في العمروسية «زريبة» تسمى مدرسة رسمية

Thursday, 6 June 2013 - 11:06am
هذه مدرسة رسمية في منطقة العمروسية في الضاحية الجنوبية، لكنها أقرب إلى زريبة. أبواب غرف التدريس فيها، مخلعة، وجدران الغرف لم تعرف الطلاء منذ سنوات، فتحولت إلى سوداء، محفرة، وأدراج مكسرة بدءا من الطابق الأول حتى الرابع، يتعثر فيها الأطفال وتؤدي إلى وقوع جرحى بينهم، وحمامات تنبعث منها الروائح الكريهة، فتحتاج إلى تغيير كلي.
لا مولد كهرباء، ولا مياه شرب، فيتعلم التلامذة في الشتاء على الضوء الخافت، ويضطرون لحمل مياه الشرب معهم من منازلهم. أما من ينسى حمل المياه فقد يشرب من مياه البئر الارتوازية، المعدة فقط للخدمة. وفي هذه الحال من يفكر بالصابون لغسل الأيدي بعد استخدام الحمامات؟
تلامذة تلك المدرسة وشبيهاتها، أصلا من أولاد الفقراء، يعانون ظلم البيئة الاجتماعية والعائلية، ثم ظلم التعليم الرسمي. لا لون فرح في مدرستهم، ولا في منازلهم. يعيش عدد كبير منهم في كنف الأم وحدها، أو الأب وحده، بسبب انفصالهما، أو في كنف الجدة أو العمة، عندما يتزوج كل من الأب والأم مرة ثانية. وبعضهم يعيش مع عائلته في غرفة واحدة، فيتعرف الطفل إلى العلاقة الزوجية، ويقلدها مع رفاقه. يشهد على ذلك أساتذة الأطفال، فيروي بعضهم حكايات عن التحرش الجسدي بين الأطفال أنفسهم.
يعرف جميع المسؤولين في وزارة التربية، ومن القوى المحلية في الضاحية أنها تحتاج إلى مدارس رسمية إضافية، بسبب الكثافة السكانية، وبسبب ازدياد عدد الفقراء فيها. لكن بدلا من بناء مدارس حديثة ومؤهلة لتعليم التلامذة، يتم استئجار مبان جاهزة، عبارة عن خربة، مثل مدرسة العمروسية الرسمية الثانية.
يقول مطلعون على وضع المدرسة إنها كانت فيما مضى مدرسة خاصة، تدعى «القديس مارتينوس»، لصاحبها عصام حنان شلهوب، وقد أقفلها بسبب تراكم الديون عليه، ثم أجرها إلى وزارة التربية عبر أحد المسؤولين في الوزارة الذين تربطه بهم معرفة شخصية. وفي حين ينص عقد الإيجار على شروط عدة، أبرزها أهلية المبنى وصلاحيته لتعلم التلامذة فيه، جرى في مدرسة العمروسية، نسف الشروط جميعها، وتفضيل السمسرة المالية، أو القرابة، أو المعرفة الشخصية على تعليم التلامذة.
وفي حال، أضيف سوء التعليم، إلى سوء التربية، تكون النتيجة كما تعرفونها، تخريج تجار المخدرات، وسارقين، وقطاع طرق.
«الإرشاد والتوجيه» مسؤولة
استنادا إلى قوانين وزارة التربية، فإن مديرية الإرشاد والتوجيه هي المسؤولة عن الكشف على المباني المدرسية التي يتم استئجارها، وإعداد التقارير الخاصة بها. وقد ارتأت المديرية أن المبنى صالح، فاستأجرته الوزارة بمبلغ مئة وثلاثة عشر مليون ليرة سنويا.
عين في المدرسة المدير نافذ الموسوي في شهر تشرين الثاني من العام 2009. وبعد إحالته إلى التقاعد عين بدلا منه المدير محمد العيتاوي في آذار من العام 2011. وأعد عيتاوي تقريرا عن حال المدرسة مع صور على قرص «سي دي»، قدمه إلى مديرية الإرشاد والتوجيه في حزيران العام 2011 ، لكن من دون الحصول على جواب.
واستنادا إلى التقرير الذي تم الاطلاع عليه من مصادر التفتيش التربوي، فقد مرت فترة طويلة على استئجار المبنى من دون صيانة ، حتى غدا مبنى قديماً، يحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة، بدءا من الدرج، وصولا إلى سائر الغرف، ومن الأبواب والنوافذ والزجاج، إلى النش والدهان، ومن صيانة الحمامات وشبكة الصرف الصحي إلى شبكة الكهرباء. بالإضافة إلى خلو المبنى من أي تجهيزات ضرورية للتلامذة، وهي المختبر وقاعة الكمبيوتر وقاعات تدريس المواد الإجرائية، الأمر الذي ترك آثاره السلبية على التلامذة والأساتذة معا، وعرض سلامة التلامذة للخطر.
