ملاحظات في مشروع الرعاية الصحية

Tuesday, 12 March 2013 - 12:56pm
يسعى الضمان الاجتماعي الى إقرار مشروع قانون يرمي الى توفير الرعاية الصحية للمضمونين الذين توقفوا عن العمل نهائيا بعد بلوغهم سنّ نهاية الخدمة، واما موّقتاً ولحين دخولهم العمل المأجور مجددا، على ان تؤمن الرعاية الصحية لهؤلاء لمدة اقصاها سنة.
توسيع نطاق الرعاية الصحية وغيرها من الضمانات، هو استجابة جزئية للتوجهات لا بل للالتزامات الاجتماعية والصحية المفروضة على الدولة توفيراً لحق كل شخص بمستوى لائق من المعيشة وصونا لحقه في الضمان. وهو استجابة جزئية لما نص عليه قانون الضمان. وفي محور آخر، ان فصل الرعاية الصحية للمتقاعدين، وهي اهم اركان مشروع التقاعد والحماية الاجتماعي وأهدافه، المعروض حاليا على مجلس النواب والحاقها مباشرة بفرع ضمان المرض والامومة، يخفف عن نظام التقاعد اعباء الاشتراكات المخصصة ضمنه، لتوفير الرعاية الصحية للمتقاعدين، فتخصص كامل الاشتراكات والعائدات لحساب التقاعد لتبنى عليها معاشات التقاعد.
في مراجعة لمشروع قانون الرعاية الصحية المقترح، يمكن الاضاءة على الملاحظات والتساؤلات الآتية:
- تمّ التمييز، في تحديد بدء سريان مفعول القانون، بين المضمون الذي خضع الزاميا للفروع الثلاثة العاملة ولـ20 سنة وكان له حق الافادة من تقديمات هذه الفروع، وبين المضمون الذي خضع الزاميا لفرع المرض والامومة وكان له الحق في الافادة لمدة لا تقل عن 20 سنة، إذ يحدد تاريخ بدء خضوعه للقسم المستحدث بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
- إنّ المستثنين من الخضوع الفوري لهذا القسم، هم افراد الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة والاطباء المتعاقدون، وتسدد عنهم الاشتراكات لفرع المرض والامومة كسائر المضمونين، اما المختارون والطلاب فأوضاعهم مختلفة.
- صناديق الفروع الثلاثة المطبقة حاليا (المرض والامومة، التقديمات العائلية وتعويض نهاية الخدمة) مستقلة ماليا ولا تداخل بين وارداتها وتقديماتها ولا يضخ اي فرع من موارده في آخر الا اقتراضيا ولحين انهاء السنة المالية، علما ان الفرع الوحيد الذي يساهم فيه المضمون هو ضمان المرض والامومة.
- تمّ الاشتراط على المضمون ان يكون خضوعه للفروع الثلاثة لـ20 سنة اقله، فيما تمّ الاشتراط على المضمون الخاضع لفرع المرض والامومة ان يكون له الحق بالافادة لـ20 سنة.
وعليه، فان التمييز في بدء سريان خضوع المعنيين من المضمونين، وبين مدة الاشتراك والافادة لكل منهما لا مبرر لهما ويستحسن اعادة النظر فيهما.
ان النص في المادة 2 من المشروع على التمويل المسبق للقسم المستحدث من المضمونين العاملين، هو مبدأ سليم وايجابي ينسجم ومتطلبات التضامن والتكافل الاجتماعيين، وسيشكل المورد الاساسي للكلفة الصحية للمتقاعدين. لكن اشتراط الخضوع لمدة لا تقل عن 20 سنة على المضمونين الحاليين الذين يتركون العمل بداعي بلوغ السن وحرمان الذين لم يخضعوا لمثل هذه المدة، هو اجحاف في حق الآخرين وخصوصا ان المضمونين العاملين لم يساهموا مسبقا في تمويل القسم المقترح استحداثه.
كما ان الدراسة المالية لتمويل هذا القسم، استندت الى عدد الذين تقدموا بطلبات تعويض نهاية خدمتهم في 2012 في معزل عن مدة اشتراكهم في الضمان.
وعليه نقترح خفض مدة اشتراك المضمون عند وضع القسم المستحدث حيّز التنفيذ الى 10 سنوات اقله سابقة لتاريخ بلوغه سن نهاية الخدمة، وتضاف هذه المدة سنة لكل سنة لاحقة لغاية 10 سنوات، لتبلغ المدة المقترحة في المشروع. ويقضي الإنتباه الى ان قسم الضمان الإختياري ما زال سارياً قانوناً، وهو يمنح المضمون الذي ترك العمل المأجور حق الانتساب خلال 3 اشهر تسري من تاريخ تركه العمل ودون اشتراط مدة اشتراك سابقة.
