Monday, 8 April 2013 - 11:41am
في لبنان يمكن مراهقاً يقل عمره عن 18 عاماً أن يدخل إلى أي نادٍ ليلـــي ويطلب مشروباً مسكراً من دون مساءلة من أحد. ويمكــــن هذا المراهق نفسه أن يشتري من أي متجر مشروباً كحولياً، ولا يواجه أي مشكلة. أكثر من ذلك، فإنّ معظم حوادث السير التي يذهب ضحاياها عشرات الشباب، سببها الأول الاستهلاك المفرط للكحول وحالات السكر، ليبدأ الأهل أحياناً كثيرة بتبرير الموضوع لأولادهم أنّهم اصطدموا بحاجز في وسط الطريق أو تفاجأوا بأي طارئ، في حين أنّ التحقيقات تبرز حال سكر واضحة.
كلّ هذه الأسباب وغيرها تدفع إلى طرح علامة استفهام كبيرة حول موضوع استهلاك المراهقين الكحول في لبنان، هم الذين لا يعرفون بعد التأثيرات السلبية الناتجة من مثل هذا السلوك، في غياب أي رادع أو رقابة.
أرقام خطرة
بين عامي 2005 و2011، ارتفعت نسبة شاربي الكحول بين اليافعين في لبنان بمقدار 40 في المئة، للفئة العمرية المتراوحة بين 13 و15 عاماً.
وحالياً بين كلّ سبعة يافعين، هناك 2 يتناولان الكحـــول، وهذه الزيادة في شرب الكحول هي أعلى بوضوح بين الفتــــيات وأيضاً بين الطلاب في المرحلة الدراسية السابعة والثامنة مقارنة مع المرحلة التاسعة. هذه المعلومات المفاجئة مسـتــــقاة من المسح العالمي للصحّة المدرسية، وهو مجهود تعاوني بين الإدارات المحلية ومنظّمة الصحّة الدولية ومركز السيطرة على الأمراض والوقاية الأميركي.
ويُضاف إليها إحصاءات جمعية الشبيبة للوعي الاجتماعي (يازا) التي تفيد بأنّ أكثر من 700 شخص يموتون سنوياً في حوادث سيارات في لبنان، وأنّ 33 في المئـــــة من الحوادث تسبّبها القيادة في حالة السكر. كلّ هذه الوقائع شكّلت حجر الأساس لانطلاق دراسة جديدة في لبنان حول تخفيف مضار الكحول من قبل فريق بحثي من الجامعة الأميركية في بيروت، حيـــــث ينكب اليوم باحثون على رأسهم الدكتورة ليليان غندور على دراســـــة وإصلاح السياسات اللازمة لتقليص الاستهلاك غير الواعــــي للكـــحول بمنحـــــة من مركز أبحاث التنمية الدولية. وللمرة الأولى فــــــي لبنـــــان، يعـــــمل مختصون على تحديد الاستراتيجيات والسياسات المطلوبة للتأثير في استهلاك اليافعين الكحول وسلوكهم الشرائي، باعتبار أنّ القضية أصبحت من قضايا الصحّة العامة في لبنان.
سياسات ضعيفة
وتصف غندور لـ «الحياة»، الوضع في لبنان على صعيد استهلاك اليافعين الكحول بأنّه «غير آمن أبداً وفيه الكثير من الخطورة على سلامة المراهقين». ومقارنة بقضايا أخرى مثل المخدّرات، ترى أنّ مشكلة الكحول صعبة وتحتاج إلى دقّة في التعاطي لأنّها غير مكشوفة إلى العلن كما في المخدرات، وليس هناك كلام عنها أو نقاش حول طريقة معالجتها. والخطورة الأكبر، وفق غندور، أنّه يمكن أي مراهق الوصول إليها من دون بذل أي جهد، وهذا ما يسبّب له أنواعاً مختلفة من الأذى خصوصاً عند السكر والإسراف في الشرب. وتضيف أنّ جهود الوقاية من أخطار الكحول متفرّقة وقليلة، و «مسألة السيطرة على الاستهلاك ليست في موقع متقدّم على أجندة صنّاع السياسات اللبنانيين». أمّا السياسات المرتبطة بمراقبة استهلاك الكحول فهي «ضعيفة وعفّ عليها الزمن ولا تطبّق بقوّة، وآخر مرّة عدّلت فيها كانت عام 1985». ولكلّ هذه الأسباب، يحاول فريق العمل البحثي تكوين أدلة نوعية وكميّة لتطوير وإصلاح السياسات الوطنية لضبط استهلاك الكحول من خلال الضرائب والأسعار، والعمر المسموح فيه شراؤها، والقيادة أثناء شربها، إضافة إلى تسويقها والإعلان عنها في شكل مكثّف عبر الوسائل الإعلامية الجماهيرية.
دراسة معمّقة
تنقسم الدراسة التي تعدّها غندور مع أربع أساتذة باحثين آخرين إلى ثلاث مراحل زمنية، العام الأول سيخصّص لفهم القوانين الحالية المحلية لتخفيف أضرار الكحول ومقارنتها بالقوانين الإقليمية والدولية. وفي العام الثاني، سيجري الفريق مسحين كميّين، واحداً من الناحية الوبائية لتحديد الأهداف المتعلقة بالسياسات، وواحداً من الناحية الاقتصادية لمعرفة أية مجموعة سياسات كحولية سيكون لها أكبر تأثير في استهلاك الكحول وفي سلوك ابتياعه. أمّا في السنة الثالثة، فسيدمج الفريق ويحلّل ما حصل عليه من معلومات ويوصي بسياسة ترتكز على الأدلة والمشاركة لتخفيف أضرار الكحول. ويرتكز نجاح هذا المشروع، وفق غندور، على تعاون جميع أصحاب المصلحة الرئيسيين فيه، بما يتضمّن اليافعين أنفسهم. وبالنتيجة النهائية، فإنّ مثل هذه السياسة تحتاج إلى متابعة مستمرة، كي لا تتكرّر الأخطاء الحاصلة على صعيد قانون منع التدخين الذي أسقط بفعل أمر الواقع في معظم المساحات العامة. لذا، تقول غندور «إنّ نشوء مجموعة دعم قوية لمتابعة تطبيق السياسات المقترحة أمر مهمّ لضمان نجاح المشروع». وهي تطلب من كلّ الجمعيات الأهلية والمنظّمات غير المدنية المهتمة بهذا الموضوع المشاركة في الدراسة، لكي تحاكي الواقع وتصل إلى اقتراح سياسة عملية قابلة للتطبيق.
لبنان ACGEN اجتماعيات الحياة