Saturday, 12 January 2013 - 10:38am
يزور روبير أبي خليل (62 عاماً) «المركز الصحي الاجتماعي» التابع لـ «منظمة مالطا» في عين الرمانة، بعدما أخبره عنه أحد الأقارب. لا يستفيد أبي خليل من أي جهة ضامنة. وهو يعاني ألماً في الأذنين. يقول: «المركز يضمّ أطباء ذوي اختصاص، والمعاملة حسنة، ويتقيّد الجميع فيه بالمواعيد». يقصد روني (28 عاماً) المركز عينه منذ ست سنوات. إذ لم يكن مسجّلا في السابق في «الضمان الاجتماعي». يستشير متخصصة التغذية ميريام شهاب، لمساعدته في تخفيض وزنه. يثق روني بالمركز، إلا أنه يلاحظ وجود نقص في التوعية في المجتمع اللبناني «عن أهمية مراكز الرعاية الصحية الأولية وعملها».
في بلدية الغبيري تنتظر خديجة (48 عاماً) دورها في مركز الرعاية الصحية الأولية، الذي يعمل بإدارة «الهيئة الصحيّة الإسلامية»، لاستشارة طبيب العيون. تبلغ تعرفة زيارة طبيب متخصص خمسة آلاف ليرة. تقول خديجة: «إن خدمات المركز وآلاته جيّدة. ويقصده مرضى من طبقات اجتماعيّة فقيرة ومتوسّطة». ومن الغبيري إلى المريجة، التي يأتيها حسين مطر (34 عاما) من الشويفات قاصداً مركز «جمعية عطاء بلا حدود»، شهرياً، للحصول على الأدوية لوالدته مجاناً. تعاني والدة مطر من ارتفاع ضغط الدمّ، وارتفاع معدّل الكوليسترول في الدم. وهي تستشير دوريّاً طبيباً ذا اختصاص في المركز.
يقرأ المار في أحد الشوارع لافتة كتب عليها «مركز رعاية صحيّة أوليّة»، يتساءل عن ماهية عمل المركز ودوره؟ هل تشبه تلك المراكز المنتشرة في لبنان، المستوصفات. وهل تستقبل جميع المرضى أم تتوجّه إلى فئة اجتماعيّة معيّنة؟ هل يمكن الوثوق بنوعية الخدمات الطبيّة التي تقدّمها؟ أم يقتصر دورها على تنظيم المحاضرات التثقيفيّة وتوزيع المنشورات الطبيّة؟
يعرّف «اعتماد كندا» الرعاية الصحيّة الأولية كـ«جزء من منظومة صحية أوسع تشمل الرعاية بشكل عام، إلا أنها تركّز بشكل رئيسي على الخدمات التي تقدّم عند دخول نظام الرعاية الصحية، بما في ذلك المعاينة، التشخيص، والمعالجة المستمرّة وإدارة الظروف الصحيّة والوقاية من الأمراض والجروح، واللجوء إلى الاختصاصيين في مجال الرعاية الصحيّة». وقد عقد المؤتمر الأوّل في شأن الرعاية الصحيّة الأوّلية في لبنان في العام 1991، مستنداً إلى «معاهدة ألما آتا»، التي صدرت في العام 1978، والتي شددت على أهمية الرعاية الصحية الأولية ومبدأ الصحّة للجميع. وبلغ عدد المراكز في العام 1994 سبعة عشر، ثم 86 في العام 2005، فـ 109 في العام 2006، و120 في العام 2007، ليبلغ اليوم 170 مركزاً، تتوزع على مختلف المناطق. ويستفيد من خدمات تلك المراكز، وفق رئيسة «دائرة الرعاية الصحية الأولية» في وزارة الصحة العامة رندة حمادة، «نحو مليون ومئتي ألف شخص، أي ثلث سكان لبنان. توفر تلك المراكز الخدمات الطبيّة لجميع الأشخاص، المستفيدين وغير المستفيدين من الجهات الضامنة، ومن جميع الفئات الاجتماعيّة والجنسيات».
