عاد موضوع التغطية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين/ات الى واجهة النقاش العام، خاصةً بعد التحرك الإحتجاجي الذي نظم الاسبوع الماضي على خلفية وفاة الطفل مؤمن خالد المحمد، ابن السنة و١٠ اشهر، لأن المستشفيات الخاصة في الشمال رفضت استقباله. وفاة الطفل مؤمن على باب مستشفى الشفاء في طرابلس كان قد سبقه تعميماً اصدره وزير الصحة علي حسن خليل أعلن فيه وقف استقبال المرضى على حساب وزارة الصحة اعتباراً من يوم الأربعاء 20 شباط ”نظراً لعدم صدور مرسوم تخصيص اعتمادات الاستشفاء للمستشفيات الخاصة والحكومية حتى تاريخه“.
وكانت حملة ”حقي عليي“ قد نظّمت ”مأتم مدني“ من وزارة الصحة إلى قصر العدل، حمّلت خلاله وزير الصحة المسؤوليّة السياسية عن وفاة الطفل، ليس فقط لابتزازه المواطنين في صحّتهم وحياتهم باصداره هكذا تعميم بل ايضاً لانه ”فشل في وضع مشروع جدّي للتغطية الصحية الشاملة“ ولانه “يستميت للحفاظ على النظام الحالي الذي يبقي صحة وحياة أكثر من مليوني لبناني رهن مساعدات وزارة الصحة – من خارج صلاحيّاتها – أي رهن الحاجة للزعيم ولشبكة المصالح الحاكمة“. هذا التحرك المدني، استدعى رداً من خليل الذي اعتبر أن ”الطفل مؤمن المحمد لم يمت بسبب تعميم وزارة الصحة، ولا لأنه لم يستقبل على حساب وزارة الصحة، فقد استقبلته إحدى المستشفيات الخاصة، لكن ثمة مستشفى أخرى لم تفعل، وقد تم اتخاذ إجراءات ردعية بحقها“.
وفي سياق رده، ذكّر خليل بأن وزارته ”وضعت منذ شهور مشروعاً للتغطية الصحية الشاملة رفعته إلى مجلس الوزراء، وهو يناقش في إطار اللجنة الوزارية نقاشاً يجب أن يشرك فيه المجتمع المدني“، علماً أن مشروع خليل سبقه مشروعان آخران طرحا خلال الأربع سنوات الأخيرة (مشروع الوزير محمد خليفة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الثانية، ومشروع وزير العمل السابق شربل نحاس) وكان مصيرهما ايضاً الدفن في الأدراج.
إذاً، يبدو جلياً أن المواطن/ة اللبناني/ة يبقى مستهدفاً فيما المؤشرات الصحية تتراجع منذرةً بنتائج خطيرة العواقب نتيجة استمرار أزمة القطاع الصحي التي تتعمّق يوماً بعد يوم، وذلك على الرغم من ان مجموع النفقات الصحية في لبنان يصل حجمها الى 8.1% من الناتج القومي الإجمالي، وهو رقم بحسب منظمة الصحة العالمية يعتبر من الاعلى في منطقة الشرق الأوسط.
تعددت المشاريع والخطط الصحية المطروحة، اختلفت تسمياتها، وتنوعت الاراء حولها، في ظل غياب الرؤية الشاملة لدى الدولة اللبنانية التي استمرت على مدى عقود بمقاربة الموضوع الصحي بصورة عشوائية وبدون دراسة.
ومثلاً على ذلك، اطلقت وزارة الصحة مؤخراً ”الإستراتيجية الوطنية للرعاية الصحية الأولية، من أجل تعزيز الرعاية الصحية الأولية في لبنان، سبقتها قبل مدة وجيزة ايضاً، مبادرة اخرى مشتركة بين وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية والضمان الإجتماعي، تهدف الى تأمين الخدمات الصحية مجاناً في جميع المستشفيات العامة والخاصة لـ18800 عائلة لبنانية رازحة تحت خط الفقر، فضلاً عن العديد من المشاريع والعناوين الاخرى وابرزها مشروع البطاقة الصحية، التي وعدت منذ بدء العمل عليها في العام 2006 بتأمين التغطية الصحية لنحو 60 % من المواطنين اللبنانيين غير المضمونين، إلا أننا اليوم دخلنا في العام 2013 ولم يبصر هذا المشروع النور بعد.
وهكذا يبقى المواطن/ة اسير احلامه باقرار مشروع تغطية صحية شاملة، فيما الدولة تتخبط في تجاذباتها السياسية والطائفية ويستمر مستوى خدمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بالتراجع، والبلاد تنحدر في ركود اقتصادي ومشكلات مالية مقلقة، فيما التقديرات للتكلفة الإضافية لمشاريع التغطية الصحية المقترحة تتراوح بين 500 مليون ومليار دولار سنوياً.
وعليه يبدو ان الواقع الصحي للمواطن/ة في لبنان سوف يبقى على حاله، والتحركات أيضاً ستبقى احتجاجية، والمواطن/ة عرضةٌ لخطر الموت على ابواب المستشفيات، في ظل وجود 30 مستشفى حكومي بعضها معطّل وأكثريتها مهملة و125 مستشفى خاصة هاجسها الربح، وكل ذلك طالما الدولة لم تنقلب لتصبح دولة مواطنة وحقوق.