مما لا شك فيه، ان المعركة التي قادتها هيئة التنسيق النقابية مؤخراً بغية تحويل سلسلة الرتب والرواتب الى مجلس الوزراء، شكّلت علامة فارقة على صعيد الحراك المدني لتكريس حقوق المواطنين/ات.
فقد شهد لبنان منذ بداية هذه السنة ربيعاً نقابياً، وطنياً، مدنياً جامعاً قادته هيئة التنسيق النقابية التي نجحت بتنفيذ عدد من الإضرابات بعد يوم رأس السنة مباشرةً في الإدارات العامة والوزارات والقائمقاميات والمدارس الرسمية والخاصة، وصولاً الى التصعيد والإضراب العام الشامل الذي بدأته مطلع شهر شباط الماضي بالتزامن مع تظاهرات يومية في العاصمة والمناطق. وقد نجحت الهيئة إثر تنفيذها يوم الزحف الكبير في 21 آذار عند مفرق القصر الجمهوري تزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، الى الدفع بإتجاه تحقيق مطلبها وإحالة مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب إلى مجلس النواب. أمّا أبرز المظاهر التي تسجّل لهذا الحراك فكانت المشاركة المدنية والنسائية اللافتة والفاعلة في التحركات كافة، إذ حضرن المعلمات والعاملات والناشطات للتأكيد أن لا فائدة او طائل من النضال دون مشاركة النساء فيه.
لقد مثّل رضوخ مجلس الوزراء لمطلب إحالة مشروع سلسلة الرواتب على مجلس النوّاب انتصاراً مهمّاً لهيئة التنسيق النقابية بعد 32 يومياً من الاعتصامات، إلا أنّ ذلك يجب الاّ يحجب حقيقة مرّة مفادها أن «اللوبي» الاقتصادي-السياسي الريعي انتصر أيضاً في حربه من خلال جملة الإقتراحات التي وردت في مشروع السلسلة والتي حالت دون تحميله أي عبء ضريبي، إضافةً الى تحقيقه مكاسب إضافية من خفض الغرامات على احتلال الأملاك العامّة البحرية والقضاء على أي مفاعيل إيجابية يمكن أن تحققها الضريبة على الربح العقاري، وإبقاء أرباح المصارف والفوائد والأسهم والسندات خارج البحث كلّياً.
كذلك، رأت هيئة التنسيق في قرار احالة السلسلة تراجعا عن التعهدات والاتفاقات التي عقدتها مع الحكومة المستقيلة ومنها: التراجع عن مضمون قرار الحكومة في 6/9/ 2012 (لا خفض او تقسيط)، وقف التوظيف وتطبيق مشاريع التعاقد الوظيفي، ضرب بعض الحقوق المكتسبة (زيادة ساعات الدوام للإداريين، التلاعب بالتناقص، رفع سن الحق بالتقاعد 5 سنوات، إلغاء تعويضات الامتحانات الرسمية وزيادة شهر عمل في الصيف)، ضرب معاشات التقاعد وحقوق المتقاعدين، زيادة الحسومات التقاعدية وضرب حقوق الموظفين في الفئتين الرابعة والخامسة.
وقد كان لافتاً توقيت اقرار احالة السلسلة قبيل استقالة رئيس الحكومة، لفسح المجال امام انتخاب حكومة جديدة، مما يطرح تساؤل جدي حول نية المسؤولين بوضعها موضع التنفيذ السريع، على الرغم من ان انجازات معركة السلسلة هي بحق خطوة اولية لاعادة الاعتبار للوظيفة العامة وكذلك لمسيرة بناء دولة المواطنة والحقوق الاجتماعية، وذلك على حساب دولة الطوائف وما يرافقها من هدر وفساد ولا مساواة.
انطلاقاً من ذلك، يتوجب على كل مواطن ومواطنة التمعنّ في اذا ما كانت الطبقة السياسية الحالية بمكوناتها المختلفة قادرة و/او مؤهلة للسير بلبنان نحو دولة المواطنة والحقوق المنشودة؟ ومن هنا، تبرز اهمية الانتخابات النيابية المقبلة وضرورة تحويلها الى ساحة لمساءلة المسؤولين بخياراتهم السياسية واعادة الاعتبار للخيارات الامثل التي ترتكز على مبادىء المواطنة والحقوق المدنية والاجتماعية.