«السفير» تحاور القطاعات الاقتصادية والنقابات
اختارت «السفير» أن يكون دخولها سنتها الأربعين مناسبة لاستعراض الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومدى تأثرها بالأجواء السياسية المعقّدة، لا سيما في ظل التداعيات الخطيرة للتحولات الجارية في المنطقة من حولنا، والتي تتّشح بالدماء في حالاتٍ كثيرة.
وهكذا نظّمت سلسلة من المحاورات المفتوحة مع الهيئات الاقتصادية والمؤسسات التجارية والقطاعات النقابية، لنعرف أين يقف لبنان الآن؟ وما يتهدّده من مخاطر؟
تلامس هذه الحوارات موقع الدولة والقطــــاع العام من التحـــــولات الجارية أو المتوقعة، كذلك موقع القطــــــاع الخاص بمؤسساته وهيئاته المختلفة.
وتنوّه «السفير» بأنّ هذه المؤسسات جميعاً قد لبّت الدعوة إلى الحوار، وطرحت مشكلاتها وهمومها وموقف الدولة منها، بصراحةٍ مطلقة، مقدّمةً مقترحاتها الممهدة للخروج من المناخ المأزوم، والتقدم بالاقتصاد مع معالجة مشكلات القطاعات المختلفة.
ولسوف تنشر «السفير» خلاصات هذه المناقشات تباعاً، لعلها تفيد في اكتشاف طريق الحل، خصوصاً أنها تتزامن في الفترة الفاصلة بين حكومتين وربما بين نهجين في ممارسة السلطة في زمن الاضطراب.
هنا، عرض لوقائع الندوة الحوارية مع «نقابة الصيادلة في لبنان» ممثلة برئيسها ربيع حسونة، عضو المجلس د. رنده عون، أمين الصندوق حسن مرتضى، ومستشار النقيب د. زياد دامرجي.
يظنّ بعض الأفراد أن الصيدلي هو من يصرف الدواء فحسب، ويقلّل البعض الآخر من وظيفة الصيدلي وعلم الصيدلة. يسجّل لبنان أعلى فاتورة دوائية في المنطقة، ويزيد عدد الصيادلة أربعة أضعاف عن الحاجة المقدّرة عالمياً. يخضع تسجيل الدواء في لبنان وتسعيره لآلية واضحة بينما تغيب آليات تنفيذيّة لسحب بعض الأدوية التي يثبت مضارها عالميا. ويقوم جهاز التفتيش الصيدلي بمراقبة الصيدليات في جميع المناطق اللبنانية لضبط المخالفات مع التأكيد أن جميع الأدوية المبيعة في الصيدليات هي أدوية شرعية غير مزوّرة وغير مهرّبة.
في المقابل، تُطرح تساؤلات عن عدد الصيادلة في لبنان؟ طريقة عملهم؟ علاقتهم بالمجتمع والصحة العامة؟ معايير تسجيل الدواء ومراقبته؟ نسبة الأدوية المزوّرة والجنريك والأدوية التجريبية؟ أنواع الأدوية الأكثر استهلاكا؟ ومشاكل نقابة الصيادلة ومشاريعها؟
6800 صيدلي و2700 صيدلية
يبلغ عدد الصيادلة في لبنان، وفق حسونة، 6800 منهم 1500 موظّف في الصيدليات، ونحو 700 مندوب دعاية، ومنهم عدد ضئيل يعمل في المصانع التي يبلغ عددها خمسة، تتركّز في محافظة جبل لبنان. مع الإشارة إلى أن صناعة الدواء في لبنان ضعيفة. ينضمّ سنويا 450 صيدلياً إلى النقابة، منهم 250 من خريجي الجامعات اللبنانية وآخرون من خريجي الجامعات الأوروبية والسورية والأوكرانية وغيرها. ويخضع الخريجون من الجامعات اللبنانية، باستثناء الجامعة اللبنانية، وفق حسونة، إلامتحان شفهي (كولوكيوم) قبل الانتساب إلى النقابة، بينما يخضع الخريجون من الجامعات الأخرى لامتحان شفهي وكتابي. يحتاج كلّ 2950 مواطناً، وفق المعايير العالميّة، إلى صيدلي واحد، بينما يسجّل لبنان ارتفاعا في عدد الصيادلة، إذ يوجد صيدلي واحد لكلّ 670 مواطنا.
ويفيد حسونة بأن عدد الصيدليات في لبنان يتراوح بين 2500 إلى 2700 صيدلية، علماً بأنّ كل صيدلية تبعد عن أخرى مسافة 300 متر.
