Wednesday, 20 February 2013 - 1:13pm
لم يكن ينقص حركة الإضرابات المتنقلة في لبنان إلا أن تتكل على أمراض اللبنانيين. وزير الصحة الذي يطالب بإقرار مرسوم اعتمادات المستشفيات، لجأ إلى التوقف عن تغطية استشفاء المرضى وسيلة لضغط قد يتكرّر
محمد وهبة
خلال اليومين الماضيين توقف مصير استشفاء نصف اللبنانيين على أسطر قليلة خطّها وزير الصحة العامة علي حسن خليل في تعميم يعلن فيه التوقف عن استقبال المرض على عاتق الوزارة. التعميم، الذي أراد منه خليل توجيه رسالة إلى الحكومة بكاملها، حقق الهدف بعد مبادرة وزير المالية محمد الصفدي إلى إعلان صرف المستحقات. لكن ثغرة ثانية برزت. فالمشكلة كانت في كيفية تخصيص اعتمادات مالية لوزارة الصحة تتيح لها توقيع عقود سنوية مع المستشفيات الخاصة والعامة بقيمة 420 مليار ليرة. فمن أين تحصل الوزارة على هذه الاعتمادات: من اعتمادات 2005 واعتمادات «قانون الـ 8900 مليار»، أم هناك مصادر ثانية؟
حتى صباح أول من أمس، كان نصف اللبنانيين الذين يفتقرون إلى تغطية صحية، يظّنون أن استشفاءهم على عاتق وزارة الصحة مستقرّ، أو بالحد الأدنى متاح حين تستدعي الحاجة. لكن التعميم الذي كشف عنه وزير الصحة ظهر أول من أمس أقلقهم. فقد أعلن خليل «وقف استقبال المرضى على حساب وزارة الصحة اعتباراً من الغد (اليوم) وحتى إشعار آخر، وذلك لعدم صدور مرسوم تخصيص اعتمادات الاستشفاء للمستشفيات الخاصة والحكومية حتى تاريخه، وبعدما لم تؤدّ المحاولات الحثيثة لإصداره تسهيلاً لاستشفاء المواطنين أي نتيجة».
تعميم خليل لم يصدر عشوائياً؛ فوزير الصحة كان يقصد لفت النظر إليه، في وقت كانت فيه الطبقة السياسية مشغولة بقضيتي قانون الانتخابات وسلسلة الرتب والرواتب، رغم أن المشكلة «بدأت قبل نحو شهرين حين أقرّ مجلس الوزراء مشروع مرسوم يرمي إلى توزيع الاعتمادات على المستشفيات العامة والخاصة... وكانت هناك حاجة لإصدار هذا المرسوم لتحديد السقف المالي لكل مستشفى وموازنة الاستشفاء. لكن مجلس الوزراء أوضح قراره الأول، ثم أصدر تصحيحاً في قرار ثالث ورابع ولم يصدر المرسوم»، على ما يقول خليل.
ما جرى عملياً، أن وزارة الصحة كانت بحاجة إلى هذا المرسوم حتى تتمكن من إنفاق مبلغ 420 مليار ليرة يمثّل قيمة العقود التي ستوقّعها الوزارة مع المستشفيات الخاصة والعامة. وهو أمر يحصل بصورة سنوية، ما يعني أن انتهاء العقود وعدم صدور المرسوم يوجبان خيارين على وزارة الصحة؛ فإما أن يوقع وزير الصحة إحالات الاستشفاء التي ترد إلى الوزارة يومياً على مسؤوليته، وإما أن يعلن التوقف عن التغطية الصحية. وقد قامت الوزارة بالأمرين بصورة متتالية. ففي البدء تراكمت طلبات الاستشفاء، ما دفع الوزير إلى توقيعها استثنائياً بمعدل 1300 حالة يومياً، واستمرّ هذا الوضع لفترة شهرين، إلى أن أعلن أول من أمس التوقف عن استقبال المرضى.
إلا أن إنفاق 420 مليار ليرة، يتطلّب توافر اعتمادات تُلحظ في الموازنة العامة. وفي ظلّ غياب قانون موازنة منذ عام 2005 إلى اليوم، اعتمدت الحكومات المتعاقبة، في البدء، على الإنفاق بواسطة القاعدة الاثني عشرية. لكن في ظل استمرار غياب الموازنة، اعتمدت الحكومة على الإنفاق بواسطة سلفات الخزينة أو بواسطة قرارات مخالفة للقانون تصدر عن مجلس الوزراء وتتيح للإدارات العامة الإنفاق على أساس مشاريع الموازنات. وقد استمرّ هذا الأمر لسنوات إلى أن انفجرت قصّة الحسابات المالية ودفعت وزارة المال إلى إعداد مشروع قانون تغطية نفقات عام 2012 المعروف بـ«قانون الـ8900 مليار ليرة» الذي يتيح للإدارات العامة تغطية إنفاق 2012 وفق القاعدة الاثني عشرية، أي من الاعتمادات المالية المرصودة في موازنة 2005، مضافاً إليها حصّة وزارة الصحة من اعتمادات الـ8900 مليار.
غير أن حاجة وزارة الصحة المالية لتوقيع العقود مع المستشفيات، أكبر مما يمكن الحصول عليه من مجموع الاعتمادات في موازنة 2008 واعتمادات الـ8900 مليار، وبالتالي كان يجب التوفيق بين عدّة مصادر لتغطية هذا الإنفاق: اعتمادات 2005، وسلف الخزينة لما قبل عام 2012، واعتمادات الـ8900 مليار، ونقل اعتمادات إلى مشروع موازنة وزارة الصحة لعام 2013.
لعلّ المسالة أعقد من هذا الأمر بكثير عندما يدخل فيها الروتين الإداري في الدولة اللبنانية، ولعلّ هذا الأمر الشائك هو السبب المباشر لعدم انتظام التغطية الصحية لنصف اللبنانيين، لكن ليس هناك أي ضمانات. إنه أمر لن يتكرّر، واللجوء إلى التوقف عن استقبال المرضى هو الوسيلة الوحيدة لصدور مرسوم في لبنان!