Friday, 28 August 2015 - 12:00am
على وقع حركة الشارع الذي ينبض بتحركات "المجتمع المدني" الذي اشعل شرارتها مشهد النفايات على الطرق، عقدت الهيئات الاقتصادية اجتماعاً طارئاً بحثت وفق ما جاء في بيانها، "الأوضاع والمستجدات على الساحة الداخلية، ولا سيما ما يتصل منها بالأزمة السياسية والأحداث التي شهدتها البلاد في الأيام الماضية، والتي هي انعكاس للفراغ في سدّة الرئاسة وتعطيل لأعمال المؤسسات الدستورية".
اللافت في البيان الذي أصدرته "الهيئات" أنه لم يتطرق الى مطالب المحتجّين حتى بدا أنها غير معنية بهموم اللبنانيين، وكأن الناس في واد وهي في واد آخر. وركزت في اجتماع برئاسة الوزير السابق عدنان القصار على اعمال الشغب التي تهدف إلى "تشويه وسط بيروت"، مطالبة بـ"تحييد هذه المنطقة التي تحتضن مراكز الشرعية وتمثل أحد أبرز رموز الوحدة الوطنية عن أعمال الشغب والأحداث الأمنية".
وفيما لم تحرك "الهيئات" ساكناً منذ نداء 25 حزيران الماضي، أكدت مصادرها لـ "النهار" أنها تقوم بواجباتها عبر محاورة المسؤولين والتواصل معهم، إلاّ أنها في الوقت عينه أكدت انها "لن تنزل الى الشارع لأن الامور خرجت عن السيطرة، فلو ان الاحتجاجات بقيت حضارية لكنّا أول من تضامن مع المحتجين بالنزول الى الشارع". علماً أن البيان أشار الى تأييد "مبدأ التظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي ضمن إطار القوانين المرعية الإجراء والمكفولة أساساً في الدستور، إلاّ أن أعمال الشغب التي اقترفها بعض المتظاهرين، ارتدت سلبا على لبنان واللبنانيين واساءت الى سمعة لبنان في محيطه العربي وفي الخارج". وشدّد المجتمعون على أهمية المحافظة على الأمن، وعدم تعريض الاستقرار والسلم الداخلي للخطر.
وفيما عابت بعض مصادر المجتمع المدني على الهيئات عدم تطرقها الى مطالب الناس، اعتبر رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس في اتصال مع "النهار" أن "الهيئات ليست متضامنة مع مطالب المجتمع المدني فحسب، بل كانت السبّاقة في انتقاد تقصير السلطة قبل أعوام طويلة إن في موضوع التقدمات الاجتماعية أو في التباطؤ الاقتصادي، اضافة الى مواضيع الاصلاح ومكافحة الفساد". وبهذا المعنى اكد شماس "أن الهيئات هي أم الصبي".
إلاّ أنه ميّز بين النظام السياسي والمنظومة السياسية. "فالنظام السياسي هو وليد وثيقة الوفاق الوطني الذي انهى الحرب الدامية في لبنان، وليس بالسهولة تالياً المطالبة بتغييره أو اسقاطه. أما المنظومة السياسية الحالية، بتناقضاتها وصراعاتها، هي التي أدت الى الويلات الراهنة. ولا مجال لتجاوز هذه الازمة الاّ عبر اعادة تكوين السلطة وهذا يتم توالياً بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة على مستوى التحديات الحالية، وصولاً الى انتخاب مجلس نواب جديد بناء على قانون انتخابي يراعي معياري صحة التمثيل والانصهار الوطني". عدا ذلك، فإن "السعي الى اسقاط الحكومة، هو في الواقع سيمدّد من أجلها لأنه لا امكانات دستورية لتشكيل حكومة اخرى في ظل الشغور الرئاسي". ورأى أن "التعبير العنفي عن السخط الشعبي المشروع، يصبّ زيتاً على نار الازمات الاقتصادية والانشقاقات الداخلية، فضلاً عن انه يعاقب مستثمرين وتجاراً ورجال اعمال آمنوا بلبنان ووظفوا ألوفاً مؤلفة من الأجراء قد ينتهي الامر بهم للصرف من الوظيفة في حال الانهيار الاقتصادي".
ولفت الى أن "المحافظة على سلامة وسط العاصمة أمر جوهري، وتالياً فإن التعرّض له هو خط أحمر كونه نقطة تقاطع الحياة الدستورية والدورة الاقتصادية، اضافة الى مركز التلاقي الاجتماعي لكل اللبنانيين من مختلف الطوائف والمشارب، وينبغي حماية هذا الدور الذي تضطلع به برموش العيون.
واذا كان الوسط التجاري أصبح محور التحركات الاحتجاجية لكل الاتجاهات السياسية، فإن رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير اعتبر ذلك ضرباً للشرعية عبر ضرب مؤسّساتها في الوسط التجاري"، مشيراً الى أنَّ هذا الامر "ينمّ عن حقد دفين بدليل اعتداء المندسّين على المؤسسات التجارية فيه، ومشهد الاعتداء على تمثال رياض الصلح مقزز جداً".
وشدّد على أن مطالب "الهيئات تتعارض مع مطالب اللبنانيين عموماً والمحتجّين خصوصاً، ولكن الأهم هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية لتتجدّد السلطات الأخرى، كتشكيل حكومة جديدة وانتخاب مجلس نواب جديد. من هنا كان تركيز البيان على ثلاثة مطالب: انتخاب رئيس جمهورية، المحافظة على الحكومة والتركيز على الملف الأمني، لأنه من خلال التركيز على هذه الملفات توضع الأمور على السكة في اتجاه لحل بقية المشكلات".
وشدّد شقير في ما يتعلق بتحركات المجتمع المدني، على أنّ الهيئات مع التظاهرة السلمية ولكنّها ليست مع المندسّين الذين شوّهوا لبنان وصورته، وقال لطالما حذّرت من أنَّ وجع الناس سيفضي إلى ثورة اجتماعية، إذ إنَّ السلطات حمّلتهم أمورهم الحياتية اليومية، ومن ثم أضافت إلى كلّ ذلك مسؤولية البحث عن حلول لملف النفايات".
وإذ أكّد تصميم بعض الأفرقاء على تعطيل أمور البلد، سأل ما الضير في المشاركة في جلسات الحكومة ومجلس النواب واتخاذ قرار في شأن ملف النفايات وقروض المؤسسات المانحة، علماً أنَّ المشاريع الإنمائية الناتجة من هذه القروض ستُعمّم على الجميع.
ما الخطوة المقبلة للهيئات؟
أشار شقير الى أن "الهيئات الاقتصادية، وعلى رغم ما يحصل من تشويه لصورة لبنان، مستمرة في جولاتها الخارجية للتخفيف من وطأة هذا الأمر".
وكانت "الهيئات" أكدت في بيانها ان "رهانها كان وما يزال على حكمة القوى السياسية ووطنيتها، ولذلك يجب أن تبقى الأولوية للحوار والتوافق كمدخل مهم لمعالجة الأزمات الطارئة، حتى لا تتسع الهوّة بعد ذلك، ولا يعود بمقدور القوى السياسية إيجاد الحلول التي من شأنها أن تجنّب بلدنا الانهيار، خصوصاً أن أمامنا استحقاقات داهمة. إزاء ذلك، المطلوب تفعيل عمل المؤسسات الدستورية وخصوصاً مجلسي النواب والوزراء، بما يؤدي إلى إنقاذ البلاد من كارثة الانهيار، ويساعد في معالجة المشكلات الاقتصادية".
لبنان النهار مجتمع مدني