أوضاع الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي في محافظة الشمال

Saturday, 29 June 2013 - 12:00am
كأن طرابلس لا يكفيها ما فيها من حرمان ومشاكل وتعقيدات على مختلف الصعد، حتى جاءت معاناة عشرات الالاف من المضمونين في المدينة لتفاقم الأزمات وتزيد الطين بلة.
يعتبر المكتب الاقليمي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الملاذ الوحيد لطبقة شعبية من العمال والموظفين الكادحين الذين يتقاضى معظمهم الحد الأدنى للأجور، ويفترض بالضمان الاجتماعي، حسب وظيفته الرئيسية التي أوجد من أجلها، أن يقدم خدماته الطبية والاستشفائية والاجتماعية والأمومة وتعويضات نهاية الخدمة، الا أن واقع العمل اليومي في مكتب طرابلس، الذي يقدم خدمات للمضمونين في عكار والمنية والضنية، اضافة الى قضاء طرابلس، يجسد كارثة اجتماعية بسبب التعاطي الرسمي من الادارة المركزية والسياسات المعتمدة من قبل معظم الحكومات المتعاقبة، كون المكتب الموجود في بناء على مدخل شارع عزمي بالمدينة يكتظ يوميا بمئات المضمونين الذين يزيد عددهم عن 37 الف مضمون في مقابل 19 موظفا يسعون جاهدين لتخليص معاملات هذا العدد الكبير.
لم تنفع الاجراءات الادارية المتخذة من قبل ادارة الضمان في طرابلس التي عملت على تقسيم المضمونين، حيث يتقدم القسم الأول منهم وهم السائقون العموميون بطلباتهم من أول الشهر ولغاية الخامس عشر منه، في ما يقدم القسم الثاني وهم الاجراء العاديون وطلاب الجامعات والمضمونون الاختياريون وغيرهم في النصف الثاني من الشهر، في محاولة لتخفيف الضغط عن الموظف وايضا عدم انتظار المضمونين لساعات وهم يقفون في الطابور.
صرخة المضمونين ارتفعت ومعهم صرخة الموظفين كون المعاملات المقدمة من المضمونين لا يمكن سدادها ماليا في مدة زمنية بسيطة كما يحصل في بقية مكاتب الضمان في مختلف المناطق اللبنانية وحتى الشمالية منها، وتصل المدة الزمنية لقبض مستحقات مالية لأي معاملة في مكتب طرابلس الى نحو سنة بسبب قلة عدد الموظفين في مقابل عشرات الالاف من المعاملات الشهرية.
الغضب الشديد، هو الطابع اليومي لمعظم المضمونين الذين يرتادون مكتب الضمان، وعندما يسمعون جواب الموظف، ويعلمون عدد الموظفين والشغور الكبير في هيكلية المكتب، لسان حالهم يقول «لا حول ولا قوة الا بالله» ويصبون جام غضبهم على نواب وسياسيي المدينة الذين يعلمون بهذه المعاناة دون أن يحركوا ساكنا.
ويرى المضمونون معاناة الموظفين الذين ينكبون يوميا من ساعات الصباح الأولى نحو السابعة صباحا وحتى الثانية على تخليص المعاملات المزدحمة. ويتحدث الموظفون داخل المكتب بصراحة عن حجم الضغط الكبير الذي يقع على عاتقهم كون عددهم لا يمكنهم اطلاقا من تخليص هذه المعاملات بالمدة المفترضة، وبالتالي هم يشعرون بالمرارة الظاهرة على المضمونين الذين يرتادون مكتبهم. ويطالب الموظفون الادارة المركزية للضمان بضرورة العمل سريعا لتوزيع عادل للموظفين في الشمال لتخليص وتسيير شؤون ومعاملات المضمونين، وأن تعمل على التعاقد مع موظفين جدد لسد الشغور والثغرات الحاصلة.
} احصائيات }
وتظهر إحصائية لعدد الموظفين في الضمان في محافظة الشمال، حجم الغبن اللاحق بمكتب طرابلس الذي يقدم خدمات لأكثر من 37 الف مضمون يقوم 19 موظفا فقط على تخليص معاملاتهم، وبعملية حسابية فإنه على الموظف الواحد أن يقوم بتصفية معاملات نحو 1945 مضمونا، فيما يقوم الموظف الواحد في مكتب البترون مثلا بتصفية معاملات 240 مضمونا فقط، اضافة الى وجود موظف ستيني يقوم بتخليص معاملات المضمونين المصابين بأمراض السرطان والأمراض المزمنة، وموظف واحد يعمل على اعطاء الموافقات على الاستشفاء، وموظف آخر للصندوق.
وتؤكد الاحصائية ان مكتب طرابلس يقدم يوميا ما بين 150 الى 200 موافقة في مقابل 30 موافقة تصدر عن مكاتب الأقضية التي تعج بالموظفين.
