Tuesday, 9 April 2013 - 12:00am
من يُنصف يوسف مصباح؟ الرجل أقفلت مدرسته الخاصة بعد 35 عاماً على تأسيسها. أما السبب المعطى فهو تنازل حصل من صاحبة الإجازة، لكن ذلك لم يحصل بحسب الوقائع التي يقدمها مصباح
لم يكن 23 آب 2010 يوماً عادياً في حياة يوسف مصباح. في ذلك اليوم، أقفلت الستارة على مدرسة السلام التي أسسها قبل 35 عاماً. لم يعلم مصباح بالخبر إلا بعد أيام من صدور مرسوم سحب الإجازة تحت الرقم 4845، وعن طريق الصدفة. يقول الرجل إنّ «مالكي العقار 584 الذي يقع عليه قسم من المدرسة، ومنهم النائب السابق أمين عيتاني، اغتنموا اللحظة السياسية المناسبة التي كان فيها وزير التربية ورئيس الحكومة من تيار سياسي واحد وأقفلوا المدرسة للتهرب من دفع خلو إيجار يبلغ نحو مليون دولار». كيف ذلك، وما هي حكاية الإجازة، وإلى ماذا استندت وزارة التربية في سحبها، وماذا عن توقيت الإقفال ومشاكل الإيجار في العقار 584؟
تُقر مصادر الوزارة بأنّ السبب الوحيد للإقفال هو أنّ «صاحبة إجازة المدرسة عبلا عساف تنازلت عنها للغير (أي ليوسف مصباح) ولم يعد لها أي صفة أو علاقة بالمأجور، وهي لا تستطيع ذلك لأنّ الإجازة لا تورث». وتنفي المصادر أنّ «تكون حالة المدرسة من حيث عدد التلامذة والأساتذة والقاعات والتجهيزات والنظافة أسباباً موجبة تقود إلى إقفال مدرسة، بل إلى توجيه إنذار في الحد الأقصى».
لكن، هل تنازلت عساف فعلاً عن الإجازة لمصباح؟ يسأل مصباح: «كيف تتنازل عساف عن شيء هو ليس لها بالأساس، فهي أقرت بتاريخ 28/10/1996 عند الكاتب العدل غسان بزي بأنّ المدرسة ملك خالص للسيد يوسف مصباح بكل الحقوق المادية والمعنوية والمالية العائدة لها بما فيه حقوق الإيجار والخلو، وأنّ التسجيل تم على اسمي تسهيلاً لإجراءات ومعاملات إدارية فقط لا غير».
يشرح مصباح أنّه كان في ضيافة عساف لمدة شهر واحد بعد احتراق منزله في الحرب ولم يكن يملك عنواناً، وكان من جنسية قيد الدرس (والده تونسيّ وأمه لبنانية). يومها، قرر وتحديداً في 23/7/1977 استئجار قسم من مبنى في العقار 584 لتأسيس مدرسة السلام. بعد 7 أيام فقط، جهّز المكان وباشر بدورة صيفية في 1 آب 1977. سرعة التحضير لم ترُق أحد المالكين، يقول، «فحضر إليّ يطلب فارق الإيجار، علماً بأنّ العقد يبدأ من 15 أيلول». يومها، أجابه الرجل أنّه ينظم دورة صيفية مجانية بهدف وضع التلامذة في أجواء المدرسة، مشيراً إلى أنه «مضطر إلى وضع اسم آخر بدلاً من اسمه بسبب ظروفه». لم يمانع المالك وقال له «لا بأس ما دمت ستدفع لنا الفارق»، وهكذا كان. غير أنّ الأخير «لم يلبث أن وجه إنذاراً في 6 أيلول إلى يوسف مصباح ـــ مدرسة السلام، جانب المنارة، يطالبه فيه بتوقيع العقد الجديد الذي يبدأ من 1/8/1977 بمدة 24 ساعة، وبحال عدم توقيعه يطالبه بدفع إيجار المأجور يومياً مع الغرامة والعطل والضرر ابتداءً من 1/8/1977 لغاية 15/9/1977، لأنّ استعمالكم المأجور أصبح من دون عقد إيجار ومن دون حق مسوغ شرعي وقانوني».
يتضح من برقية المالك أن عنوان يوسف مصباح هو مدرسة السلام ـــ المنارة، وأنّه شغل المأجور قبل 1 آب 1977 وأنّه بدأ بدورة صيفية، أي أنّ المدرسة صار لها اسم وهي قد انطلقت. ومنذ ذلك التاريخ، انتقل مصباح وعائلته إلى المكان وسكنوا فيه.