ويرتكز عمل مراكز الرعاية الصحية الأولية على التعاون بين قطاعات عدّة، وهي، الجمعيات الأهليّة، ووزارتا الصحة والشؤون الاجتماعيّة، والبلديات. وتقوم وزارة الصحة العامة بتوفير الأدوية للأمراض المزمنة، واللقاحات، وبتطوير نظام المعلومات الصحيّة، وتأمين التجهيزات الإلكترونية، وبروتوكولات العمل الإداريّة والطبيّة، وتدريب العاملين الصحيين وبناء قدراتهم.
«يختلف عمل مركز الرعاية الصحيّة الأوليّة عن عمل المستوصف»، وفق حمادة، «إذ يقدّم المركز خدمات صحية أساسية متكاملة تلبّي حاجات النطاق الجغرافي، بينما يعتمد المستوصف على خدمات غير موحّدة أو متكاملة، من دون أن يعني ذلك إمكانية الاستغناء عن عمل المستوصف». ويقدّم مركز الرعاية الصحيّة الأولية خدمات صحيّة واجتماعيّة عدّة، مثل استشارات طبيّة، وأدوية ولقاحات، وتحاليل مخبرية، وفحوصات طبيّة، وندوات تثقيفية وتوعوية وغيرها، مع الإشارة إلى إدراج الصحة النفسية في ثلاثة مراكز حتى اليوم. وتتراوح تعرفة مراكز الرعاية الصحيّة الأولية بين خمسة إلى اثني عشر ألف ليرة. ويهدف عمل المراكز إلى تأمين الصحة للجميع، وإزالة العوائق أمام الحصول على الخدمة الصحيّة، إذ تعتبر تلك المراكز بوابة العبور نحو النظام الصحّي العام. ولا تتوجه خدماتها، وفق حمادة، إلى الطبقة الفقيرة فحسب «بل إلى مختلف الفئات والطبقات الاجتماعيّة والجنسيات، لجودة الخدمات الطبيّة التي تقدّمها».
تساهم مراكز الرعاية الصحية في تحسين المؤشرات الصحيّة العامة، وفي انخفاض التكاليف الملقاة على عاتق الأسر. ويشير التقرير الخاص بالصحة في العالم، الصادر عن «منظمة الصحة العالمية» في العام 2010، إلى أن لبنان حقق منذ العام 1998 إصلاحات نوعية على المستوى الصحي، من خلال تجديد شبكة الرعاية الأولية في القطاع العام، وتحسين الجودة في المستشفيات العامة، وتعزيز استخدام التكنولوجيات الصحية والأدوية على نحو رشيد وزيادة استخدام الأدوية الجنيسة المضمونة الجودة. وأثمر تحسين جودة الخدمات في القطاع العام على مستوى الرعاية الأولية والتخصصية إلى زيادة الاستفادة من الخدمات، ولا سيما من قبل الفقراء.
وقد تشكّلت هيئة وطنيّة لتنفيذ «إستراتيجية الرعاية الصحيّة الأوّلية»، في العام 1996. تضمّ الهيئة ممثلّين عن وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية، والقطاع الأهلي، و«منظمة اليونيسف»، و«منظمة الصحّة العالمية». تجتمع تلك الهيئة بشكل دوري، وتعمل على تقويم عمل المراكز، ومعالجة الشكاوى. وفي العام 2008، وضع برنامج اعتماد للرعاية الصحيّة الأولية، بالتعاون مع مؤسسة دولية كندية. وحصل 25 مركزاً صحّياً على الاعتماد.
ويقوم ستة منسّقين من وزارة الصحة العامة بتقويم العمل الميداني للمراكز، من خلال مراقبة النظافة والالتزام بالمعايير الموضوعة ولائحة الأدوية، وتعقيم المعدّات والتجهيزات، واحترام المبادئ الصحيّة لعدم انتشار العدوى، وحفظ الأدوية واللقاحات في برادات تعمل على الكهرباء والغاز. كذلك توجّه وزارة الصحة العامة كتاب تنبيه، أو إنذار، إلى المركز، في حال عدم التقيّد بشروط العمل. وعلى سبيل المثال، فسخت وزارة الصحة العامة عقدها مع مركز صحي في طرابلس أخيراً، لانتهاكه الشروط الصحيّة الأساسية.