في إطارٍ آخر، يلفت دامرجي الانتباه إلى أن جميع الصيدليات في لبنان مرخصة، وتخضع للتفتيش، باستثناء الصيدليات الموجودة في المخيّمات الفلسطينيّة. ويشير إلى إعطاء التراخيص لنوعين من الصيدليات: تلك الموجودة على الطرق والتي تتوجّه إلى العموم، والصيدليات الموجودة داخل المستشفيات والتي تشمل المرضى داخل المستشفى.
في المقابل، هناك 2000 تاجر دواء غير مرخصين يعملون تحت غطاء المستوصفات. ويقدّر حجم سوق الدواء في لبنان، وفق حسونة، بـ800 مليون دولار. وتتراوح نسبة الأدوية المزوّرة، بين عشرين وثلاثين في المئة، ويقدّر سوقها بـ200 مليون دولار.
أما عدد شركات مستوردي الأدوية فيبلغ 150 منها 40 شركة منتسبة إلى «نقابة مستوردي الأدوية في لبنان».
من هو الصيدلي؟
لا يقتصر دور الصيدلي، وفق حسونة، على صرف الدواء فحسب، وليس له علاقة بالصفة التجاريّة للدواء، بل يهتمّ بالنواحي العلميّة المتعلّقة بالدواء، وبصحة المرضى وسلامة المجتمع والبيئة. ويراقب الصيدلي وصفة الطبيب، وله الحقّ في مراجعته في حال وجود شكوك في نوع الدواء وكميّته. ويزوّد الصيادلة الأطباء بالمعلومات في شأن تركيبة الأدوية والبدائل الموجودة في الأسواق. ويشرحون للمرضى طرق استعمال الدواء ومضاعفاته الجانبيّة.
ويرى حسونة أنّ علم الصيدلة السريرية أو الإكلينيكية، يسجلان اليوم، تطورا ملحوظا إذ يشارك الصيدلي الطبيب رأيه في الوصفة الطبيّة ما يوفّر علاجا أفضل للمريض بكلفة أقلّ.
معايير التسجيل والتسعير
لا يوجد قانون في لبــــــنان، وفق حسونة، يلزم بــــأن تكــــون الأدوية المسجّلة حاصلة على اعتــــمادي «هيــــــئة الغذاء والدواء الأميركية - FDA»، أو «وكالة الأدوية الأوروبيّة EMA».
ويستورد لبنان بعض الأدوية، من الدول العربيّة الحاصلة على تسجيل وطني من دولة المنشأ من دون أن تكون مسجلّة في إحدى الهيئتين العالميتين. ويشير حسونة إلى أنّ جميع الدراسات والملفات تقدّم إلى وزارة الصحة العامة التي بدورها ترسل عيّنات من الأدوية إلى مختبرات غربيّة للتأكد من سلامتها قبل تسجيلها. في المقابل، لا يتم، في لبنان، تسجيل الأدويّة للحالات المستعصية والخطرة مثل السرطان والسيدا إلا في حال حصولها على اعتماد من إحدى الهيئتين العالميتين.
وتوضح عون أن وزارة الصحّة تحدد سعر استيراد الأدوية، وفق ثلاثة معايير: أسعار المنافسة في السوق اللبناني، سعر المبيع في بلد المنشأ، الأسعار في الدول المجاورة مثل السعودية والأردن والدول المرجعيّة الأوروبيّة.
وترى أنّ سعر الاستيراد يختلف عن سعر المبيع في الأسواق اللبنانية لارتباطه بعوامل عدة: كلفة الجمارك، النقل وغيرهما. وأصدرت الوزارة قرارا يقضي بخفض سعر الدواء تلقائيا بعد مرور خمسة أعوام على تسجيله.
لا آلية لسحب بعض الأدوية
يؤكد حسونة أن الصيادلة غير معنيين بسعر الدواء وتجارته، إذ ليس لدى النقابة مشكلة حتى إذا وفرّت الدولة الأدوية للمرضى مجاناً، مشيراً إلى أنّ قيمة الجعالة، التي يتقاضاها الصيدلي، تتراوح بين 18 إلى 22.5 في المئة من سعر الدواء وتقلّ النسبة كلمّا ارتفع سعر الدواء.
ويلفت حسونة الانتباه إلى تصدير الهيئات الصحيّة العالميّة، بين الحين والآخر، قرارات تقضي بسحب بعض الأدوية من الأسواق التجارية بعد التأكّد من مضارها على صحة المرضى، ويتابع المعنيّون في لبنان تلك القرارات، وتعمم نقابة الصيادلة بياناتها على الصيدليات من دون وجود آليات تنفيذية وطنيّة لسحب الأدوية.
