هل لبنان الكبير موجود تربوياً؟

Tuesday, 6 October 2015 - 2:24pm
اذا كان لبنان الكبير سنة 1920 راسخًا في الواقع الديبلوماسي والمؤسسي في لبنان بفضل صغر مساحته والتواصل والنقل بين مختلف المناطق، فهو ليس راسخًا، وليس بقدر كاف، في اللاوعي الجماعي لدى اللبنانيين وفي الذاكرة التاريخية.

لهذا الموضوع الذي يرتبط بعلم النفس التاريخي أهمية قصوى في سبيل تجذّر الانتماء والتضامن وبناء الذاكرة الجماعية المشتركة للجيل الجديد. وهو يتطلب عملاً ثقافيًا وتربويًا ومعالجة بالمعنى العيادي. ما هي أسباب ذلك؟
1- لبنان الـ 10,452 كلم2: عندما اطلق الرئيس بشير الجميّل المبدأ البديهي، بعد سنوات من الحروب المتعددة الجنسية في لبنان، حول لبنان الـ 10,452 كلم2، بدت هذه البديهية وكأنها مُستجدة، ومُحفزة وجديرة بالالتزام وباستعادة الالتزام. هل نعلم انه قبل بشير الجميّل صدرت سنة 1975 وثيقة من 26 صفحة بعنوان: "لبنان الكبير: مأساة نصف قرن"، وفيها نقد للبنان الكبير!
2- الادراك الجزئي للجغرافيا: عندما كان الوضع الأمني مضطربًا في منطقة من لبنان وعندما تسأل لبنانيًا من منطقة أخرى فترة 1975-1990: كيف الحالة؟ يجيبك: جيدة! ربما ادراكنا اليوم تغيّر نتيجة الاختبار، ولكنه ما زال غير شمولي. تظل اليوم مطالبات مناطقيةٌ مناطقيةً، وتعالج مناطقيًا، بدون ادراك وطني شامل وبدون الاخذ في الاعتبار التناغم والتوازن.
3- أحلام الفيديرالية الجغرافية: خلال فترات النزاع، وغالبًا لأسباب اقليمية ودولية، بخاصة خلال السنوات 1975-1990، تظهر احلام فيديرالية جغرافية حتى من قبل مُثقفين وباحثين جديّين. وحين ورد في وثيقة الوفاق الوطني - الطائف، إعتماد اللامركزية، يتضح في كل نقاش ضرورة التوضيح انها لامركزية ادارية وليس شيئًا آخر! هذا الشيء الآخر هو كامن في اللاوعي المرضي ولم يخضع لعلاج. وتستمر كتب مدرسية، بدون وضع المسألة في اطارها الزمني، بترداد: "هنيئًا لمن له مرقد عنزة في جبل لبنان"!
4- ايديولوجيا سايكس - بيكو سنة 1916: ايديولوجيا سائدة وعروبية وقومية سطحية وتعبوية تسند كل التكوين الجغرافي للمنطقة العربية، بما فيها لبنان، كثمرة اتفاقيات سايكس - بيكو. ان الزواج العقلاني أو المدبّر عائليًا قد يتحول بعد قرن الى زواج حب أو ضرورة في "وطن نهائي لجميع أبنائه" حسب تعبير مقدمة الدستور اللبناني المعدل.
سنة 1926 أوضح الآباء المؤسسون للدستور اللبناني، بوعي تام للموضوع وبتفصيل لا مثيل له في دساتير أخرى، حدود لبنان في المادة الأولى من الدستور (نعم المادة الاولى!). النائب سعدي المنلا، خلال المناقشة البرلمانية للدستور في 8/11/1943 قال: "هل هذا درس في الجغرافيا؟" نعم، درس في الجغرافيا، بحسب جواب حميد فرنجيه.
في الدستور المعدل سنة 1990، بموجب وثيقة الوفاق الوطني - الطائف، أدخلت على مقدمة الدستور عبارة: "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه" لأن الـ10,452 كلم2 ليست بديهية. اعترض البعض على أساس ان ذلك يناقض مبدأ تقرير المصير!
بعض المسلمات ليست تاليًا مسلمات في علم النفس التاريخي لدى اللبناني المتوسط. اذا كان بيك الهرمل وشيخ عكار يعيشون هذه المسلمات بفضل حكمة اختبارية، فليس الوضع كذلك بالنسبة الى مثقفين ولبنانيين عامة يتلاعب بهم خبراء في التعبئة النزاعية ويستعيدون المكبوتات المرضية التي لم تخضع لمعالجة.

