مرة اخرى، يتأكد ان نواب الامة يغلبون مصالحهم وخلافاتهم السياسية على مصالح المواطنين/ات وحقوهم/ن، في وقت يتعمّق فيه الانقسام السياسي والصراع على السلطة في البلاد، وذلك على خلفية الاصطفافات الخارجية، معوقاً اي امكانية لاطلاق حوار وطني حول الخيارات الاستراتيجية والسياسية، ومعطلاً اي فرص التوصل الى تسوية سياسية عامة تضع في صلب اهتماماتها حقوق المواطنين/ات.
يؤدي التناحر الداخلي واستمرار الصراع الاقليمي ـ الدولي، الذي يهدف الى رسم خريطة جديدة للمنطقة، الى تفكيك النظام السياسي الحالي في لبنان، وتقويض مؤسساته الواحدة تلوى الاخرى.
بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي "بسحر ساحر" واستمرار تعثّر تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام الجديدة، جرى التمديد للمجلس النيابي بعد الفشل في التوصل الى قانون انتخابي يرضي الجميع، مروراً بتعطيل عمل المجلس الدستوري في ظل التجاذبات السياسية التي عصفت به، وصولا اخيراً الى شل دور مجلس النواب التشريعي، في وقت تصيب، تداعيات الوضع في سوريا وفي المنطقة، لبنان، على كافة الاصعدة (الامنية والسياسية والاقتصادية).
بالتأكيد، تقع مسؤولية ما يحدث على كل الاطراف السياسية، وان بنسب مختلفة تبعاً لدرجة مراهنتها على الخارج. لكن هذا الواقع المتردي لم يحل دون ردود فعل وتحركات مدنية واهلية مختلفة، نذكر في ما يلي بعضا منها:
- "الحراك المدني" رفضاً للتمديد، الذي يضم عددا من الهيئات الشبابية والنسائية والحقوقية المنضوية في "الحراك المدني للمحاسبة"، والذي اعتصم في ساحة رياض الصلح، رفضاً للتمديد لمجلس النواب، ويقوم بتعقب اعضاء مجلس النواب ورشقهم بالبندورة.
- التحركات الاهلية والمدنية المحلية التي شاركت فيها عشرات الناشطين/ات المدنيين/ات من ابناء صيدا والجوار، في سعي منهم/ن لاعادة الاستقرار الى المنطقة، في اعقاب احداث عبرا الاليمة. كذلك، نظم ابناء طرابلس وهيئاتها حملة شعبية لدعم اسواق طرابلس القديمة، ولتعزيز دورة الحياة الاقتصادية في مختلف مناطق المدينة .
- اطلاق الهيئات الاقتصادية صرخة سياسية، بسبب استمرار تردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد.
في ظل كل ما سبق، تبقى الملفات والقضايا الرئيسية المرتبطة بحقوق المواطن/ة حبيسة الادراج وذلك في غياب الحكومة وتعطيل دور مجلس النواب والمؤسسات الرسمية عامة. ومن ابرز القضايا التي تتصل بشؤون المواطنين/ات تلك المتعلقة بحقوق النساء (الحماية من العنف، حق إعطاء الجنسية، المساواة في الضمان..)، الإصلاح الإنتخابي (النظام والإصلاحات وبشكل خاص خفض سن الإقتراع، إقتراع غير المقيمين، الكوتا النسائية..)، ملف الأحوال الشخصية (قانون مدني للأحوال الشخصية...)، ملف الحقوق الاجتماعية (قانون العمل، ملف الضمان ، التغطية الصحية الشاملة، ضمان الشيخوخة..)، ملف المخطوفين والمفقودين، قانون الإجارات وسلامة الأبنية، السلامة العامة (قانون السير والنقل العام الرسمي والمستدام..)، ملف الأملاك العامة في كل أشكالها، ملف البيئة (المساحات الخضراء، التنمية المستدامة...)، واخيرا وليس آخراً اقرار سلسلة الرتب والرواتب للموظفين/ات.
من نافل القول ان التحركات المدنية الحالية والصرخات التحذيرية لن تؤتي سوى الاثر المحدود، بحيث لا يتخطى مفعولها، القيام ببعض المبادرات المحلية، تسجيل المواقف الاعلامية، واعادة تسليط الضوء على مكامن الخلل. وبالنهاية لا بديل عن مقاربة سياسية مختلفة، تستند الى حوار سياسي ـ شعبي واسع يفضي الى ابرام عقد اجتماعي ـ سياسي جديد، يحدد الاولويات السياسية والاستراتيجية، ويشكل منطلقاً لبناء دولة مدنية جديدة تحترم فيها حقوق المواطن/ة، المساواة بين الافراد والعدالة الاجتماعية.