ويشير إلى عدم وجود قوانين وآليات تراقب وتنظّم سحب بعض الأدوية، على المستوى الوطني، وتقتصر مهام السحب على بعض الشركات الموزّعة، وتدرس النقابة اليوم اقتراح لوزارة الصحة لتحديد الآليات والمسؤوليات في سحب بعض الأدوية في حال ثبوت مضارها.
المتممات.. أكثر الأدوية المستهلكة
تظهر المعطيات، وفق حسونة، أن المتممات الغذائية هي الأكثر استهلاكا في لبنان، تليها الأدوية المضادة للالتهاب التي تصرف من دون وصفة طبيّة، وفي بعض الحالات من دون وجود حاجة طبيّة لتناولها. مع الإشارة إلى أن الوصف العشوائي للأدوية المضادة للالتهاب وعدم تناولها بانتظام يعزّزان مقاومة الجراثيم للعلاجات على مستوى الصحة العامة.
ويقول حسونة: إنّ الفاتورة الدوائيّة في لبنان، تعتبر الأغلى في المنطقة، بسبب نقص الوعي عند المواطن في شأن الدواء، وعدم مناقشة الطبيب بالوصفة الطبيّة، بحيث ينفرد الأطباء بوصف الأدوية من دون السماح للمريض وللجهات الرسميّة بمناقشتهم، ويظنّ البعض أن الأدوية الباهظة والحديثة هي الأكثر فعالية بالرغم من أن الكثير من البروتوكولات العلميّة ما زالت تعتمد على الأدوية الكلاسيكيّة.
من يحمي المستهلك؟
يؤكّد دامرجي أن جميع الأدوية التي تصرفها الصيدليات في لبنان هي أدوية مرخّصة، غير مهرّبة، وغير مزوّرة، مع العلم بأنّ بعض أغلفة الأدوية تظهر صورة ثلاثية الأبعاد، لكنّ ذلك لا يعني أن الأدوية التي لا تظهر تلك الإشارة مزوّرة.
ويشير إلى أن جهاز التفتيش الصيدلي يضمّ 17 مفتشّا يراقبون جميع الصيدليات في لبنان، ويعملون في الليل والنهار، وجميع أيام الأسبوع.
وفي حال وجود مخالفات، تتخذ النقابة اجراءات عدّة: اللوم، التنبيه، الغرامة والشطب لمدةّ سنة كاملة في بعض الحالات. ويتدخّل مرتضى لافتاً الانتباه إلى ضرورة تنبّه المرضى إلى بعض الممارسات كخفض الأسعار أو تقديم الحسومات العشوائية في بعض الصيدليات، علما بأنه يجب ألا تتنافس الصيدليات في ما بينها إلا على مستوى نوعية الخدمة التي تقدّمها، ويمكن للمواطنين تقديم الشكاوى إلى وزارة الصحة أو إلى نقابة الصيادلة بهذا الخصوص.
من جهة أخرى، يسجّل سوق المتممّات الغذائية والأعشاب، وفق مرتضى، فوضى عارمة في ظلّ غياب آليات المراقبة، وعدم تسجيل جميع المنتجات في وزارة الصحة، وفي ظلّ وجود اتفاقيات يعقدها الأطباء والشركات التجارية للترويج لمنتجات لا يحتاج إليها المرضى.
يظـــــنّ الكثيرون أنه يمكن صـــــرف أدوية الأعصاب من دون وصفة طبيّة غير أن دامرجي يشدّد على أن الصيــــدليات في لبنان لا تصـــرف أدوية الأعــــصاب من دون وصفة طبيّة، ويقــــوم التفتيش بمراقبة عدد الوصفات الطبيّة وعدد المبيعات.
لا رقابة على المستوصفات
يشكو حسونة من نظام المستوصفات الموجود في لبنان، من دون أن يعني ذلك أن النقابة تعارض خدمات المستوصفات، مشيراً إلى قيام جهات ووزارات عدّة بإعطاء تراخيص للمستوصفات من دون وجود معطيات حول عددها أو رقابة على الأدوية التي تصرفها. ويعتبر أنّ تلك الفوضى تؤدي إلى استيراد أدوية غير مرخّصة أو غير مسجلّة على شكل هبات أو مساعدات إنسانية، وتطرح تلك الأدوية مشكلة في عدم إمكان مراقبتها، وفي سبل تلفها خصوصا أن صلاحية معظم تلك الأدوية تكون لفترة زمنية قصيرة أو منتهية الصلاحية.