وتلفت الاحصائية الى الغبن والحرمان في مكتب طرابلس الذي يقدم خدمات ل37 الف مضمون من خلال أقل من 19 موظفا في مقابل البحبوحة في بقية مكاتب الأقضية كون عدد الموظفين والمضمونين في مكاتب الأقضية على الشكل الاتي:
مكتب جبيل: 25 موظفا لـ12000 مضمون، مكتب زغرتا: 17 موظفا لـ6800 مضمون، مكتب حلبا عكار: 8 موظفين لـ 5200 مضمون، مكتب شكا: 15 موظفا لـ5000 مضمون، مكتب أميون: 7 موظفين لـ3500 مضون، مكتب البترون: 10 موظفين لـ2400 مضمون، مكتب بشري: 5 موظفين لـ900 مضمون.
هذه الأرقام تشير بوضوح الى الظلم اللاحق بالمضمونين والموظفين في مكتب طرابلس بحيث يبلغ عدد المضمونين في كل مكاتب الشمال مع مكتب جبيل نحو 35800 مضمون، في حين ان المضمونين التابعين لمكتب طرابلس والمنية والضنية وجزء من عكار 37000 مضمون، أما عدد الموظفين في مكاتب الأقضية وجبيل فيبلغ 87 موظفا، فيما يبلغ عدد الموظفين في طرابلس 19 موظفا، وتوضح الاحصائية وجود ثلاثة مكاتب للضمان في مساحة جغرافية لا تتجاوز 15 كيلومترا بـ25 موظفا لـ7400 مضمون.
وتبين احصائية أخرى، الفارق الكبير في متابعة أمور المضمونين في المستشفيات الشمالية فنجد أن موظفا واحدا في طرابلس يتابع معاملات المضمونين في أكثر من 10 مستشفيات في طرابلس والمنية الضنية، في حين يوجد مستشفى واحد في البترون ويقوم بالمعاملات موظف واحد، وفي زغرتا مستشفيان وموظف متفرغ. وفي الكورة مستشفيان وموظف متفرغ وفي عكار مستشفيان وموظف متفرغ.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الادارة المركزية للضمان عن نيتها استحداث مكاتب في بعض المناطق اللبنانية، فانها تغض الطرف عن قضاء كامل متكامل وهو القضاء الثالث في الشمال من حيث الكثافة السكانية هو قضاء المنية ـ الضنية الملحق بمكتب طرابلس الاقليمي.
ولا يخفي الموظفون في مكتب طرابلس تذمرهم، عندما يقولون «نعمل ما بوسعنا لتلبية الحاجات وفق امكانياتنا العددية، ونعمل يوميا على استيعاب غضب المضمونين، ونعلم أن ما يعانيه المضمون يشكل قنبلة موقوتة قد تنفجر في اي وقت، وعلى النواب والوزراء والمسؤولين في عاصمة الشمال وعلى الادارة المركزية العمل لمعالجة هذه المشكلة قياسا مع ما رسم من خطط في بقية المكاتب، لجهة زيادة عدد الموظفين في طرابلس وتعيين 25 موظفا على الأقل، اضافة الى استحداث مكتب في المنية وآخر في الضنية.
} بدرة }
وفي جولة على شرائح عدة من المضمونين، نرصد حجم المعاناة والغبن اللاحق بمكتب الضمان في طرابلس، حيث لفت رئيس اتحاد العمال والمستخدمين في الشمال شعبان بدرة الى ان الهدف الأساس لوجود الضمان «هو تحقيق مبدأ التعاضد الاجتماعي في الدولة وازالة حال العوز عن جميع المواطنين وفي مقدمتهم الاجراء من أصحاب الدخل المحدود وذلك عن طريق تأمين مدخول يؤمن ما يكفي للعيش ويعالج الآثار السلبية للثغرات الاجتماعية. ويبدو أن طرابلس لم يكفها ما تعرضت له على امتداد سنوات طويلة من صنوف الاهمال والتجاهل والحرمان والتغييب والشطب من خريطة الوطن، حتى جاءت أزمة الضمان لتزيد الطين بلة».
اضاف: «ان الواقع يفرض علينا أن نبقى متفائلين وأن نأمل خيرا انطلاقا من أننا نعيش في ظل حكومة رئيسها طرابلسي ويعاونه فيها أربعة وزراء من طرابلس يتولون وزارات أساسية. وهذا يدفعنا لأن نطلب منهم مضاعفة الجهد لتحقيق المطالب، خصوصا وأن أغلبها مشروعة وعادلة وكان يفترض ان تنفذ منذ مدة طويلة انطلاقا من مقولة الانماء المتوازن. والأزمة في مكتب الضمان في طرابلس مستعصية نسبيا لأكثر من سبب، ولا بد من كلمة حق ننصف فيها العاملين في الضمان وفي مقدمتهم مديره الصديق عبد الهادي كيلاني والموظفون البالغ عددهم اقل من 19 موظفا الذين يبذلون جهودا مضاعفة بحيث يقوم الموظف الواحد بعمل يحتاج الى خمسة موظفين أو أكثر الأمر الذي يؤدي الى تراكم الملفات العالقة ومعاناة المنتسبين الى الصندوق نتيجة تأخر معاملاتهم، وبالتالي تأخر قبض مستحقاتهم. ان هذا الواقع يستوجب ملء الشواغر لسد الحاجة لانهاء المعاملات المتراكمة وتحديد موعد اسبوعي لقبض المستحقات، علما أنه يفترض أن يتم القبض بشكل يومي كما هو محدد في قانون الضمان الاجتماعي بعد توفير الأموال اللازمة لتسديد تلك المستحقات».