ونظرا للكلفة العالية للصيانة، فقد وجدت إدارة المدرسة نفسها عاجزة عن تلبيتها، وسعت للمساعدة، لدى كل من وزارة التربية والبلديات المحيطة والجمعيات الأهلية، لكنها لم تحصل على أجوبة. وجاء في التقرير أن المبنى يحتوي على ست وثلاثين غرفة تدريس، قادرة على استيعاب عدد كبير من التلاميذ يحتاجون للتعلم فيها، كما يوجد فيها أربع قاعات كبيرة، مؤهلة لاستيعاب مختبر وتدريس مادة الكومبيوتر، وتجهيز قاعة لأنشطة صفوف الروضات، وكلها مقومات تشكل أركانا أساسية في العملية التربوية.
ويعلم في المدرسة حاليا، ستة عشر مدرسا من الملاك، بالإضافة إلى المدير. وقد تم نقل خمسة من الأساتذة إليها حديثاً، بينما يعاني ثلاثة من أساتذة الملاك من أمراض مزمنة، يعملون في الإدارة. ويبلغ في المقابل عدد الأساتذة المتعاقدين ثلاثة وأربعين مدرسا، غالبيتهم لا يملكون خبرة في التعليم، ويفتقدون طرائق التدريس الحديثة. كما تتفاوت كفاءاتهم العملية والشخصية، ومقدرتهم على ضبط الصفوف، والتعامل مع التلامذة، بطرق تربوية وتعليمية.
وكانت المدرسة قد بدأت انطلاقتها مع مئة وستين تلميذا، تأخروا عن عامهم الدراسي مدة شهرين، ليتبين أن معظمهم تركوا مدارسهم السابقة، نتيجة إهمال أو تقصير أو تدن في المستويات التعليمية.
وخلال العام الدراسي الحالي، وصل عدد التلامذة إلى 575 تلميذ، من صف الروضة إلى البريفية. أي بزيادة 200 تلميذ عن العام السابق، جاؤوا من المدارس المحيطة بهم، ويـعانون في غالبيتهم من الأوضاع الصعبة المذكورة.
كما أضيف إليهم مئة وستون تلميذا سوريا، يجهلون اللغتين الفرنسية والإنكليزية، وتقوم إحدى الجمعيات بالتعاون مع «منظمة الأونيسكو»، بإعطاء دروس خاصة لهم في هاتين اللغتين.
تأهيل ضروري
في ظل هذا الوضع، لم يبق أمام إدارة المدرسة سوى القيام بنفسها ببعض عمليات التأهيل الضرورية جدا. ويشرح عيتاوي أنه تم تركيب أحد عشر بابا خشبيا، بتمويل من صندوق المدرسة، لعدد من صفوف التدريس، وطلاء الطابق الأول، الخاص بأطفال الروضة، من النوع الرخيص. كما أعدت قاعة خاصة بالأطفال، وضع فيها جهاز تلفزة قديم، وبعض البسط المعتمة الألوان. وجرى تركيب دفاعات للنوافذ، وهي مصنوعة من الألمنيوم، لكن المياه بقيت تتسرب منها في فصل الشتاء إلى أرض الغرف، فيضطر التلامذة لرفع اقدامهم، وهم يتلقون دروسهم. وخلال الشتاء الماضي فاضت المجاري الصحية في جميع أنحاء المدرسة.
كما أهلت الإدارة ملعب الروضات، ووضعت أبوابا من الحديد للغرفة الخاصة بها، وللملعب ولمطلع الدرج، وغرفة اللوح التفاعلي الذي لم يدخل بعد في الاستعمال. وحصلت مؤخرا على بعض أدوات المختبر، لكنها ايضا لا تستعمل نظرا لعدم وجود قاعة مختبر مجهزة.
ويروي مطلعون على وضع المدرسة أن صاحب المبنى قدم تعهدات عدة بتصلحه مرات عدة، لكن تعهده بقي حبراً على ورق، ما دام يتقاضى بدل الإيجار من دون محاسبة.
ومن المعروف أنه يوجد في كل مدرسة رسمية صندوقان، واحد للأهل يدفعون فيه عن كل تلميذ مبلغ سبعين ألف ليرة سنويا، وواحد للمدرسة تدفع فيه وزراة التربية عن كل تلميذ مئة وخمسين ألف ليرة سنويا. لكن تلك الأموال غير مخصصة لتأهيل المباني، وإنما لحاجيات التعليم. فيدفع من صندوق الأهل بدل التأمين الصحي للتلامذة، والنشاطات اللاصفية، وإيجار الخدم، وضمانهم الصحي الخدم، والأنشطة الرياضية، في حين لايوجد استاذ رياضة.
ويدفع من صندوق المدرسة بدل رسم الخزينة والقرطاسية، والمطبوعات. وفي العام الدراسي الحالي تم دفع ثمن الكتب المدرسية، بعد صدور قرار من الوزارة بجعلها مجانية، على أن تدفع الوزارة ثمنها، لكنها لم تدفعه إلى اليوم.
يضاف إلى ذلك، قرار تعليم التلامذة الأكثر فقرا مجانا، ضمن «مشروع مساعدة الأسر الأكثر فقرا»، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، لكن الوزارة لم تدفع ايضا بدل تعليم التلامذة الفقراء.

لبنان ACGEN النهار تربية وتعليم