وترى عون أنّ الدواء لا يشبه السلع الأخرى مثل الثياب والآليات، إذ يطرح تلف الأدوية مشاكل مهمة على مستوى الصحة والبيئة، لافتةً الانتباه إلى أنّ نقابة مستوردي الأدوية، حصلت على موافقة وزارتي البيئة والصحة لحرق الأدوية في محارق خاصة، بينما قامت بعض الشركات، في ظل منع تلف الأدوية في السابق، بتخزين الأدوية المنتهية الصلاحية أو بتصديرها إلى المصنّع.
مشاكل مع المؤسسات الضامنة
لا توجد مشاكل، وفق حسونة، بين النقابة والمؤسسات الضامنة الرسمية من ضمان اجتماعيّ وغيرها. في المقابل، تقوم شركات التأمين الخاصة بأعمال غير مهنيّة بغية جني الأرباح المادية، موضحاً أنّ بعض شركات التأمين تتفق مع شركات أدوية أو صيدليات أو جهات أخرى لتأمين أدوية بأسعار مخفضّة من دون التأكّد من جودة تلك الأدوية ونوعيتها.
من جهة أخرى، يوضح حسونة أن شركات الأدوية المبتكرة تعمل على إنتاج أدوية حديثة ومتطوّرة، مع العلم بأنّ القوانين العالميّة تكفل حقّ تلك الشركات في احتكار الأدوية التي أنتجتها لفترة زمنيّة معيّنة تتراوح بين عشرة إلى عشرين عاما. وبعد مرور فترة براءة الاختراع، يمكن لشركات أخرى إنتاج الدواء عينه بالتركيبة ذاتها ما يعرف بـ«دواء الجنريك» ذات كلفة أرخص من الدواء ذات الاسم التجاري. ويوفّر دواء الجنريك الفعالية ذاتها التي يضمنها الدواء ذات الاسم التجاري ويخضع للمعايير ذاتها في التسجيل غير أن المجتمع اللبناني يفتقد ثقافة التشجيع على وصف وتناول أدوية الجنريك. ويؤكد حسونة أنّ النقابة لا تتحمّل مسؤولية تشجيع أدوية الجنريك بل يجب تشجيع الأطباء على وصف أدوية الجنريك والقيام بحملة وطنيّة.
التجارب الإكلينيكية على المرضى
لا تمنع القوانين العالمية واللبنانية إجراء البحوث الإكلينيكية والعلميّة على المرضى ضمن بروتوكولات ومعايير أخلاقية وعلميّة.
وتجري في لبنان، وفق عون، دراسات على المرضى ضمن بروتوكولات واضحة في المستشفيات، تخضع لمراقبة الصيدلي المسؤول عن استيراد الدواء، ولمعايير اللجان العلميّة والأخلاقية التي تشرف على الدراسة مع وجوب حصول الموافقة المستنيرة من المريض المشارك في الدراسة.
لا سياسة في العمل النقابي
تضمّ النقابة، وفق مرتضى، أعضاء من جهات سياسية مختلفة من دون أن يؤثّر ذلك في عملها ورؤيتها النقابيّة. ولا يقارب أعضاء النقابة المسائل والطروحات من منظار سياسيّ أو طائفيّ أو كيديّ. ويؤكّد أنّ أثر السياسة ينتهي فور إعلان نتائج الانتخابات لينصرف الأعضاء للقيام بمهماتهم النقابيّة والعمليّة وتعمل النقابة على حماية حقوق الصيادلة وحصانتهم، وعلى تقديم المشورة العلميّة في ما يخصّ مسائل الصحة العامة. ويشير مرتضى إلى أنّ المشاريع المستقبلية في النقابة تتركّز على تعزيز الصيدلة الإكلينيكية، وما توفره من مجالات جديدة للصيادلة، وعلى تنفيذ قانون المكاتب العلميّة الذي ينظّم علاقة الصيادلة وشركات الأدوية والأطباء، إذ يلزم شركات الأدوية بأن يكون مندوبها صيدليّا أو طبيبا غير ممارس للمهنة. وينصّ قانون التعليم المستمرّ والإلزامي على ضرورة أن يتابع الصيدلي عددا معيّنا من المؤتمرات والمقرّرات سنويّا شرط تعليق انتسابه من النقابة. وتعمل النقابة على تحديد عدد الخريجين بحسب الحاجة، خصوصا بعد تقديم جامعات عدة طلباتها أمام وزارة التربية والتعليم العالي.
لبنان ACGEN السغير دواء نقابات