تعيش البلاد على مفترق طرق بسبب تداعيات الازمة السورية واحتدام الخلاف بين الاطراف السياسية اللبنانية وذلك بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي واقتراب استحقاق الانتخابات النيابية. واذا كان الخلاف حول تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس المكلف تمام سلام يعكس عمق الانقسام السياسي الحالي، فان التجاذبات والمناورات التي تحيط بتحديد طبيعة القانون الانتخابي تترك اثاراً سلبية بعيدة الاجل، بصرف النظر عن موقع الاطراف السياسية من السلطة، على مستقبل الدولة اللبنانية ومآل النطام الطائفي، وانعكاس كل ذلك على حقوق المواطن ومبدأ المساواة.
وللتذكير، فقد تم في الاشهر الاخيرة طرح عدد من المشاريع الانتخابية للمناقشة في البازار السياسي، منها:
- قانون 1960 الذي يحافظ على صيغة الإنتماء الطائفي والاستنسابية في تقطيع الدوائر الانتخابية ويعتمد مبدأ الفوز بالاكثرية.
- قانون الإنتخابات على أساس النظام النسبي الذي يعطي لكل مجموعة سياسية عدد من المقاعد في المجلس النيابي بما يوازي حجمها التمثيلي، وهو أكثر الإقتراحات رفضاً من قبل الطبقة السياسية الحاكمة.
- القانون المختلط الذي يقوم على الجمع بين النظامين الأكثري والنسبي، أو التوفيق بينهما بحيث يعتمد كل منهما في عدد من الدوائر، ما يؤدي إلى زيادة تمثيل الأحزاب الكبيرة على حساب الأحزاب الصغيرة .
- قانون اللقاء الأرثوذوكسي الذي ينص على أنه "يتم انتخاب النواب المحددين لكل طائفة من قبل الناخبين التابعين لها على أساس النظام النسبي ويعتبر لبنان دائرة انتخابية واحدة".
لكل مشروع قانون حيثياته وحججه بالنسبة للاطراف المؤيدة او المعارضة له، علماً ان كل تلك المشاريع يتسم بالنظرة "المصلحجية" السياسية الضيقة، ويغيب عنها هموم المواطنين.
لكن وعلى الرغم من سلبيات القانونين المقترحة اذا ما تم تناولها من زاوية المساواة بين المواطنين/ات، حيث انها تؤدي الى حشر المواطن في الزوايا والزواريب السياسية المذهبية الضيقة، فان القانون الأرثوذوكسي يبقى بلا شك الاكثر سوءاً على الاطلاق اذ يفضي الى شرذمة الوطن وتعميق الطائفية وتبعية المواطن/ة، بحجة انصاف الطوائف.
ففي قراءة سريعة لقانون الللقاء الأرثوذكسي، يرى المراقبون أولاً أنه يتعارض مع الدستور اللبناني، لا سيما المادة 27 التي تنص على أن "عضو مجلس النواب يمثل الأمّة جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط من قبل منتخبيـه". لذا فإن انتخاب النائب من قبل طائفته فقط، يفقد تمثيله للأمّة ويخالف بوضوح المادة الدستورية المذكورة، إضافةً الى أنه يساهم في "قوننة الطائفية والمذهبية" وتحويل لبنان الى كنتونات طائفية شرعية !!
كما أن ذلك القانون في حال اعتماده، سيقوض بشكل كبير اي امل باحقاق دولة المواطنة والحقوق الإجتماعية في لبنان بتغليبه هدف تأمين المساواة بين الطوائف وازالة الغبن عنها على حساب حقوق الافرد واحقاق المساواة في القوانين بينهم.
وكنتيجة منطقية لذلك، سيصطدم اي تحرك شعبي للمطالبة باعتماد نظام تغطية صحية لجميع المواطنين مثلا، بحائط الفرز الطائفي الاجتماعي الذي يعززه تنامي سلطة المؤسسات الطوائفية على حساب مؤسسات الدولة المدنية. كما انه من شأن تعزيز الهاجس الطائفي ان يطيح باي فرصة لتعديل قانون الجنسية ومساواة النساء بالرجال بحجة اختلال التوازن الديمغرافي الطائفي.
إننا وإذ نشدّد على الإستمرار في المطالبة بدولة المواطنة وبتكريس حقوق المواطنين/ات في المساواة والحقوق الإجتماعية، نرى في اعتماد هذا القانون خطوة خطيرة الى الوراء لصالح الطبقة السياسية الطائفية الحاكمة بكل اشكالها وعلى حساب دولة المواطنة والحقوق.