وفي 30/9/1977، تلقى مصباح برقية من المحامي بالاستئناف خالد الحسن ينقل فيها طلب المالكين توقيع عقد جديد بغية الحصول على مال إضافي. «لا بأس»، أجاب مصباح، لكنه لم يكن قد وجد الشخص المناسب وقتها. بقي الأمر عالقاً حتى أواخر تشرين الثاني 1977، حين أحضر مصباح عساف للتوقيع على عقد الإيجار، لكن المالكين رفضوا أن يكون ذلك دون توقيعه، «فوقّّعتُ ككفيل وفي خانة المستأجر، وهذا المستند موجود في ملف إجازة المدرسة في الوزارة». وهذا يتناقض مع ما قالته المصادر لجهة أنّ مصباح ليس له صفة أمام الوزارة. فالرجل يؤكد أنّه «مؤسس المدرسة وصاحبها بعلم المالكين وبعلم وزارة التربية، إذ لا يعقل أن تكون كل الإعلانات التي كانت تنشر في الصحف يومياً على جهل من الوزارة، إضافة إلى أنّني تقدمت شخصياً بطلب الإجازة لمدرسة السلام». كيف؟ في ذلك الوقت، طلب رئيس مصلحة التعليم الخاص في الوزارة سعيد الحاج من المديرية العامة للأمن العام إبداء الرأي بالآتي: «تقدمت عبلا عساف بالاستدعاء رقم 12/4104 في 1977 المتضمن طلب الإجازة لها بفتح «مدرسة السلام»، أعقبته بطلب تعيين ميشال جوزيف وزان مديراً للمدرسة. وبعدما لوحظ كثرة تبديل المقترحين لتولي الإدارة، وبعدما اتُّصل بنا أن يوسف مصباح غير اللبناني هو وراء الإجازة المطلوبة ويشرف فعلياً على المدرسة، نرجو إبداء الرأي في ذلك».
جاء جواب المديرية أنّها «لا ترى أي مانع من الناحية الأمنية يحول دون الموافقة على طلب عساف بفتح مدرسة بإدارة وزان. وتجدر الإشارة إلى أنّ مصباح هو الشريك المستثمر والمسؤول عن العلاقات العامة والثقافية للمدرسة وهو من جنسية قيد الدرس».
هذا كله موجود في الملف الذي أعطيت على أساسه الإجازة للمدرسة بموجب المرسوم الرقم 5204 في 14/9/1988. اللافت هنا، استطراداً، أنّ الإجازة تتأخر 11 عاماً. يكرر مصباح السؤال «أين التنازل وخصوصاً أنّه لم يكن بين المالكين وعساف أي علاقة تأجيرية من الأساس، بل العلاقة كانت ولا تزال بيني وبينهم؟».
لكن في 26/9/1984، عاد أحد المالكين ورفع دعوى يطلب فيها الاستغناء عن كفالة مصباح، ما يرتب إيجارات متأخرة على عساف، مع تغييرها وجهة استعمال المبنى. وقد صدر الحكم غيابياً، بحسب مصباح، في 18/1/2000 «بعد إخراج اللوائح المقدمة من وكيلي محمود سعد بحجة أنّه ليس بحوزته وكالة، علماً بأنّ محاميّ كان متدرجاً عند الوكيل».
بعد ذلك، تقدم مصباح في 14/2/2000، بواسطة وكيله هادي خليفة باستئناف الحكم، فصدر القرار 142/2003 عن محكمة استئناف بيروت الذي اعتبر «مصباح أقله شريكاً متضامناً في الإيجار، وأنّ التنازل الحاصل من عساف لمصلحة مصباح يصبح جائزاً قانوناً ولا يؤثر على حق الأخير بالإيجار، ولم يعد من داعٍ لبحث سائر الأسباب والطلبات الزائدة أو المخالفة». لكن التنازل الذي تحدثت عنه المحكمة بني على التسجيل نفسه المذكور أعلاه عند الكاتب العدل غسان بزي تحت الرقم 6344/96 مع فارق أن حكم الاستئناف ذكر أنّ التنازل حصل في 28/6/1996 بدلاً من إقرار 28/10/1996 تحت الرقم نفسه، فهل كان ذلك للإيحاء بأنّ هناك كتاب تنازل آخر؟
المفارقة أن مصادر وزارة التربية تؤكد أنّها استندت إلى هذا الحكم في سحب الإجازة، والذي ذكر أنّ التنازل حصل لأسباب صحية. هذه الأسباب تذرع بها المالكون، بحسب مصباح، بسبب رفض عساف إعطاء صيغة اليمين الحاسمة للتنازل التي طلبها القاضي المنفرد المدني الناظر في قضايا الإيجارات. تجدر الإشارة إلى أنّ المالكين لم يميزوا حكم محكمة الاستئناف.
