة الجامعة اللبنانية الوطنية دون حصوله على مبادرة إيجابية مقابلة تؤمن له استقراره الوظيفي من قبل المعنيين في مجلس الوزراء، بدلا من رميه كرة يتقاذفه الفرقاء في ملعب الطائفية والسياسة اللبنانية؟
فإذا كانت حماية الدستور والقانون والعدل والمساواة هي الهدف الذي يسعى إليه مجلس الوزراء، هل بهذه الخطوة قد حقق عدالة ومساواة وأمنا اجتماعيا لأساتذة الجامعة الوطنية؟
ألم يكن من الحكمة التعاون مع رئيس الجامعة في المشاريع التي قدمها خدمة لمصالح الجامعة، من استراتيجية التطوير إلى بناء الحرم الجامعي في المناطق إلى ملف المدربين إلى العمداء إلى الأساتذة المتعاقدين، إلى إلغاء بدعة عقود المصالحة التي لا تعطي لهؤلاء المتعاقدين سواء كانوا مدربين أو أساتذة أي صفة قانونية يمكنهم من خلالها المطالبة بحقوق تجاه الإدارة والدولة؟
كيف يمكن أن نفهم الغاية في تأمين احترام الدستور في هذه التي يعتمدها مجلس الوزراء منذ ثمانية أشهر حتى اليوم؟ إن وضع استراتيجية واضحة تضمن للمتعاقد التفرغ التلقائي هي خطوة تحمي الجامعة والوطن والأستاذ والطالب على حد سواء بدلا من تأجيل البت بالملفات المنجزة المقدمة من الجامعة، برئيسها المسؤول بموجب القانون الذي ينظم الجامعة وصاحب الصلاحية. إن إلغاء بدعة عقود المصالحة تضمن للمتعاقد حدا أدنى من الاستقرار الاقتصادي وتسمح له بالاستمرار في العمل خارج الجامعة، وليس تأجيل بت ملف تفرغ الأساتذة المتعاقدين هو الحل السحري لتحقيق العدالة واحترام الدستور. إن قانون الجامعة الذي يعطي لرئيسها صلاحية القيام بمهام مجلس الجامعة مع وزير التربية هو أيضا جدير بالحماية.
لذلك، نربأ، نحن الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية وبصفتنا مواطنين لبنانيين يسعون إلى توطيد انتمائهم إلى جامعتهم الوطنية، نربأ برئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن يكون موضع اتهام سياسي، أو أن يكون طرفا في اللعبة السياسية، أو أن تنسب إليه مسؤولية إضعاف الجامعة الوطنية وتأخير الاستقرار الوظيفي لأساتذتها.