Wednesday, 24 April 2013 - 12:00am
يفتقد لبنان ميزانية خاصة لتغطية كلفة الصحة العقلية (Mental health). تسجّل الجهات الضامنة الرسميّة تفاوتاً في تقديم خدمات الصحة العقلية من دون أن تتكفّل شركات التأمين الخاصة وصناديق التعاضد الصحيّة بتغطية العلاجات والمعاينات والاستشفاء المرتبطة بالأمراض النفسيّة. يحتلّ الدفع من الجيب الخاص المرتبة الثانية في لائحة مصادر تغطية كلفة الصحة النفسية في لبنان، على عكس البلدان الأخرى حيث تشكّل الضرائب والتأمينات الاجتماعية المصدرين الأوّلين لتغطية كلفة الصحّة العقلية. لا يغطّي الضمان الاجتماعي في لبنان تكاليف جلسات العلاج والتحليل النفسي. وتتفاوت نسبة تغطية «تعاونية موظّفي الدولة» بين المستشفيات، وتتكفّل بمعاينة واحدة في الشهر لطبيب نفسي من دون تغطية معاينة المعالج النفسي. تسترجع قوى الأمن الداخلي من الشخص تكاليف محاولات الانتحار أو الأذى الذاتي من دون أن تغطّي جلسات العلاج النفسي. ولا تتكفّل شركات التأمين الخاصة باستشفاء المرضى الذين حاولوا الانتحار أو الذين تسببّوا لأنفسهم بأذى.
تشكّل تلك المعطيات أبرز مشاكل تغطية الصحة العقليّة في لبنان، وفق نتائج بحث قامت به طالبة الماجستير في كلية العلوم الصحية في «الجامعة الأميركية في بيروت» فرح يحيى، وعرضت نتائجه في الجلسة الحوارية «انصاف تمويل الصحة العقلية في لبنان» التي دعا إليها قسم الطبّ النفسي في المركز الطبي في الجامعة، و«الجمعية اللبنانية للطب النفسي» و«الجمعية اللبنانية لعلم النفس» بالتعاون مع «معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية»، مساء أمس الأوّل.
تعتبر الصحة العقليّة، وفق المدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار، من أولويات الوزارة التي تغطي حالات استشفاء المرضى الذين يفتقرون إلى جهات ضامنة، والتي توفّر الأدوية الباهظة الثمن، وتعمل على إدراج برامج الصحة النفسية في مراكز الرعاية الصحيّة الأولية. تنفق وزارة الصحة على الصحة العقلية، وفق نتائج الدراسة التي قامت بها يحيى، نحو عشرة ملايين ونصف مليون دولار في السنة بنسبة 78 في المئة على الاستشفاء (inpatient). ويظهر المعنيون شكوى من عدم ترحيب المستشفيات والأطباء بالمرضى الذين يعالجون على حساب وزارة الصحة العامة.
تعود معظم مصاريف الصحة العقليّة في لبنان، وفق الطبيب النفسي ربيع شماعي، إلى الإنفاق على حالات الاستشفاء والعلاج وليس على سبل الوقاية والحماية من الاضطرابات النفسيّة، مع الإشارة إلى أن الإنفاق على الصحة العقلية من الجيب الخاص يؤدّي إلى افقار المرضى.
تؤكّد الدراسات العلمية، وفق يحيى، أن مردود الإنفاق على الصحة العقلية لا ينحصر بالأمراض النفسية وكلفتها. فعلى سبيل المثال، تظهر دراسات عدة أن علاج مرض الإكتئاب عند النساء اللواتي يعانين سرطان الثدي يؤدّي إلى توفير نسبة 23.5 في المئة من التكاليف المادية، وأن علاج القلق والاكتئاب عند مرضى القلب خفّض تكاليف خدمات المعاينة الطبيّة بنحو ألف دولار وتكاليف الاستشفاء بنحو واحد وعشرين ألف دولار عند 1661 مسجّل. ويستخدم الأشخاص البدينين الذين يعانون اضطرابات نفسيّة خدمات الطوارئ أكثر من غيرهم وينفقون أكثر على الأدوية.
تشكّل جميع تلك الأرقام، وفق رئيسة «الجمعية اللبنانية لعلم النفس» ليلى عاقوري ديراني، معطيات مهمة لإقناع شركات التأمين الخاصة بضرورة تغطية تكاليف الصحة العقلية، ولتبادل المعارف بين الأطباء والشركات. في المقابل، يعبّر ممثلو شركات التأمين الخاصة عن حاجتهم إلى دراسات وأرقام وبيانات في شأن الأمراض النفسية في لبنان وانتشارها وحاجة المرضى إلى دخول المستشفى (معظم المرضى يدخلون المستشفى مرة واحدة سنوياً) بغية دراسة امكانية تكفّل الأمراض المرتبطة بالصحة العقلية.
تبيّن الدراسات، وفق يحيى، أن تغطية شركات التأمين للصحة العقلية في البلدان الأخرى زاد معدّل الإنفاق بنحو دولار واحد فقط للفرد في العام الواحد بينما يؤدّي تأمين تغطية الصحة العقلية إلى خفض معدّل ارتياد الطوارئ بنسبة 45 في المئة، ومعدّل المعاينات الطبيّة بنسبة 47 في المئة، وكلفة التحاليل المخبرية وصور الأشعة بنسبة 30 في المئة.
يذكر أن واحداً من كلّ أربعة أشخاص في لبنان، وفق دراسة أجراها الدكتور ايلي كرم في العام 2008، يتعرّض لإضطراب نفسي في حياته، ولا تتلقى سوى نسبة 12.3 من المرضى العلاج في العام عينه من الإصابة. تخالف تلك المعطيات تشريعات «منظمة الصحة العالمية» في شأن الصحة العقلية الصادرة في العام 1996 التي تنصّ على حماية حقوق المرضى وتأمين علاجهم. يؤكّد رئيس قسم الطبّ النفسي في «مستشفى اوتيل ديو» الدكتور سامي ريشا، ضرورة توفير خدمات الصحة العقلية لجميع المرضى بانصاف ومن دون تمييز وعلى أن تكون الخدمات ذات نوعية وموزّعة بطريقة جغرافية مناسبة، وتضمن حقوق المريض في الحصول على العلاج أو رفضه وفي الموافقة المستنيرة.
لبنان ACGEN اجتماعيات استشفاء السغير صحة