} السيد }
أما نقيب السواقين في الشمال، نائب الأمين العام لاتحاد النقل في لبنان ونائب الأمين العام لاتحاد عمال الشمال شادي عبد الرحمن السيد، فسأل: «لماذا نسكت بعد اليوم ما دام الصبر لم يعد يفيدنا. ان الضمان الاجتماعي في طرابلس معاناة بحد ذاته، نظرا لعدم وجود الموظفين لتخليص معاملات السائقين والعمال المضمونين من مدارس وشركات، وان تأخير المعاملات من تقديم الأدوية ومواعيد التصفيات وصرف الأموال سببه عدم وجود موظفين فمركز طرابلس يوجد بداخله 19 موظفا فقط».
وطالب «جميع المعنيين بمعالجة مشكلة 37 الف مضمون، وقال: «هناك فشل اداري واستهداف متعمد لمدينة طرابلس لذلك اننا نحمل ادارة الضمان مسؤولية تفريغ مكتب طرابلس الاقليمي من معناه ومن موظفيه كون مكتب طرابلس، «اقليمي» بالاسم، وان أي مكتب آخر في الشمال يقدم خدمات لخمس المضمونين الموجودين في طرابلس، ويغص بالموظفين الذين لا يجدون عملا لهم والدليل يكمن في اخر احصائية ولمن لا يصدق عليه القيام بجولة ليجد بقية مكاتب الشمال فارغة من المضموين باستثناء مكتب طرابلس».
كما طالب بـ «مركز ضمان اجتماعي للضنية وآخر للمنية أسوة ببقية الأقضية الشمالية وصلاحيات أوسع لمكتب حلبا لأنه لا صلاحية له سوى استلام الأدوية. ولا يخفى على أحد الدور البارز الذي يقوم به رئيس مكتب طرابلس الذي يساعد الموظفين في أعمالهم وبابه مفتوح للجميع، مضمونين وموظفين، فيما بقية الموظفين يقومون بأعمال أكثر من طاقتهم وفي أكثر من مكان لتلبية حاجات المضمونين، والكارثة حتمية في حال مرض أي موظف كونه لا يوجد أي بديل مكانه».
} نعوشي }
اما نقيب موظفي المصارف في الشمال السابق عامر نعوشي فقال باسم المكتب العمالي لحزب التحرر العربي: «أن الضمان الاجتماعي هو مؤسسة عمومية ذات طابع اجتماعي لها أهمية كبرى بالنسبة للفرد والمجتمع لجهة التأمين على المرض والأمومة وحوادث العمل وتعويض نهاية الخدمة وخلافه. وعلى الدولة دفع ديونها المالية المترتبة لمصلحة الصندوق كما يجب على القطاع الخاص دفع الاشتراكات المتوجبة عليه والتصريح عن أجرائه لأن الخلل المالي هو احدى الثغر الأساسية الضاغطة على الضمان والمعرقلة لاحتمالات نهوضه، فهذه المسألة ليست آنية أو جديدة بل هي عميقة وتؤدي الى انعكاسات على وظيفة الصندوق ودوره».
وتابع: «ان انخفاض عدد المستخدمين وتعيين مديرين بالوكالة لا بالأصالة، رغم شغور عدد كبير من هذه المراكز يؤدي للتأثير سلبا في عمل الضمان الذي ينهار بسبب تقاعس الدولة وفرض هيبتها عليه. فالحفاظ على هوية الصندوق ومدى ارتباطه واستقلاليته عن السلطة السياسية يعيده الى طابعه الاجتماعي البحت فمهما كانت الصعوبات التي يعيشها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فهو مدعو بالحاح الى تأدية دور جديد عبر مشاريع مختلفة مرتبطة بتقديمات كطب الأسنان ورعاية المسنين وتوفير المنح المدرسية ولكن المشروع الأهم والأكثر حيوية هو مشروع التقاعد والعجز والوفاة. ان المستخدمين والاجراء هم دوما من يدفع الثمن مع انهم يبذلون الجهد الكبير من أجل النهوض بالمؤسسة».
وختم النقيب نعوشي مطالبا بـ «انصاف مكتب طرابلس الاقليمي بزيادة عدد موظفيه بما يتناسب مع عدد المضمونين اسوة ببقية المكاتب، كما نطالب بمكتب للضنية، ومكتب ثان في المنية وتوسيع صلاحيات العمل في مكتب حلبا، فالانفجار حتمي في مكتب طرابلس في حال لم يلتفت الى هذه المطالب المحقة».

ACGEN اجتماعيات الديار رعاية وضمان