ما العمل؟
في برامج التاريخ الجديدة، وفي اطار خطة النهوض التربوي باشراف البروفسور منير ابو عسلي في السنوات 1996-2002، وكنت عضوًا في لجنتي "التاريخ" و"التربية المدنية"، ورد بوضوح ضرورة تعليم تاريخ جغرافيا كل لبنان وليس قسمًا من جبل لبنان. وورد أيضًا، في سبيل ادراك شمولي للتكامل والتضامن بين المناطق، ضرورة نقل الأحداث المهمة في تداعياتها على مساحة الوطن. لا تقتصر احداث 1860 مثلاً في الجبل على بعض المناطق ولا على بلدة دير القمر!
ان الموضوع عالمي في ما يتعلق بالتأريخ. كانت سويسرا مؤلفة اساسًا من ثلاثة كانتونات. والولايات المتحدة الاميركية كانت مؤلفة من 13 مقاطعة... هل نُعلِّم اليوم تاريخ ثلاثة كانتونات وتاريخ 13 مقاطعة؟ ينطلق كل تاريخ وطني جدّي من الجغرافيا الحالية والرسمية لكتابة التاريخ لاجيال اليوم. لم يباشر أي مؤرخ لبناني هذا المسار حتى اليوم! اي خطر، أي ثغرة، أي فراغ في علم النفس التاريخي لدى اللبناني العادي في حين نَغوص في تعميمات حول الدولة والمواطنية والانتماء واللبننة!
لا نتهم اللبناني العادي بنقص في الانتماء والتضامن الوطني، أي وطن الـ 10,452 كلم2. اجيال ما بعد 1920-1943 لم تأخذ بجدية لبنان الكبير ذا الـ 10,452 كلم2، ما يفسر انتفاضة الرئيس بشير الجميّل بعد تجربته الشخصية خلال سنوات الحروب.
منذ 1980 كثرت الأبحاث ذات المستوى الراقي المناطقية والمتعلقة بالمذاهب في سبيل سد فراغ نابع من مركزية التأريخ المسمى تاريخ لبنان والذي هو تاريخ جزء من جبل لبنان. قال لي المؤرخ الدكتور انطوان حكيّم: "كان ذلك بالأحرى ردة فعل"، وتاليًا بدون البحث عن التفاعل والتواصل والتكامل والعلاقات المتبادلة في رؤية وطنية متكاملة.
أين تاليًا الثقافة أو بالأحرى مثاقفة inculturation لبنان الكبير؟ لسد هذه الثغرة في علم النفس التاريخي والثقافة الوطنية بالعمق والتربية على الذاكرة، تعمل جمعية "تصالح" (تجمع الصداقة اللبناني للحوار المسيحي - الاسلامي)، بالتعاون مع كرسي الأونيسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف ومؤسسات أخرى، على تنظيم ندوة تليها مباراة مدرسية في 2015-2016. الهدف استكشاف الآباء المؤسسين للبنان الكبير وقيم الجمهورية في السنوات 1900-1943 في سبيل ذاكرة جماعية مشتركة للمستقبل.
عضو المجلس الدستوري
استاذ في جامعة القديس يوسف

لبنان ACGEN اجتماعيات النهار