لم يتطرق المشروع الى حالات بالغي سن نهاية الخدمة الخاضعين للقسم المستحدث الذين يعودون الى العمل المأجور، علما أن هؤلاء سيخضعون كسائر المضمونين العاملين لفرع ضمان المرض والامومة والتقديمات العائلية، وتسري عليهم الاحكام ونسب الاشتراكات المترتبة عليهم وعلى اصحاب عملهم، وكان من الاسلم ايراد نص لمعالجة هذه الحالات.
لقد حددت المادة الثانية من المشروع، المستفيدين مع المضمون من تقديمات القسم المستحدث للذين بلغوا سن نهاية الخدمة وهم: الزوج او الزوجة الشرعية الاولى وضمن الشروط المحددة في المادة 14 من قانون الضمان.
وان يكن مردّ حصر الافادة بالزوج او الزوجة فقط دون الاولاد ودون الوالدين الى الكلفة الصحية المتوقعة لكبار السن، لكنه كان من الاجدى عدم استثناء الاولاد المعوقين حاملي بطاقة الاعاقة او المصابين بعجز مانع عن العمل وتخويلهم حق الافادة الى جانب والدهم او والدتهم المضمونين، وهم يعيشون في كنفهما او كنف احدهما.
ان النص على انشاء محاسبة مستقلة في صندوق المرض والامومة يتحقق فيها التوازن المالي، هو امر بديهي وصحيح يهدف الى بيان المسلك والوضع الماليين لواردات القسم المستحدث ولنفقاته وتحليل مساره واستخلاص النتائج ولوضع الضوابط والتصحيحات اللازمة حيثما يجب. لكن النص على محاسبة مستقلة اقتصر على المضمونين الذين يتركون العمل بداعي بلوغ السن ولم يشمل المضمونين الذين يتركون العمل موقتا. فحماية لحقوق المضمونين العاملين واصحاب عملهم المكلفين باشتراكات ضمان المرض والامومة، وضمانا لشفافية المعلومات والمعطيات المتعلقة بكلفة تقديمات المرض والامومة للخاضعين للنظام العام، وتبيانا للكلفة الصحية للمضمونين الذين تركوا العمل موقتا ومقارنتها مع الاشتراكات المترتبة عليهم ومدى توازنها، يتوجب احداث بند في المحاسبة المستقلة يتضمن واردات هذه الفئة ونفقاتها.
ان "الدراسة المالية" التي بُنى عليها مشروع القانون تستدعي الملاحظات الآتية:
- ان الاستناد الى عدد المضمونين الذين تقدموا في 2012 بطلبات تعويض نهاية خدمتهم بداعي بلوغ السن غير كاف، ولا يمكن الركون اليه لانه لا يشكل العدد الصحيح للذين استحقوا تعويض نهاية الخدمة، ولا يمكن اعتباره مؤشرا لنمو نسبة الذين بلغوا سن الـ64 سنويا، ولم تؤخذ في الاعتبار مدد عمل المضمونين انسجاما مع احكام البندين "ج" و"د" من المادة 2 (الاشتراك سنتين في الضمان).
- لم تشر الدراسة الى المصادر الوطنية او الدولية التي صدرت عنها المؤشرات الواردة فيها (الوفيات، متوسط العمل، التضخم المالي السنوي...).
- إن اقتصار الدراسة على معطيات عددية ورقمية محصورة زمنيا بسنة، إن في نسبة المتقاعدين او في نمو المشتركين والمستفيدين او في كلفة المستفيدين، يدل على عدم اتباع المنهجية الاكتوارية وفق قواعد واصول حسابية واحتمالية مغايرة.
إن توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وخصوصا في مجال التغطية الصحية، هو من الاهداف المنشودة التي ينتظرها اللبنانيون، وكان وعَدهم بها المشترع منذ انشاء الضمان، وان تحقيق هذه الاهداف او بعضها يرسّخ الامن الاجتماعي ويرسي استقرارا نفسيا واجتماعيا يرخي بظلاله على الامن الوطني ويخفف عن الخزينة عبء الرعاية الصحية التي توفرها وزارة الصحة، اذ يتكفل مجتمع الضمان (المضمونون واصحاب العمل والدولة والمتقاعدين) ويتشارك في نفقة الكلفة الصحية للمتقاعدين وللمستفيدين معهم.

لبنان ACGEN النهار صحة