تضيف حمادة «يجب على أطباء المراكز أن يكونوا منتسبين إلى إحدى نقابتي الأطباء، وحاملين لإذن مزاولة المهنة من وزارة الصحة العامة. ويجب على العاملين الصحيين والإداريين أن يمتلكوا المؤهلات الضرورية للعمل». ويلتزم الأطباء والعاملون في المراكز بالبروتوكولات الإدارية والعيادية التي وضعتها وزارة الصحة بالتعاون مع «منظمة الصحة العالية»، واللجان العلمية في نقابة أطباء لبنان، والجامعات اللبنانية. وتلاحظ حمادة زيادة نسبة المستفيدين من خدمات تلك المراكز ما يدّل على زيادة الثقة بنوعية الخدمات الصحيّة المتوافرة. ويتوجّه المواطنون إلى تلك المراكز لسببين أساسيين: الدافع المالي والثقة القائمة بين المركز والنطاق الجغرافي.
في المقابل، تتركّز شكاوى المواطنين، وفق حمادة، على «مدة الانتظار، غير أن معظم المراكز بدأت باعتماد نظام المواعيد. ويشكو البعض عدم توافر الأدوية التجارية إذ أن معظم الأدوية المتوافرة هي أدوية جنيسة (جنيريك) ذات التركيبة الكيميائية نفسها».
ويشير منسّق الجمعيات العاملة في الرعاية الصحية الأولية خالد قصقص إلى أن التعاون بين وزارة الصحة والجمعيات الأهلية بدأ منذ العام 1997. وتشكّل الجمعيات الأهلية شريكاً في 133 مركزاً من أصل 170 مركزاً. تلتزم الجمعيات بتعليمات وزارة الصحة وتوجيهاتها. في المقابل، يلفت قصقص إلى ضرورة تعديل القوانين إذ تصنف القوانين الحالية تلك المراكز بالمستوصفات، وإلى تعزيز دعم المؤسسات الدوليّة، وإلى زيادة الموازنة في سبيل تأمين الأدوية اللازمة، وتطوير التجهيزات، وإلى رفع الوعي في شأن عمل تلك المراكز وأهدافها.
«الخطة الوطنية»
يطلق وزير الصحة العامة، علي حسن خليل، في الثامن عشر من الشهر الحالي، «الخطة الوطنية للرعاية الصحيّة الأولية» بعنوان «صحتك بالدني، 170 مركزاً.. مركّزين على صحتك». بينما تبدأ حملة إعلامية غداً على مختلف وسائل الإعلام لتسليط الضوء على عمل تلك المراكز. وتضع وزارة الصحة خطاً ساخناً (على الرقم 1214)، لتلقي شكاوى المواطنين. تهدف الخطة، وفق المدير العام لوزارة الصحة، الدكتور وليد عمار، إلى تعزيز الشراكة مع القطاع الأهلي، وتحسين نوعية الخدمات وجودتها، والقيام بزيارات منزلية للكشف المبكر، وربط المراكز بالمستشفيات الحكومية. إذ يمكن إحالة المريض من المركز إلى المستشفى، ومتابعة المريض بعد مغادرته المستشفى، وتعزيز برنامج الأدوية المشترك مع «جمعية الشبان المسيحية»، و«منظمة اليونيسف»، وزيادة الموازنة المخصصة لدعم مراكز الرعاية الصحية الأولية التي تسجّل ما نسبته اثنان في المئة فقط من موازنة وزارة الصحة العامة.
وتشمل الخطة، وفق خليل، استصدار قوانين وآليات عملية تعزّز وضع مراكز الرعاية الصحيّة الأولية. وتراهن الوزارة على نجاح تطبيق الإستراتيجية التي تنخرط فيها جهات رسمية ومدنية بغية تسهيل الحصول على الخدمة الصحية، وتوسيع شبكة المراكز وتخفيض الفاتورة الصحيّة.