ماذا حصل بين 1996 و2010، ولماذا تأخرت وزارة التربية عن سحب الإجازة؟
تجيب مصادر الوزارة أنّنا «لم نكن نعلم بالقضية قبل تقدم وكيلة زهير عيتاني، أحد مالكي العقار 584، المحامية مهى نجم، بشكوى إلى مصلحة التعليم الخاص في 17/3/2010، تطلب إجراء تحقيق خاص بالمدرسة، بعد صدور تقرير الخبير المكلف من القاضي المنفرد في بيروت الناظر بالقضايا المستعجلة والذي جاء فيه: «إن مصباح يقيم وعائلته في المأجور التابع للمدرسة، علماً بأنّ عقد الإيجار محدد فقط بمدرسة نهارية، وهو يستعمل إحدى الغرف التابعة للمأجور كمستودع لدار نشر تابع للسيد عماد كسروان، إضافة إلى أنّ في المدرسة 14 تلميذاً منهم 6 تلامذة في البريفيه، ويوسف مصباح هو مدير المدرسة وسائق الباص، وزوجته جمانة كسروان وسمر مزبود هما المدرستان الوحيدتان فيها». يذكر أنّ المحامية رفضت الإدلاء بأي معلومات لـ«الأخبار» وطلبت منا، على سبيل النصيحة «الأخوية» «عدم الخوض في قضية هذا المعتوه! وأنها تستطيع مقابلة رئيس التحرير والقول له إن الدفاع عن هذه المدرسة ما بيحرز لأنها مش مدرسة، والصحافة لن تستطيع إنصاف مصباح بدليل تقرير الخبير الذي بات في حوزة الأخبار نسخة منه». لم تنتظر نجم صدور حكم القاضي بهذا الشأن، بل بنت على التقرير في شكواها التي كتبتها بلغة عربية ركيكة.
في 14 أيار 2010، اقترح رئيس مصلحة التعليم الخاص بالإنابة عماد الأشقر سحب الإجازة بعد عرض الموضوع على المستشار القانوني للوزير، وذلك في كتاب رفعه إلى المدير العام للتربية جاء فيه أن «المصلحة أجرت الكشف على المدرسة، على مرحلتين، وتبين أنّها تضم 12 تلميذاً منهم 8 تلامذة في البريفيه، كذلك فهي تضم 3 معلمين فقط ومخزن كتب لشخص من آل كسروان، وقد أزيلت في التحقيق الثاني، إضافة إلى منزل مصباح. أما حالة المدرسة من حيث التجهيزات والجدران والنظافة فهي غير مقبولة، إضافة إلى أنّ حكماً أظهر تنازل عساف عن إجازتها لمصلحة مصباح». أضاف الأشقر إنّه «تبين في سياق الحكم أن مصباح لم يتقدم بطلب الحصول على إجازة جديدة، وأنّ عساف لم تعد لها أي صفة أو علاقة بالعقار».
هنا يقول مصباح إنّ العدد لم يكن لينخفض، بعدما كان أكثر من 300 تلميذ في السابق، لولا الإجراءات الأمنية التي اتخذت في محيط المبنى لحماية النائب عيتاني الذي يسكن في العقار نفسه. لكن، لماذا لم يتقدم بطلب إجازة جديدة؟ يجيب:«لأنني لا أريد أن أحتال على القانون بطلب الإجازة عبر جمعية وهمية وما شابه».
هكذا، طلب المدير العام استشارة دائرة القضايا في وزارة التربية، والتي دعت إلى عرض الملف على وزير التربية مع اقتراح إقفال المدرسة وسحب الإجازة. الرأي يتضمن، بحسب مصباح، تناقضاً. إذ كيف «تكون عساف قد تنازلت عن الإجازة، وفي رأي دائرة القضايا نفسه ورد أنّ الإجازة ما زالت قانوناً باسمها، ما يعني أنّه ليس هناك تنازل».
المرسوم صدر بسرعة قياسية ولم ينفع الطعن الذي قدمه مصباح في 21/10/2010 إلى مجلس شورى الدولة، شارحاً فيه «حيثيات قضيته وأن المرسوم المطعون فيه حرمه من الانتفاع بمدرسته، ومن مورد عيشه الوحيد بهدف إعادة المأجور لمالكيه ليقوموا باستغلاله تجارياً». أما مجلس شورى الدولة فرد المراجعة لعدم الصفة والمصلحة، ولأنّ إجازة فتح المدرسة تعود إلى عساف. أما المفارقة فهي أن يقول المجلس إنّ «المراجعة لا ترتكز إلى أسباب جدية مهمة لكون الضرر المتذرع به لا يمكن وصفه بالضرر البليغ!».
اليوم، لا يزال مصباح يتابع قضيته وقد قدم أمس بواسطة محاميه لائحة جديدة تعليقاً على رأي مجلس الشورى، آملاً استرجاع حقه ومدرسته، بل ابنته، كما يسميها.
ACGEN اجتماعيات الأخبار تربية وتعليم